في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
الآيَاتُ المُحْكَمَةُ

الآيَاتُ المُحْكَمَةُ

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم قال المؤلف رحمه الله: الآيَاتُ المُحْكَمَةُ: هِيَ مَا لا يَحْتمِلُ منَ التّأوِيْلِ بِحَسَبِ وَضْعِ اللُّغَةِ إلا وَجْهًا وَاحِدًا، أَوْ مَا عُرِفَ المُرادِ به بوُضُوْحٍ كقَولِه تَعَالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ (11) ، وقَولِه: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ (4) ، وقَولِهِ: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّ﴾ (65) [سورة مريم].
الشرح: ليُعلَم أن الآيات القرءانيَّة أغلَبُهَا مُحكَمَةٌ، والآياتُ المحكمَةُ هي التي دلالتُهَا على المرادِ واضحةٌ، ويقالُ: هي ما لا يَحتَمِلُ من التَّأويلِ بحسبِ اللُّغةِ العربيَّةِ إلا وجهًا واحدًا كقوله تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ (65) أي مِثلًا أي ليسَ له مثيلٌ ولا شبيهٌ، ولا يخالِفُ تقسيمَ الآياتِ إلى محكمٍ ومتشابهٍ قولُهُ تعالى: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَاتُهُ﴾ [سورة هود/1] وقولُه: ﴿كِتَابًا مُّتَشَابِهًا﴾ [سورة الزمر] لأن المرادَ بإحكامِهِ إتقانُهُ وعدمُ تطرُّقِ النَّقصِ والاختلافِ إليه، وبتشابُهِهِ كونه يشبِهُ بعضهُ بعضًا في الحقّ والصّدقِ والإعجازِ.
والآياتُ التي ذكرها المؤلّفُ هي أمثلةٌ للآياتِ المحكمةِ التي لا يجوزُ تأويلُها أي إخراجُها عن ظاهرِها لأن إخراجَ النّص عن ظاهرِهِ بغيرِ دليلٍ نقليّ أو عقليّ عبثٌ لا يجوزُ في كلام الله عزَّ وجلَّ ولا في كلامِ نبيّهِ كما قالَ الرَّازيُّ، وأما قولُهُ تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ (5) وقوله: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [سورة فاطر/10] فلا بدَّ من تأويلهما وَرَدّهِما إلى الآياتِ المحكماتِ، ولا يجوزُ تركُ التَّأويلِ والحملُ على الظّاهرِ لأنَّه يلزمُ من ذلكَ ضربُ القرءانِ بعضه ببعضٍ، وذلك لأن ظاهرَ قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ (5) وقوله: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ (10) تحيز الله تعالى في جهةِ فوق، وقولُهُ تعالى: ﴿وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾ (115) ظاهرهُ أن الله في أُفُقِ الأرضِ، وقوله تعالى في حق إبراهيمَ: ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي﴾ (99) ظاهرهُ أن الله ساكِن فلسطين لأن إبراهيمَ كان أراد الذهاب إليها وهذه الآية أيضًا ظاهرُها أن الله تعالى في جهةِ تحت، فإن تَرَكنَا هذه الآيات على ظواهِرِهَا كانَ ذلك تناقضًا ولا يجوزُ وقوعُ التناقضِ في القرءانِ فَوَجَبَ تركُ الأخذِ بظواهرِ هذه الآيات والرجوعُ إلى ءاية ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ (11).
وأما من قال جهةُ فوق تليقُ بالله وجهةُ تحتٍ نقصٌ على الله فلذلك لا نؤولُ الآياتِ التي تَدُلُّ ظواهرُها على أنه في جهةِ فوق بل نؤوّلُ الآياتِ التي تدلُّ ظواهرها على أنه في جهةِ تحت فالجوابُ: أنَّ جهةَ فوق مسكنُ الملائكةِ وكذلكَ مدارُ النجومِ والشمسِ والقمرِ جهةُ فوق، وليسَ هؤلاءِ أفضل من الأنبياءِ الذين مَنشَؤُهم في جهةِ تحت وحياتُهم في جهةِ تحت إلى أن يموتوا فيُدفنوا فيها. والأنبياء أفضل من الملائكة لأن الله أسجد لآدم الملائكة فسجدوا له، والمسجود له أفضل من الساجد فبطل قولكم جهة فوق كمال لله وجهة التحت نقص على الله لأن الله لا يتشرف بشىء من خلقه، فلا يتشرف بالعرش ومن زعم ذلك جعل الله محتاجًا لغيره والاحتياج مستحيل على الله بل التحيز في جهة فوق أو غيرها نقص على الله لأنه يلزم من التحيز أن يكون له حد ومقدار والمقدار للمخلوق قال الله تعالى: ﴿وَكُلُّ شَىْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [سورة الرعد/8]. العرش له مقدار والذرة لها مقدار وكذلك ما بينهما من الأحجام والأجسام المختلفة. ثم إن المَلِكَ والسلطانَ قد يكونانِ يسكنانِ في بطنِ الوادي وَحُرَّاسُهُمَا يكونون على الأعالي، فهذا القياسُ الذي تعتبرهُ الوهابيةُ قياسٌ فاسدٌ لا يَلتَفِتُ إليه إلا من هو ضعيفُ العقلِ فاسدُ الفَهمِ، فمذهبُ أهلِ السنةِ الأشاعرةِ والماتريديةِ هو الصوابُ السّديدُ الموافِقُ للعقلِ والنقلِ، والحمدُ لله على ذلكَ.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم