في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
فائدةٌ مُهِمَّةٌ

فائدةٌ مُهِمَّةٌ

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم قال المؤلف رحمه الله:
فائدةٌ مُهِمَّةٌ
حكمُ من يأتي بإِحدى أنواع هَذِهِ الكُفريّاتِ هو أن تَحْبَطَ أَعْمالُهُ الصالحةُ وحسنَاتُه جميعُهَا، فلا تُحسَبُ له ذرّةٌ من حَسَنَةٍ كانَ سَبَقَ لَهُ أن عَملهَا من صَدقةٍ أو حَجّ أو صيام أو صَلاةٍ ونَحْوِهَا. إنَّما تُحسَبُ له الحسناتُ الجديدَةُ التي يقومُ بها بَعْدَ تَجديد إيمانِه قال تعالى: ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ {5}﴾ [سورة المائدة].
الشرح: أنَّ الشخصَ إذا كان مسلمًا ثم صدَرَ منه كفرٌ فإن أعماله الصالحة تحبَط كلُّها فيخسرُ حسناتِهِ السابقة كلها من صلاةٍ أو صيام أو صدقةٍ أو غير ذلك من وجوهِ الخير لقوله تعالى:﴿وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ {5}﴾ فإن رجع إلى الإسلام لم ترجع إليه حسناته التي خسرها، وأما ذنوبُهُ التي عملها في أثناء الردة وقبل ذلك فإنها لا تُمحَى عنه برجوعه إلى الإسلام وإنما الذي يُغفَر له بذلك هو الكفرُ لا غيرُ، بخلاف الكافرِ الأصلي فإن ذنوبَه تُمحى بإسلامه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإسلامُ يَهْدِمُ ما قبلَه" رواه مسلم. أما حسناتُهُ التي كان عمِلَها قبل إسلامه فلا تُكتَبُ له بعد أن يسلم، وهذا هو القول الصحيح ومن قال بأن حسناته تعود له فهو غالط لكن لا يكفّر إن كان ممن يخفى عليه الحكم.
قال المؤلف رحمه الله: وإذَا قالَ أستغفرُ الله قبلَ أنْ يُجَدّدَ إيْمانَه بقولِه أشْهدُ أن لا إله إلا الله وأشهدُ أن محمدًا رَسُولُ الله وهو على حالَتِهِ هَذِهِ فَلا يَزيدُهُ قولُه أستَغْفِرُ الله إلا إثْمًا وكُفْرًا، لأنَّهُ يكذّبُ قولَ الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ {34}﴾ [سورة محمد]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا {168} إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا {169}﴾ [سورة النساء].
الشرح: أن من كَفَرَ ثم قال أستغفرُ الله قبل أن يرجعَ إلى الإسلام بالشهادتين لا ينفعُهُ ذلك شيئًا بل يزدَادُ إثمًا وكفرًا لأنه يطلب المغفرة وهو على الكفر والله تعالى لا يغفر كفر الكافر وذنوبَه وهو على كفره، ومن صَدَرَ منه كفرٌ ثم تشهد على سبيل العادةِ من غير الإقلاع عن الكفر ومن غيرِ أن يعتقدَ أنه كَفَرَ لا ينتفعُ بذلك ولا يرجعُ إلى الإسلام حتى يُقلعَ عن الكفر فيتشهدَ بنية الدخول في الإسلام وهذا هو الحقُّ الذي عليه علماء الإسلام بالاتفاق فإن من هو مُقيمٌ على الكفر لا ينفعه التشهدُ ولو تكرر منه مائةَ مرة.
قال المؤلف رحمه الله: روى ابن حبانَ عن عِمران بنِ الحُصَيْن: أتى رسولَ الله رجلٌ فقال يا محمدُ، عبدُ المطلب خيرٌ لقومِهِ منك كان يُطعمُهُم الكبدَ والسَّنَام وأنت تَنحَرُهم فقال رسولُ الله ما شاء الله _ معناه رد عليه _، فلما أرادَ أن ينصرفَ قالَ: ما أقولُ، قال: "قل اللهم قِني شرَّ نفسِي واعزِم لي على أرْشَدِ أمري" فانطلق الرجلُ ولم يكنْ أسلمَ، ثم قال لرسول الله إني أتيتُكَ فقلتُ علّمني فقلْتَ: قُل اللهم قني شرَّ نفسي واعزِمْ لي على أرْشَدِ أمري، فما أقولُ الآن حينَ أسلَمْتُ قال: "قل اللهمَّ قني شرَّ نفسي واعزِم لي على أرْشدِ أمري اللهمّ اغفر لي ما أسررتُ وما أعلنْتُ وما عَمَدتُ وما أخطأتُ وما جَهِلْتُ".
الشرح: قوله أتى رجلٌ إلى رسول الله أي رجلٌ من المشركين، وأما السَّنَام فهو سَنَام الإبل وهو طعامٌ فاخِرٌ عند العرب، وقوله "وأنت تنحَرُهم" أي تقتُلهم في الجهاد، وقوله فقال رسول الله ما شاء الله معناه أن الرسول ردَّ عليه بما شاء الله له من الكلام. ثم إن هذا الحديث الصحيح فيه دليلٌ على أن الإنسان ما دامَ كافرًا لا يجوز له أن يقول اللهم اغفر لي ذنبي لأنه لو كان ذلك جائزًا لكانَ الرسول علمَه من الأول الاستغفار اللفظي ولكنه لم يعلمه الاستغفار اللفظي إلا بعد أن أسلمَ. فإن قال قائل أليسَ كان نوحٌ يقول لقومه الذين هم على عبادةِ الأوثان:﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا {10}﴾ [سورة نوح] فالجواب أن قوله ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ {10}﴾ أي اطلبوا مغفرةَ الله بالدخولِ في الإسلام بتركِ عبادةِ الأصنام والإيمانِ بالله وحده والإيمانِ بي أني نبي الله، وكذلك الاستغفارُ في مواضع أخرى في القرءان معناه طلب الغفران بالدخول في الإسلام لأن الإسلامَ يمحو الله به الكفر، قال تعالى: ﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ {38} } [سورة الأنفال] وليس المرادُ في تلك المواضع قولَ أستغفر الله أو ربّ اغفر لي أو نحو ذلك. وهذه الآية نص صريح في أن الكافر الأصلي والمسلم الذي كفر بقولِ كفرٍ أو فعلِ كفرٍ أو اعتقادٍ كفريٍ إن رجع عنه فدخل في الإسلام يغفر له لا وسيلة غير ذلك فإن كان كافرًا أصليًّا يغفر له كل ذنوبه الكفر وما سواه وإن كان مسلمًا ارتد يغفر له كفره فقط.
تنبيهٌ مهم: في تحريم الدعاء للمؤمنين والمؤمنات بمغفرة جميع الذنوب: قال الشوبري في تجريده حاشية الرملي الكبير ما نصه: "وجزمَ ابن عبد السلام في الأمالي والغزاليُّ بتحريم الدعاءِ للمؤمنين والمؤمنات بمغفرة جميعِ الذنوب وبعدمِ دخولهم النار، لأنَّا نقطعُ بخبر الله تعالى وخبرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيهم من يدخل النار. وأما الدعاءُ بالمغفرة في قوله تعالى حكاية عن نوح: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ {28}﴾ [سورة نوح] ونحو ذلك فإنه وردَ بصيغةِ الفعل في سياق الإثبات، وذلك لا يقتضي العموم لأن الأفعال نكراتٌ، ولجواز قصد معهود خاص وهو أهل زمانه مثلًا".ا.هـ. وكذا ذكر الرملي في شرح المنهاج، فليس معنى الآية اغفر لجميع المؤمنين جميع ذنوبهم.
وهذا الدعاءُ أي بعدم دخول أحدٍ من أهل الإسلام النارَ فيه ردٌّ للنصوص، وردُّ النصوص كُفرٌ كما قال النسفي في عقيدته المشهورة، وقد قال أبو جعفر الطحاوي: "والأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام"، وهذه عقيدة المرجئة، وهم من الكافرين من أهل الأهواء وذلك لقولهم لا يضرّ مع الإسلام ذنب كما لا تنفع مع الكفر حسنة.
تنبيه: إذا شخصٌ وقع في كفريةٍ ثم لما تعلم عَرَفَ أنها كفرٌ ولم يتذكر أنه قالها فصارَ يتلفظُ بالشهادتين في صلاتِهِ وخارجها من دون استحضارٍ لما حصل منه قبلُ ولو تذكر هذه المدةَ لتشهدَ للخلاص ثم بعد أيامٍ تذكر أنه قالها وقبل ذلك لم يتشهد قطُّ للخلاص من كفرٍ وقَع فيه لأنه لم يذكر أنه حصل منه فشهادتُهُ التي تشهدَها على سبيلِ العادة تكفيه، لأنه كان أراد البُعدَ من الكفر.
قال المؤلف رحمه الله: ومن أحكامِ الردةِ أن يَنفَسِخَ نكاحُ زوجتِهِ أي عقدُ الزواج الشرعي فتكونُ العلاقةُ بين الزوجين بعد كفرهِ علاقةً غيرَ شرعيةٍ فجماعُهُ لها زنى، ولا فرقَ بين أن يكفرَ الزوجُ وبين أن تكفُرَ الزوجة.
الشرح: أنَّ الردةَ يترتَّبُ عليها أحكامٌ عديدة منها أن المرتدَّ يفسدُ صيامُهُ وتيمُّمه ونكاحُهُ قبل الدخول وكذا بعده إن لم يرجع إلى الإسلام في العدة، ولا يصحُّ عقدُ نكاحِهِ لا على مسلمةٍ ولا كافرةٍ ولو مرتدة مثله. ولا فَرق في حكم انفساخ العقد بين أن يرتدَّ الزوجُ أو ترتد الزوجةُ، ولو ارتد أحدُهما وعرف الآخر بذلك ثم حصلَ جماعٌ بينهما فهو زنًى منهما وكلاهما ءاثمٌ والولد من هذا الزنى لا يُنسبُ إلى الرجل، وأما إن لم يعرف الثاني فالإثمُ على المرتد منهما فقط.
تنبيه: الكفارُ الأصليون نكاحُهُم فيما بينهم نكاحٌ وزناهم زنى فلذلك نقولُ خالدُ بن الوليد وعمرُ بن الخطاب فَنَنسِبُ كلًّا منهما إلى أبيه مع أنهما وُلِدا وأبواهما مشركان في الجاهلية.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم