في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
تنبيهٌ

تنبيهٌ
في بيان مَنِ الذي يُعَدُّ مثلَ قريب عهدٍ بإسلام

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم اعلم رحمَك الله أن الذي يُعدُّ مثل قريب عهدٍ بإسلامٍ هو الذي لم يعلّمهُ أهلهُ ولا غيرهم أمورَ الدين إلا الشهادتين وعاشَ على ذلك زمانًا طويلًا أو قصيرًا فهذا إذا أنكرَ شيئًا من أمورِ الدين التي هي ظاهرة بينَ المسلمينَ لا يكفَّرُ بل يعلَّمُ، فالذي هو بعيدٌ عن معرفةِ سماعِ الأحكامِ الشّرعيّةِ ولو كانَ يعيشُ بين المسلمينَ هذا الذي يقالُ له مثل قريبِ عهدٍ بإسلامٍ، ليس الذي تَخفى عليه مسئلةٌ ومرَّت لهُ نظائرُها كالذين سَمعوا كثيرًا من الأحكامِ الشّرعيّةِ ممّا هو شبيهُ هذه المسئلةِ فهذا لا يُعدُّ مثل قريب عهدٍ بإسلام، إنّما شبيه قريب العهدِ بالإسلامِ هو الذي عاشَ بين المسلمينَ وهو لا يتعلَّم معهم شيئًا وهو من أبوين مسلمين.
فالذي تعلَّم كثيرًا ممّا يشبهُ هذه المسئلة ومع هذا جَهِلَهَا هذا لا يُعَدُّ مثل قريب عهدٍ بإسلام.
أمّا بعضُ الأشياءِ التي ليست ممّا يفهمُ من النظائرِ فهذهِ إن جَهِلَهَا الشخصُ يُعذَرُ ولو كانَ دارسًا زمانًا واسعًا لعلمِ الدّين لأنّه ما سَمِعَ بها. مثلًا: شخصٌ ما سَمِعَ بأنّ نبيًّا من الأنبياءِ اسمه إلياس وهو مَضَى عليه زمانٌ طويلٌ، ولا قرأَ في القرءانِ اسم إلياس بينَ الأنبياء فهذا لو كان دَرَسَ عدَّة كتبٍ وتلقَّى من المشايخِ هذا لا يكفَّرُ، لأنَّ مثل هذه المسئلة لا يعلم بالقياسِ إلا بالسَّماع.
وكذلك لو قرأَ بعضُهم في القرءانِ أن إلياسَ نبيٌّ ثمّ نَسِيَ فَنَفَى نبوَّتَهُ فهذا أيضًا لا يكفَّرُ.
وقد مرّ أن ذكرنا أن الذي ينكر صفة من صفات الله التي تعرف بالعقل لو لم يرد بها نص قرءاني ولا حديثي كقدرة الله وإرادته ووحدانيته وحياته ومخالفته للمخلوقات أي لا يشبهها بوجه من الوجوه وأنه سميع وأنه بصير وأنه عالم وأنه متكلم واستغنائه عن كل شىء وقِدمه أي أنه أزلي لم يسبق وجوده العدم كغيره وبقائه أي لا يجوز عليه العدم لا يعذر أحد بالجهل بذلك لو كان قريب عهد بإسلام لم يسمع بشىء من أمور الدين إلا أنه علم أن الله ربه لا إله غيره وأن محمدًا رسوله وصدقَ الأنبياءِ وأمانتَهم وفسادَ دينٍ غير دين الإسلام.
قال المؤلف رحمه الله: والفرضُ الأولُ في حقّ الأهلِ تعليمُهُمْ أصولَ العقيدةِ كيْلا يقَعُوا في الكفرِ بجهلهِم بالعقيدةِ فإن اعتقدوا أنَّ الله جِسْمٌ نورانِيٌّ أبيَضُ فاستمَرُّوا بعدَ البلوغ على ذلكَ فماتوا عليه خُلّدوا في النارِ نتيجةَ اعتقاداتِهمُ الفاسدةِ.
الشرح: أهمُّ ما يجبُ تعليمه للأهلِ هو معرفةُ الله ورسولِه لأنَّ الأهلَ من أطفالٍ وغيرِهم إن تُركوا من غير تعليمهم أصول العقيدةِ من غيرِ تعليمِهم أن الله منزّهٌ عن الشكلِ والحَدّ والطولِ والعرضِ واللونِ والتحيّزِ في المكانِ وكل ما هو من صفاتِ المخلوقينَ قد يعتقدونَ اعتقادًا فاسدًا فيَهلكونَ، فإن تركنا الطفلَ بلا تعليمٍ قد يعتقدُ أنَّ الله شىءٌ من قبيلِ النورِ الأبيضِ أو شىءٌ أزرقُ كلونِ السماءِ أو أنه جسمٌ ساكنُ السّماءِ فيخرجُ من الدنيا وهو جاهلٌ بخالقِهِ فإن بَلَغَ على هذا الاعتقادِ وماتَ عليه كانَ من أهلِ النّارِ، لذلك صارَ أولى ما يُعلّم الأهلُ الولد العقيدةَ، يعلّمونه أن الله موجودٌ بلا مكانٍ لأنه كان قبل المكان بلا مكان كان قبل وجود العرش والسموات والأرض وجهة فوق وجهة تحت وجهة يمين وجهة شمال وجهة أمام وجهة خلف وقبل وجود الفراغ والضوء والظلام وأنَّه لا شبيهَ له وأنّه لا يُتصوَّرُ في العقولِ والأذهانِ لأنّه لا مثلَ له ولا شبيهَ وأنّه هو الذي يستحقُّ العبادةَ ولا خالقَ لشىءٍ سواهُ وأنّه عالمٌ بكلّ شىءٍ قادرٌ على كلّ شىءٍ ونحو ذلك، ثم يُعلّمُ الصلوات الخمس والصيامَ صيام رمضان وأنّه فرضٌ على كلّ مكلّفٍ قادرٍ على الصيامِ، ثم يُقالُ له السرقةُ حرامٌ والزّنى حرامٌ واللّواطُ حرامٌ والظّلمُ حرامٌ والكذبُ حرامٌ وضربُ المسلمينَ وسبُّهم بغيرِ حقّ حرامٌ وما أشبهَ ذلكَ.
قال المؤلف رحمه الله: قال الفُضَيلُ بنُ عِيَاضٍ: "لا يغُرَّنَّكَ كثرَةُ الهالكين"، فهل هذا الجهلُ في العقيدةِ هو نتيجةُ محبَّةِ الأهلِ لأبنائهم؟ الشرح: الفضيلُ كانَ من أكابرِ السلفِ من الأتقياءِ الأولياءِ العلماءِ الزاهدينَ المعروفين بالعلمِ والعمَلِ كان في المائةِ الثانيةِ من الهجرةِ في زمنِ الشافعي، أخذَ العلمَ من مالِكٍ رضي الله عنه، وقد ثبتَ عن الفضيل رضي الله عنه هذا القول: "لا يغرَّنَّكَ كثرةُ الهالكينَ" معناهُ لا تنظر إلى كثرةِ من يتخبَّطُ بالمعاصي والجهلِ فتقول أكثرُ الناس ضالّونَ فتضلّ معهم، اتركهم فيما ضَلّوا فيه واستعمِل عقلَكَ الذي هو نعمةٌ عظيمةٌ به تميّزُ بينَ القبيحِ والحسنِ لتكون مع النَّاجينَ، اترك أكثرَ البشرِ ولا تمشِ معهم في الضلالِ واسلُك سبيلَ الصالحينَ ولو قَلُّوا.
قال المؤلف رحمه الله: وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [سورة الذاريات/56] وجاءَ في تفسير الآيةِ: أي وما خلَقَ الله الجِنَّ والإنْسَ إلا ليأمُرَهم بعبادته.
الشرح: هذه الآية ليس معناها أن الله تعالى شاءَ للجميعِ أن يكونوا مؤمنينَ كما تقولُ المعتزلةُ، الله أمرَ الجميعَ بالعبادةِ لكن ما شاءَ للجميعِ أن يكونوا عابدينَ له، والدليلُ على ذلكَ قولُهُ تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [سورة السجدة/13] وغيرها من الآيات وأما قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ [سورة الإسراء/23] أي أمرَ الله ألا تعبدوا إلا إيّاهُ ليسَ معناهُ شاءَ أن يكونَ الجميعُ عابدينَ لهُ، بل أمرَ الجميعَ أن يعبدوه. والعبادةُ هي نهايةُ التذلُّلِ.
قال المؤلف رحمه الله: وبعدَ أَن جاءَنا الهُدَى وهو الرّسولُ صلى الله عليه وسلم وقامَت علينا الحجَّةُ به فلا عُذْرَ لنا، قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [سورة الإسراء/15].
الشرح: هذه الآية فيها دليلٌ على أنَّ الله تعالى لا يُعَذّبُ الذينَ لم يسمعوا بدعوةِ الإسلامِ التي جاءَ بها الأنبياءُ، لا يعذّبهم لا عذابَ استئصالٍ في الدنيا ولا عذابًا في الآخرةِ بنار جهنَّمَ، وبهذه الآية احتجَّ الأشاعرةُ فقالوا من لم تبلغْهُ دعوةُ نبيّ من الأنبياءِ ثمّ ماتَ فلا يعذَّبُ لو عاشَ يعبد الوَثَنَ، وقال أبو حنيفةَ: لا يُعذَرُ أحدٌ بالجهلِ بخالقِهِ، معناهُ العقلُ وحدَهُ يكفي فمن لم يسمعْ بدعوةِ الأنبياءِ يكفيهِ العقلُ وحْدَهُ ممّا يراهُ من خَلقِ السمواتِ والأرضِ وخلقِ نفسِهِ. ليس له عذرٌ إن لم يؤمن باج. وقال الأشاعرة المراد بهذه الآية عذاب الاستئصال في الدنيا ليس عذاب الآخرة. عذابُ الاستئصالِ معناهُ العذابُ الكاسِحُ مثل عذابِ قومِ نوحٍ وهو الغَرَقُ.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم