في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
القُدْرَةُ

القُدْرَةُ

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم قال المؤلف رحمه الله: القُدْرَةُ
يَجبُ لله تعالى القُدْرَةُ عَلى كُلّ شَىءٍ والمُرَادُ بالشَّىءِ هُنَا الجَائِزُ العَقْلِيُّ فَخَرجَ بذَلِكَ المُسْتَحِيلُ العَقْلِيُّ لأنّه غَيْرُ قَابِلٍ للوُجُودِ فَلَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِتَعَلُّقِ القُدْرَةِ.
الشرح: القدرةُ صفةٌ أزليَّةٌ ثابتةٌ لذاتِ الله تعالى ويصحُّ أن يقالَ قائمةٌ بذاتِ الله تعالى لأن المعنَى واحدٌ لكن لا يقالُ ثابِتةٌ في ذاتِ الله فإن صفات الله تعالى ليست حالة فيه ولا هي بعضه ولا يقال إنها مثله ولا يقال إنها شبيهة به. وقدرةُ الله يتأتَّى بها الإيجادُ والإعدامُ أي يوجِدُ بها المعدومَ من العدمِ ويُعدِمُ بها الموجودَ. والبرهانُ العقليُّ على وجوبها لله تعالى هو أنه لو لم يكن قادرًا لكانَ عاجزًا ولو كان عاجزًا لم يُوجَد شىءٌ من المخلوقات، والمخلوقاتُ موجودةٌ بالمشاهدةِ، والعجزُ نقصٌ والنَّقصُ مستحيلٌ على الله، إذ من شرطِ الإلهِ الكمالُ. وأما البرهانُ النّقليُّ فقد وَرَدَ ذِكرُ صفةِ القدرةِ لله تعالى في القرءان الكريم في عدَّةِ مواضِعَ كقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [سورة الذاريات/58] والقوَّةُ هي القدرةُ ولا يجوز التعبير عن الله بالقوة كقول سيد قطب في تفسيره القوة الخالقة، وهذا إلحاد لأنه جعل الله صفة وقد تبع في هذا بعض الملحدين الأوروبيين، ومثل هذا قوله في تفسيره إرادة القوة الخالقة، فليحذر من تقليده في ذلك. وقولِه تعالى: ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ [سورة التغابن/1] والمرادُ بالشَّىءِ هنا الممكناتُ العقليّةُ، والممكنُ العقليُّ ما يصحُّ وجودُهُ تارةً وعدمُهُ تارةً أخرى.
فلا تتعلَّقُ القدرةُ بالواجِبِ العقليّ كذاتِ الله وصفاتِهِ، ولا بالمستحيلِ العقليّ أي ما لا يقبلُ الوجود، لذلك يمتنعُ أن يقالَ هل الله قادرٌ على أن يخلُقَ مثلَهُ أو على أن يُعدِمَ نفسَهُ فلا يقالُ إنه عاجزٌ عن ذلك ولا يقال قادرٌ على ذلك ولكن يقالُ: قدرةُ الله لا تتعلَّقُ بالمستحيلاتِ العقليَّةِ.
قال المؤلف رحمه الله: وخَالَفَ في ذَلك ابنُ حَزْمٍ فقالَ: "إنَّ الله عَزَّ وجَلَّ قادِرٌ أنْ يَتّخِذَ ولَدًا، إِذْ لَوْ لم يَقْدِرْ عَلَيْه لكَانَ عَاجِزًا"، وهَذَا الذي قَالَهُ غَيْرُ لازِم لأَنَّ اتّخَاذَ الوَلَدِ مُحَالٌ عَلى الله والمُحَالُ العَقْلِيُّ لا يَدْخُلُ تَحْتَ القُدْرةِ، وعَدَمُ تَعَلُّقِ القُدْرةِ بالشَّىءِ تَارَةً يَكُونُ لِقُصُوْرهَا عَنْهُ وذَلِكَ في المَخْلُوقِ، وتارَةً يَكونُ لِعَدَم قَبُولِ ذلكَ الشّىءِ الدّخولَ في الوُجُودِ أي حُدوث الوجود لِكَوْنِهِ مُسْتَحيْلًا عَقْلِيًّا وتارةً يكون لعدَم قبُولِ ذلك الشّىء العدَمَ لكونه واجبًا عقليًّا. أما المستحيلُ العقليُّ فعدمُ قَبولِهِ الدخولَ في الوجودِ ظاهرٌ وَأَمَّا الواجبُ العقليُّ فَلا يقبلُ حدوثَ الوجودِ لأنَّ وجودَهُ أَزليٌّ، فرقٌ بينَ الوجودِ وبينَ الدخولِ في الوجود، فالوجودُ يشمَلُ الوجودَ الأزليَّ والوجودَ الحادثَ وكلٌّ منهما يُسمّى وجودًا. أما الدخولُ في الوجودِ فَهو الوجودُ الحادثُ. فالواجبُ العقليُّ الله وصفاتُه، فالله واجبٌ عقليٌّ وجودُه أزليٌّ وصفاتُه أزليّةٌ ولا يُقال لله ولا لصفاتِهِ داخلٌ في الوجودِ لأنَّ وجودَهما أزليٌّ، فقولُنا إنَّ الواجبَ العقليَّ لا يقبلُ الدخولَ في الوجودِ صحيحٌ لكن يقصُر عنه أفهامُ المُبتدئينَ في العقيدةِ، أَمّا عِندَ مَن مَارسَ فَهي واضحةُ المُرادِ.
الشرح: كلامُ ابن حزمٍ هذا كفرٌ والعياذُ بالله لأن معنى كلامِهِ أنه يجوزُ أن يكونَ الأزليُّ حَادثًا لأن الذي ينحلُّ منه شىءٌ يكون حادثًا مخلوقًا والله ليس كذلك، فلا يقالُ إن الله قادرٌ على أن يتَّخِذَ ولدًا ولا يقال إنه عاجزٌ عن ذلك بل يكفرُ من قالَ ذلك، كما لا يقال عن الحجر عالمٌ ولا جاهل لأنَّ مصحح العلم والجهل الحياةُ. ولا يكون هذا من باب الجمع بين النقيضين ولا نفيهما فلا يكون مخالفًا لقاعدة النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان في محل واحد.
وقولهُ: "وَعدَمُ تعلُّقِ القدرةِ بالشَّىءِ تارةً يكون لِقُصورِهَا عنهُ وذلك في المخلوق" فمرادُهُ به مثلًا كما إذا قلنا الإنسانُ عاجزٌ عن أن يخلُقَ شيئًا بمعنى إبرازِهِ من العدمِ إلى الوجودِ وذلك لأن قدرتَهُ قاصرةٌ عن ذلك.
قال المؤلف رحمه الله: والعَجْزُ هُوَ الأَوَّلُ المَنْفِيُّ عَنِ قُدْرَتِهِ تَعَالى لا الثّانِي، فَلا يَجُوزُ أنْ يُقَالَ إنَّ الله قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ ولا عَاجِزٌ.
الشرح: المرادُ بذلك نفيُ العجزِ عن قدرةِ الله فيما يتعلَّقُ بالممكنِ العقليّ، وقولُه "لا الثّاني" فليسَ المرادُ به أنه يقالُ إن الله عاجزٌ عن كذا أو كذا وإنما مرادُهُ به أنه إن قيلَ مثلًا هل يقدِرُ الله على أن يخلُقَ مثلَهُ أن يقال في الجواب: قدرةُ الله لا تتعلَّقُ بالمستحيلاتِ العقليَّةِ، فلا يقالُ إنه قادرٌ على ذلك ولا عاجزٌ عنه.
قال المؤلف رحمه الله: قَالَ بَعْضُهُم: كَما لا يُقَالُ عن الحَجَر عَالِمٌ ولا جَاهِلٌ، وكَذَلِكَ يُجَابُ علَى قَولِ بَعْض المُلحدينَ: "هل الله قَادِرٌ علَى أنْ يَخْلُقَ مِثْلَه" وهَذا فِيهِ تجوِيزُ المُحَالِ العَقْلِيّ، وبَيانُ ذَلِكَ أنَّ الله أزَلِيٌّ ولَوْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ لَكانَ أزَلِيًّا، والأَزَلِيُّ لا يُخْلَقُ لأنه موجودٌ فكيف يُخْلَقُ الموجود.
الشرح: الإلهُ من شرطهِ أن يكون أزليًّا أي وجودُه أزليًّا ليسَ له ابتداءٌ فلا يقال هل الله يخلقُ مثلَه لأنه تناقُضٌ. فكلامُ هذا السائل ينحَلُّ هكذا هل يَخلقُ الأزليُّ أزليًّا مثلَه، والأزليُّ لا يقالُ فيه يُخلَق لأنه ما سبقه العدم. وهذا السؤالُ دليلٌ على سخافةِ عَقلِ سائِلِهِ.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم