في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
من معجزاتِه صلى الله عليه وسلم

من معجزاتِه صلى الله عليه وسلم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم قال المؤلّف رحمه الله: من معجزاتِه صلى الله عليه وسلم
وأمّا محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فمِن معجزاتِهِ صلى الله عليه وعلى جميعِ إخوانِه الأنبياءِ: حنِيْنُ الجِذْعِ، وَذَلِكَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَسْتَنِدُ حينَ يَخطُبُ إلى جِذْعِ نَخْلٍ في مسجِده قبلَ أن يُعمَلَ له المنبرُ، فلمَّا عُمِلَ له المِنْبَرُ صَعِدَ صلى الله عليه وسلم عليه فبدأَ بالخُطبَةِ وهو قائمٌ على المنبرِ فحَنَّ الجِذْعُ حتّى سمِعَ حنِينَه مَنْ في المسجد، فنزلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فالتزَمَهُ - أي ضَمَّه واعتنقَه - فسَكَتَ.
الشرح: هذا الجذعُ الذي حَنَّ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم الله خَلَقَ فيهِ الإدراكَ والمحبَّةَ والشّوقَ لرسولِ الله فَحَنَّ من شدّةِ الشَّوقِ وكان هذا الجذعُ في قِبلَةِ المسجدِ.
وحديثُ حنينِ الجذعِ هذا متواترٌ كما أنَّ القرءانَ متواترٌ وهذه من أعجبِ المعجزاتِ ويصحُّ لقائلٍ أن يقولَ إنّها أعجبُ من إحياءِ الموتى الذي حَصَلَ للمسيحِ لأنَّ إحياءَ الموتى يتضمَّنُ رجوعَ هؤلاءِ الأشخاصِ إلى مِثلِ ما كانوا عليهِ قبل أن يموتوا، أما الخشبُ فهو من الجَمَادِ الذي لم يكن من عادتِهِ أن يتكلَّمَ بإرادةٍ فهو أعجبُ، هذا من أظهرِ المعجزاتِ.
قال المؤلّف رحمه الله: ومن معجزاتِهِ صلى الله عليه وسلم إنطَاقُ العَجْماءِ أي البهيمةِ. روى الإمامُ أحمدُ والبيهقيُّ بإسنادٍ صحيحٍ من حديثِ يَعْلَى بنِ مُرَّةَ الثَّقَفيّ قال: بينما نسيرُ معَ النبي صلى الله عليه وسلم إذ مرَّ بنا بعيرٌ يُسْنَى عليه فلمَّا رءاهُ البعيرُ جَرْجَرَ فوضَعَ جِرانَهُ فوقَفَ عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: أينَ صاحبُ هذا البعيرِ؟ فجاءَهُ فقالَ: بِعنِيْهِ، فقال: بل نَهبُهُ لكَ يا رسولَ الله وإنَّه لأهلِ بيتٍ ما لَهُمْ مَعِيشةٌ غيرُه، فقال النبيُّ: "أمّا ما ذكرتَ من أمرِه فإنّه شكَا كثرةَ العملِ وقِلَّة العَلفِ فأحْسِنُوا إليه".
وأخرجَ ابنُ شاهينَ في دلائلِ النبوَّةِ عن عبدِ الله بنِ جعفرٍ قال: "أردَفَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم خلفَهُ فَدَخَلَ حائطَ رجلٍ من الأنْصارِ فإذا جَمَلٌ فلمّا رأى النَّبي صلى الله عليه وسلم حَنَّ فذرَفَتْ عيْنَاهُ فأتاهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فمسَحَ ذفَراتِه فسَكنَ، ثمَّ قالَ: من ربُّ هذا الجملِ؟ فجاءَ فتًى من الأنصار، فقالَ: هذا لي، فقالَ: ألا تَتَّقي الله في هذه البهيمةِ التي ملَّكَكَ الله إيَّاها فإنَّه شَكَا إليَّ أنّكَ تُجيعُهُ وتُدْئِبُه". وهو حديثٌ صحيحٌ كما قالَ المحدّثُ مُرْتضى الزبيديُّ في شرحِ إحياءِ علومِ الدّين.
ومنها تفجُّرُ الماءِ من بينِ أصابعِهِ بالمشاهدةِ في عدَّةِ مواطِنَ في مشاهِدَ عظيمةٍ وَرَدَتْ من طرُقٍ كثيرةٍ يُفيدُ مجموعُها العِلْمَ القطعيَّ المستفادَ من التَّواترِ المعنويّ ولم يَحصُلْ لغيرِ نبيّنا حيثُ نبعَ من عَظْمِهِ وعصَبِهِ ولَحمِهِ ودَمِهِ وهو أبْلَغُ من تفجُّرِ المياهِ من الحجرِ الذي ضرَبَهُ موسَى لأنّ خروجَ الماءِ من الحجارةِ معهودٌ بخلافِهِ من بين اللحمِ والدَّمِ. رواهُ جابرٌ وأنسٌ وابنُ مسعودٍ وابنُ عبّاسٍ وأبو ليلى الأنصاريُّ وأبو رافعٍ.
وقَد أخْرجَ الشَّيخانِ من حديث أنسٍ بِلَفْظِ: "رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وقد حانَتْ صَلاةُ العَصْرِ والتمَسَ الوَضُوءَ فلَم يَجِدُوهُ فأُتِيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بوَضُوءٍ فَوَضَعَ يدَهُ في ذلكَ الإناءِ فأمَرَ النَّاسَ أن يتوضَّؤوا فرأيتُ الماءَ يَنْبُعُ من بَيْنِ أصَابعِهِ فَتوضَّأَ النَّاسُ حتَّى توضَّؤوا منْ عِنْدِ ءاخِرِهم". وفي روايةٍ للبُخاريّ قالَ الرَّاوِي لأَنَسٍ: كَم كُنْتُم؟ قَالَ: ثلاثَمِائةٍ.
ورَوى البُخاريُّ ومُسْلمٌ من حَديثِ جَابرٍ أيضًا: "عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الحدَيْبِيَةِ وكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بينَ يدَيْه رَكْوةٌ يتَوضَّأُ مِنْها فَجَهَشَ النّاسُ فَقالَ: مَا لَكُمْ؟ فَقالوا: يَا رسُولَ الله ليسَ عندَنا ما نتَوضَّأُ بهِ ولا ما نَشْرَبُه إِلا ما بَيْنَ يَدَيْكَ، فَوضَع يدَهُ في الرَّكْوةِ فَجعلَ الماءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أصَابِعِهِ كأمْثالِ العيُونِ، فشَرِبْنا وتَوضَّأْنا، فَقيْلَ: كَمْ كُنْتُم؟ قالَ: لَو كُنّا مائةَ ألفٍ لكَفَانا كُنّا خَمْسَ عشْرَة مائةً".
والتَّحقيقُ أنَّ الماءَ كَانَ يَنْبُعُ مِنْ نَفْسِ اللّحمِ الكائِنِ في الأصابعِ وبهِ صرَّحَ النّوويُّ في شَرح مسلمٍ ويؤيّدُهُ قَولُ جَابرٍ: "فَرأيتُ الماءَ يَخْرُجُ"، وفي رِوَايةٍ "يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أصَابِعهِ".
ومن مُعجزاتِه: ردُّ عَينِ قتادَةَ بعدَ انقِلاعِهَا فقَد روى البَيهقيُّ في الدّلائلِ عن قَتادَةَ بنِ النُّعمانِ أنّه أُصيبَت عَيْنُه يَومَ بَدرٍ فسَالَت حَدَقَتُه على وجْنَتِه فأرادُوا أنْ يقْطَعُوها فسَألُوا رسُول الله فَقالَ: لا، فدَعَا بهِ فغَمزَ حدَقَتَهُ براحَتِه، فكَانَ لا يَدْرِي أيَّ عيْنَيهِ أُصِيْبَت. اهـ.
وفي هَاتينِ المعجِزَتينِ قالَ بَعضُ المادِحينَ شِعْرًا من البَسِيطِ: إنْ كانَ مُوسَى سَقَى الأَسْباطَ من حَجَرٍ فإنَّ في الكفّ مَعْنًى ليسَ في الحجَرِ إنْ كانَ عيْسَى بَرَا الأَعْمَى بدَعوتِه فكمْ براحَتِه قدْ ردَّ مِنْ بَصَرِ الشرح: خروجُ الماءِ بين أصابعِ النّبي نظير ما أعطَى الله لموسى، فإنهُ لمّا جاءَ من أرض مصرَ مع عددٍ كبيرٍ من بني إسرائيلَ وهو قاصدٌ القدس قبل أن يصل إلى القدسِ بقيَ زمانًا في أرضٍ هي قبل القدسِ بمسافةٍ قصيرةٍ، هناك احتاجوا إلى الماءِ في تلك الأرضِ فأوحى الله إلى موسى: ﴿أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ﴾ [سورة الأعراف/160] فضربَ الحجرَ بعصاهُ فانبجَسَت من الحجرِ اثنتا عشرة عينًا، فوزَّعَ موسى هذه العيون التي خرجت من هذا الحجرِ الذي ضربَهُ بعصاهُ على الأسباط أي على القبائلِ التي كانت معهُ من بني إسرائيلَ المسلمين الذين هم من ذرّيةِ يعقوبَ وهو إسرائيل، فصاروا يأخذونَ من هذا الحجرِ ما يحتاجونَ إليه من الماءِ، ثمّ يمسكُ هذا الحجر ثم يفجّر ماءً بعدَ ذلكَ أيضًا ثم يمسكُ وهكذا ظلّوا زمانًا على هذه الحالِ.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم