في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
تفسير قوله تعالى: ﴿مِن رُّوحِنَا﴾

تفسير قوله تعالى: ﴿مِن رُّوحِنَا﴾

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم قال المؤلف رحمه الله: تفسير قوله تعالى: ﴿مِن رُّوحِنَا﴾ (12) وقوله تعالى: ﴿مِن رُّوحِي﴾ (72).
لِيُعْلَمْ أنَّ الله تَعالى خَالِقُ الرُّوح والجَسَدِ فَلَيسَ رُوحًا ولا جَسَدًا، ومَعَ ذلِكَ أضَافَ الله تَعَالى رُوحَ عِيسَى صلى الله عليه وسلم إلى نَفْسِه على مَعْنى المِلْكِ والتَّشْريفِ لا للجُزْئِيَّةِ في قَولِه تَعالى:﴿مِن رُّوحِنَا﴾ [سورة الأنبياء/91]، وكذلكَ في حَقّ ءادَمَ قولُهُ تعَالى ﴿مِن رُّوحِي﴾ [سورة ص/72] فَمعنَى قَولِهِ تَعالَى: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا﴾ [سورة الأنبياء12] أَمَرْنَا جِبْرِيلَ عليهِ السّلامُ أنْ يَنفُخَ في مَرْيمَ الرّوحَ التي هِي مِلْكٌ لَنا ومُشَرَّفَةٌ عِنْدَنَا.
الشرح: كِلتا الإضافتينِ للتَّشريفِ مع إثباتِ الملكِ أي أنهما ملكٌ لله وخلقٌ له، فإن قيلَ كلُّ الأرواحِ ملكٌ لله وخلقٌ له فما فائدةُ الإضافَةِ؟ قيل: فائدةُ الإضافةِ الدّلالةُ على شرفهِمَا عندَ الله. ولا يجوزُ عقلًا أن يكونَ الله روحًا لأن الرّوحَ حادثٌ. وعلى مثلِ ذلكَ يُحمَلُ حديثُ: "خلقَ الله ءادمَ على صورتِهِ" رواه البخاري، ومعناهُ إضافة الملك والتشريف لا إضافة الجزئية أي على الصّورةِ التي خَلَقَهَا وجعلَهَا مشرَّفةً مكرَّمةً.
الشّىءُ يضافُ إلى الله إما بمعنى أنه خَلقٌ لهُ هوَ خَلَقَهُ وكَوَّنَهُ ويضافُ إلى الله على أنه صفتهُ، فإذا قلنا قدرةُ الله علمُ الله هذه الإضافةُ إضافةُ الصّفةِ إلى الموصوفِ، أما إذا قلنا ناقة الله بيت الله هذه إضافةُ المِلكِ والتَّشريفِ، فالكعبةُ نسمّيها بيت الله وكلُّ مسجدٍ كذلكَ.
قال المؤلف رحمه الله: لأَنَّ الأَرْواحَ قِسْمَانِ: أَرْوَاحٌ مُشَرَّفَةٌ، وَأَرْوَاحٌ خَبِيثَةٌ، وَأرْوَاحُ الأنْبِيَاءِ منَ القِسْمِ الأوَّلِ، فَإِضَافَةُ رُوحِ عِيسَى ورُوح ءادَمَ إلى نَفْسِه إضَافَةُ مِلك وتَشْريفٍ. ويَكفُر من يَعتَقدُ أنَّ الله تعالى روحٌ، فالرّوحُ مخلوقةٌ تَنزَّهَ الله عن ذلِكَ.
الشرح: حتى نَعرفَ أن الله أعطى عيسى وءادمَ منزلةً عندَهُ أضافَ روحَ عيسى وءادمَ إلى نفسهِ ليس على معنى الجزئيّةِ، وكما أضافَ ناقة صالحٍ إلى نفسِهِ فقال ﴿نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا﴾ [سورة الشمس/13] لما كانَ لها من خصوصيّةٍ على غيرها من النُّوقِ بالشّأنِ العظيمِ الذي كان لها، لأنه هو خالقُهَا هو الذي أخرجَهَا من الصَّخرةِ وأخرجَ معها فصيلها وكانت تعطي أهلَ البلدِ كفايتهم من الحليبِ فيأخذونَ منها الحليبَ في يومِ ورودِها الذي هي خُصصَت بهِ الذي لا تَرِدُ مواشيهم به، فدلَّ ذلكَ على مكانَتِها فأنزلَ الله على نبيّه ﴿نَاقَةَ اللهِ﴾ (13) وقد أنذروا أن يعتدوا على ناقةِ الله وعلى سُقياها أي اليوم الذي تَرِدُ فيهِ إلى الماءِ، ذلك اليوم لا تورد مواشيهم الماء.
قال المؤلف رحمه الله: وكذَلِكَ قَولُه تَعَالى في الكَعْبةِ ﴿بَيْتِيَ﴾ [سورة الحج/26] فَهِيَ إضَافَةُ مِلكٍ للتشريفِ لا إضَافَةُ صِفَةٍ أو مُلابَسَةٍ لاسْتِحَالَةِ المُلامَسَةِ أو المُماسَّةِ بَيْنَ الله والكَعْبَةِ. وكذلك قولُ الله تعالى: ﴿رَبُّ الْعَرْشِ﴾ [سورة المؤمنون/116] ليسَ إلا للدلالةِ على أن الله خالقُ العرشِ الذي هو أعظمُ المخلوقاتِ ليسَ لأن العرشَ له ملابَسَةٌ لله بالجلوسِ عليهِ أو بمحاذاتِهِ من غيرِ جلوسٍ، ليس المعنى أن الله جالسٌ على عرشِهِ باتصالٍ وليس المعنى أن الله محاذٍ للعرشِ بوجودِ فراغٍ بينَ الله وبينَ العَرشِ إن قُدّرَ ذلكَ الفراغُ واسعًا أو قصيرًا كلُّ ذلكَ مستحيلٌ على الله، وإنما مزيةُ العرشِ أنه كعبةُ الملائِكَةِ الحافينَ من حولِهِ كمَا أن الكعبةَ شُرفَت بطوافِ المؤمنينَ بها. ومن خواصّ العرشِ أنه لم يُعصَ الله تعالى فيهِ، لأنَّ مَن حولَهُ كُلُّهم عبادٌ مكرمونَ لا يَعصونَ الله طرفةَ عينٍ، ومن اعتقدَ أن الله خلقَ العرشَ ليجلِسَ عليهِ فقد شَبَّهَ الله بالملوكِ الذين يعملونَ الأسِرةَ الكبارَ ليجلسوا عليها ومن اعتقدَ هذا لم يَعرِف الله.
الشرح: إضافةُ الصّفةِ هي كقولنا: قدرةُ الله وعلمُ الله ونحو ذلك، وأما الملابسةُ فهي علاقةٌ بين شيئينِ بمعنى الاتّصالِ ونحوِه، إذا كانَ شىءٌ متَّصلًا بشىءٍ قد يضافُ إليه من أجلِ هذه العلاقة، إذا أريدَ الإخبارُ عن سكنِ زيدٍ وإقامتِهِ بأرضٍ فقِيل فلانٌ بلدهُ البصرةُ، فالملابسةُ بين زيدٍ والبصرةِ هي السَّكنُ والإقامةُ فإضافةُ البيتِ إلى الله ليست من هذا القبيل. كذلكَ إضافةُ صورةِ ءادَم إلى الله ليست من بابِ الجزئيةِ فمن اعتقدَ أن الله روحٌ فاقتطعَ من ذاتِهِ الذي هو روحٌ قطعةً فجعلها ءادمَ فكأنه قالَ إن الله وَلَدَ ءادمَ، ومن قالَ إن معنى خَلقَ الله ءادمَ على صورتِهِ أي صورة تشبهُ الله فقد كَفَرَ أيضًا، فلم يبقَ تفسيرٌ صحيحٌ للحديثِ إلا أن يُقالَ إضافةُ المِلكِ إلى مالِكِهِ بمعنى التشريفِ أو أن يقالَ على ما هوَ الغالبُ عندَ السلفِ خَلَقَ الله ءادمَ على صورتِهِ بلا كيفٍ.
ولما قال الله تعالى في القرءانِ الكريمِ عن الكعبةِ لإبراهيمَ وإسماعيلَ ﴿أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ﴾ [سورة البقرة/125] فذلك لِيُفهمنا أن للكعبة عندَه مقامًا عاليًا وأنها مشرفةٌ عندَهُ، وهذا ليسَ من بابِ إضافةِ الصّفةِ ولا من بابِ إضافةِ المُلابسَةِ كما في قولِكَ صاحبُ زيدٍ عمرو، عمرٌو صاحب أضيفَ إلى زيدٍ للملابسةِ لأن بينهما علاقة الصُّحبَةِ.
قال المؤلف رحمه الله: ويَكفُرُ من يَعتَقِدُ المُمَاسَّةَ لاسْتِحالتِها في حَقِّ الله تَعَالى.
الشرح: لأنَّ ذلك يؤدّي إلى جَعلِ ذاتِ الله مقدَّرًا مَحدودًا متناهيًا. إذا دخلتَ بيتًا فاستندتَ إلى جدارِهِ هذا يقالُ له مماسَّةٌ لَمَسَ جسمُكَ جسمَهُ.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم