في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
ما يجبُ للأنبياءِ وما يستحيلُ عليهم

ما يجبُ للأنبياءِ وما يستحيلُ عليهم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم قال المؤلف رحمه الله: ما يجبُ للأنبياءِ وما يستحيلُ عليهم
يجبُ للأنبياءِ الصّدْقُ ويستحيلُ عليهم الكَذبُ، وتجِبُ لهمُ الفَطَانَةُ ويستحيلُ عليهمُ البَلادَةُ والغَباوةُ، وتجبُ لهم الأمَانَةُ.
فالأنبياءُ سالمونَ من الكفرِ والكبائرِ وصغائرِ الخِسَّةِ وهذه هي العِصْمَةُ الواجبةُ لهم، ويستحيلُ عليهم الخيانةُ ويجبُ لهم الصّيانةُ فيستحيلُ عليهم الرَّذالَةُ والسَّفاهةُ والجُبنُ وكلُّ ما ينفّر عن قبول الدعوة منهم.
الشرح: يجبُ للأنبياءِ الصّدقُ ويستحيلُ عليهم الكَذِبُ وقد كانَ سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم معروفًا بين أهل مكّةَ بالأمينِ لما عُرِفَ به من الصّدقِ والأمانةِ والنزاهةِ، لم تجرّب عليه كذبة قَطّ كلّ المدة التي قَضَاهَا قبلَ أن ينزلَ عليه الوحيُ وهي أربعونَ سنة، فالكذبُ نقصٌ يُنافي منصبَ النبوّةِ.
ويجبُ للأنبياءِ الفَطانةُ أي الذَّكاءُ فكلُّهم كانوا أذكياءَ فطناءَ أصحابَ عقولٍ كاملةٍ قويّةِ الفهمِ. ويستحيلُ عليهم البلادةُ والغباوةُ فليسَ فيهم بليدٌ أي من هو ضعيفُ الفَهمِ لا يفهمُ الكلامَ بسرعةٍ إلا بعد أن يُكرَّرَ عليه عدّةَ مرّاتٍ ولا مَن هو ضعيفٌ عن إقامةِ الحُجَّةِ لمن يعارضهُ بالبَيانِ وليس فيهم من هو غبيٌّ أي فهمُهُ ضعيفٌ، لأنهم لو كانوا أغبياءَ لَنَفَرَ النّاسُ منهم لغباوتهم، والله حكيمٌ لا يفعلُ ذلك، فإنّهم أُرسلوا ليبلّغوا الناسَ مصالحَ ءاخرتِهم ودنياهم، والبلادةُ تنافي هذا المطلوبَ منهم.
ويجبُ للأنبياءِ الأمانةُ فيستحيلُ عليهم الخيانةُ في الأقوالِ والأفعالِ والأحوالِ فإذا استنصحهم شخصٌ لا يكذبونَ عليه فيوهمونَهُ خلاف الحقيقةِ وإذا وَضَعَ عندهم شخصٌ شيئًا لا يضيعونَهُ.
والأنبياءُ سالمونَ من الكفرِ والكبائرِ وصغائرِ الخسَّةِ أي التي تدلُّ على دناءةِ النفسِ كسرقةِ حبَّةِ عنبٍ قبلَ النبوّةِ وبعدَها وهذه هي العصمةُ الواجبةُ لهم، ويجوزُ عليهم ما سوَى ذلك من المعاصي لكن ينبَّهونَ فورًا للتوبةِ قبل أن يقتديَ بهم فيها غيرهم. وبهذا يجابُ عما قالهُ بعضُ المتأخرينَ من الأشاعرةِ كالسنوسيّ في كتبه الثلاثة الكبرى والوسطى والصغرى، وابن عاشر من المالكية، حيث أوجبوا للأنبياءِ العصمةَ من الحرامِ والمكروهِ محتجينَ بأنه لو كانَ يحصلُ منهم معصيةٌ ما أو مكروهٌ لانقلبت المعصيةُ والمكروهُ طاعةً لأننا مأمورونَ بالاقتداءِ بهم، يقال: إنَّ ذلكَ يندفعُ بما ذُكِرَ أن الله تعالى يُلهِمُهُم التوبةَ من ذلكَ قبل أن يقتديَ بهم أحدٌ وبذلكَ يزولُ المحذورُ.
ويدلُّ على جوازِ حصولِ ذلك منهم قولُهُ تعالى: ﴿وَعَصَى ءادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [سورة طه/121]، وءاياتٌ أخرى كقولِهِ تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [سورة محمد/19].
تنبيه: يجب الحذر من قول بعض الناس إن ءادم كان مأمورًا باطنًا بالأكل من الشجرة منهيًا ظاهرًا كما في حاشية الصاويّ على الدردير، وهذا كلام لا معنى له. كيف يجتمع الأمر والنهي في شىء واحد.
وممَّا يجبُ للأنبياءِ الصّيانةُ فيستحيلُ عليهم الرّذالةُ كاختلاسِ النَّظَرِ إلى الأجنبيّةِ بشهوةٍ وكسرقةِ حبّةِ عنبٍ، وكذلك يستحيلُ عليهم السفاهَةُ كالذي يقولُ ألفاظًا شنيعةً، وكذلكَ يستحيلُ عليهم الجُبنُ فالأنبياءُ هم أشجعُ خلقِ الله، وقد قالَ بعضُ الصّحابةِ: "كنَّا إذا حَمِيَ الوَطيسُ في المعركةِ نحتمي برسولِ الله صلى الله عليه وسلم"، فقد أعطَى الله نبيَّنَا قوّةَ أربعينَ رجلًا من الأشدّاءِ.
عصمةُ الأنبياءِ فضلٌ من الله ولطفٌ بهم ولكن على وجهٍ يبقى اختيارُهم بعدَ العصمةِ في الإقدامِ على الطاعةِ والامتناعِ عن المعصيةِ وإلى هذا القول مالَ الشيخُ أبو منصور الماتريديُّ، وهو القولُ السّديدُ وعليه الاعتمادُ إذ لولا ذلكَ لكانوا مجبورينَ في أفعالِهم ومن كانَ مجبورًا على فعلِ الطَّاعَةِ والامتناعِ عن المعصيةِ لا يكون مأجورًا في فعلِهِ وتركِهِ.
وأمّا قولُهُ تعالى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ [سورة يوسف/24] فقد قيلَ فيه نحو خمس تأويلات وأحسنُ ما قيلَ في ذلكَ أن يقالَ: قولُهُ تعالى:﴿وَهَمَّ بِهَا﴾ (24) مربوطٌ بما بعدَه بـ ﴿لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ (24) فيكونُ على هذا التفسير ما همَّ يوسف بالمرّةِ لأنَّه رأى البرهانَ، أمَّا لو لم ير البرهانَ لهمَّ، والبرهانُ هو العصمةُ أي أنّه أُلهِمَ أن الأنبياءَ معصومونَ عن مثل هذا الشىء وأنّه سيؤتى النّبوةَ فلم يهمّ، هذا أحسنُ ما قيلَ في تفسيرِ هذه الآية.
والخلاصَةُ أنّ الأنبياءَ لا يقعونَ في الزّنى ولا يهمّونَ بهِ. وقال بعض علماء المغاربة معنى "ولقد همت به" أي همت بأن تدفعه ليزني بها وهمّ يوسف بدفعها ليخلص منها وهذا التفسير شبيه بما ذكر ءانفًا.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم