في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
خاتمة

خاتمة

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم قال المؤلف رحمه الله: خاتمةٌ.
خُلاصَةُ ما مَضَى منَ الأبْحاثِ أنّ مَن عَرَفَ الله ورسولَهُ ونطَقَ بالشَّهادَةِ ولو مرّةً في العمُرِ ورضِيَ بذلك اعتقادًا فهوَ مسلمٌ مؤمنٌ.
الشرح: من عرفَ واعتقدَ أنه لا يستحقُّ أحدٌ أن يُعبَدَ إلا الله وأن محمّدًا رسولُ الله صادقٌ في كلّ ما جاءَ به فهو مؤمنٌ مسلمٌ، أما من أتى بما يُنافي ذلكَ وقال أشهدُ أن لا إله إلا الله وأشهدُ أن محمّدًا رسولُ الله فهذا اعتقادُهُ يخالفُ الشّهادتينِ فليسَ بمسلمٍ عندَ الله ولو نَطَقَ بالشهادتينِ بلسانِهِ، وقد قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: "من قالَ لا إله إلا الله وكَفَرَ بما يعبدُ من دونِ الله حَرَّمَهُ الله على النار"، أي سلَّمَهُ الله تعالى من أن يُخلدَ ويؤبَّدَ في النارِ، فإن دَخَلَ النارَ بذنوبِهِ فلا بدَّ أن يخرجَ منها ثم يدخل الجنةَ.
قال المؤلف رحمه الله: ومَن عَرفَ ونطَقَ ولم يعتقدْ فليسَ بمسلمٍ ولا بمؤمنٍ عندَ الله، وأمّا عندنا فهو مسلمٌ لخَفاءِ باطِنه علينا، وإن كان يتظاهرُ بالإسلامِ ويكرَهُ الإسلامَ باطنًا أو يترَدَّدُ في قلبِهِ هل الإسلامُ صحيحٌ أم لا فهو منافقٌ كافرٌ وهو داخلٌ في قولِ الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [سورة النساء/145]، فهو والكافرُ المُعْلِنُ خالِدانِ في النَّارِ خلودًا أبدِيًّا.
الشرح: نحنُ إذا أظهرَ لنا إنسانٌ أنه مسلمٌ وتشهَّدَ وصلَّى ولم نَعلَم منهُ كفرًا نُجري عليه أحكامَ الإسلامِ، ثم نقولُ الله أعلمُ بباطنه. وأما الذي يُظهِرُ الإسلامَ ويُخفي الكفرَ في قلبهِ كأن يكون عندهُ شكٌّ بصحّةِ الإسلامِ فهذا منافقٌ وهو داخلٌ تحت قولِ الله: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ (145).
قال المؤلف رحمه الله: وقولُ البَعْضِ: يصِحُّ إيمانُ الكافِرِ بلا نُطقٍ مع التَّمكُّنِ قولٌ باطِلٌ.
الشرح: بعضُ العلماء قالوا لا يُشترطُ النطقُ بالشهادتينِ لصحةِ الإسلامِ فلو صَدَّقَ الإنسانُ بقلبِهِ بمعنى الشّهادتينِ وَجَزَمَ لكنهُ لم ينطق بالشهادتينِ فهو مؤمنٌ إلا أن عُرِضَت عليهِ الشهادةُ فأبَى النُّطقَ بها، وهذا القولُ خلافُ عقيدةِ الجمهورِ، فقد نَقَلَ الإمامُ المجتهدُ ابنُ المنذرِ الإجماعَ على أنَّ الدّخولَ في الإسلامِ لا يكونُ إلا بالنُّطقِ بالشّهادتينِ، أي أنَّ دخولَ الكافرِ في الإسلامِ لا يكونُ إلا بالنطقِ بالشهادتينِ، لكن لا يدخلُ في ذلكَ من وُلِدَ بين أبوينِ مُسلمَينِ فإنه يُجرى عليه حكم الإسلام لو لم يتلفظ بالشهادة في صغره ولا بعد كِبَرِه.
قال المؤلف رحمه الله: وقالَ بعضُهم: "مَن نشأَ بينَ أبوَيْنِ مُسلِمَينِ يكفيهِ المعرفةُ والاعتقادُ لِصحّةِ إسلامِهِ وإيمانِهِ لَوْ لَمْ ينطِق بالمَرَّةِ".
الشرح: أن من نشأَ بين أبوينِ مسلمينِ على العقيدةِ الصحيحةِ فهو مسلمٌ مؤمنٌ ولو لم ينطق بالشهادتينِ، وكذلك من نشأَ على عقيدةِ الإسلامِ بين أبوينِ كافرينِ فهو مسلمٌ مؤمنٌ طالما لم يعتقد اعتقادًا كفريًّا ولم ينطق بكلامٍ كفريّ ولم يفعل فِعلًا كفريًّا.
قال المؤلف رحمه الله: ثمَّ مَن صحَّ له أصلُ الإيمانِ والإسلامِ ولَو لَمْ يَقُم بأداءِ الفرائضِ العَمَليّةِ كالصَّلواتِ الخمسِ وصيامِ رمضانَ ولم يجتنب المحرَّماتِ إلى أنْ ماتَ وهو على هذه الحالِ قبلَ أن يتوبَ فقدْ نَجا مِنَ الخلودِ الأبدي في النَّارِ، ثمَّ قسمٌ منهمْ يُسامِحُهُم الله ويُدخِلهُم الجنةَ بلا عذابٍ وقِسمٌ منهُمْ يعذّبُهم ثمّ يُخرِجُهُم ويدخِلُهُم الجنّةَ، والله أعْلَمُ بمَن يسامِحُهُ ومَن لا يسامِحُهُ.
وأمّا مَن ماتَ بعدَ أن تابَ فأدَّى جميعَ ما افترضَ الله عليهِ واجتنبَ المُحرَّماتِ فهو كأنّهُ لم يُذْنِبْ لقولِه صلى الله عليه وسلم: "التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كمَن لا ذنْبَ لهُ" حديثٌ صحيحٌ رواهُ ابنُ ماجَه عن ابنِ مَسعُودٍ.
الشرح: مهما أذنبَ الشخصُ وتابَ وأذنَبَ وتابَ ولو تَكرَّر ذلكَ منه مائة مرّةٍ أو أكثر فإنَّ الله يقبل توبتَهُ، فبابُ التّوبةِ ما زالَ مفتوحًا لم يُغلَق بَعدُ.
قال المؤلف رحمه الله: وفي صحيح البُخاريّ أنّ رجلًا قالَ: يا رسولَ الله أُسْلِمُ أو أقاتلُ؟ قال: أسلِمْ ثمّ قَاتِل، فأسْلَمَ فقاتَلَ فقُتِلَ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "عَمِلَ قليلًا وأُجِرَ كثيرًا"، أي لأنّه نالَ الشّهادةَ بعدَ أن هدَمَ الإسْلامُ كلَّ ذنبٍ قدَّمَهُ فالفَضْلُ للإسلامِ، لأنّه لو لم يُسْلِم لم يَنْفَعْهُ أيُّ عمَلٍ يَعْمَلُهُ. وهذا الرجلُ كان التحقَ بالمجاهدينَ من أجلِ أن قومَه الذين هم مسلمون خرجوا من غيرِ أن يسلمَ ثم ألهمَهُ الله أن يَسألَ الرسولَ فسألَ فأرشدَهُ الرسولُ إلى أن يُسلِمَ ثم يُقاتل.
الشرح: إن مِن نِعَمِ الله على عبادِهِ المؤمنينَ أن من مَاتَ بنوعٍ من أنواعِ الشهاداتِ يغفرُ له ولا يعذَّبُ ولو كانَ عندَهُ ذنوبٌ مثل الجبالِ فكيفَ إذا كانَ موتُهُ بأفضل أنواعِ الشّهادةِ وهو من مَاتَ وهو يقاتِلُ في سبيلِ الله بنيّةٍ خالصةٍ لا رياءَ فيها، فالشّهيدُ مهما كانَ عليه ذنوبٌ يوم القيامةِ يُخيَّرُ من أيّ أبوابِ الجنّةِ الثّمانيةِ شاءَ أن يدخُلَ، ثم الشّهيدُ ملائكةُ الرحمَةِ يحملونَ روحَهُ بكفنٍ بخرقةِ حريرٍ من الجنةِ، يأخذونَ هذه الرّوح من عزرائيلَ ولا يتركونها في يدهِ طرفةَ عينٍ.
وأما ما وَرَدَ في الحديثِ من أن الشّهيدَ يُغفَرُ له إلا الدَّيْن فليسَ معناهُ أنه يعذّبُ وإنما معناهُ أن صاحبَ الدَّين الله يُعطيهِ من حسناتِهِ فإن وَفَت حسناتهُ وإلا فمن خزائنِ الله يؤدَّى عنهُ.
ومما خُصَّ به الشهيدُ يومَ القيامةِ أن جرحَهُ يكون لونهُ لون الدَّمِ وريحُهُ ريح المِسكِ أي علامة على أنه فائزٌ عندَ الله في الآخرَةِ.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم