في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
بَيانُ بَعْضِ أسْبابِ النَّجاةِ من عَذابِ القَبْرِ

بَيانُ بَعْضِ أسْبابِ النَّجاةِ من عَذابِ القَبْرِ

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم روى الضياء المقدسي من حديثِ أبي هريرةَ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ في القرءانِ ثلاثينَ ءايةً تستغفرُ لصاحبها حتّى يغفر له، تبارك الذي بيدِهِ المُلكُ"، وعن ابن عبّاسٍ عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "وددتُ أنّها - أي تبارك الذي بيده الملك - في جوفِ كُلّ إنسانٍ من أمّتي" رواه الحافظ العسقلانيّ في أماليّه. فمن حَافَظَ على قراءتها كلّ يوم كانَ داخلًا في هذا الحديث، وأمّا من قَرَأَهَا ليلةً واحدةً وماتَ في تلك اللّيلة فلم يَرِد نصٌّ أنّه لا يعذَّبُ في قبرِهِ ولا يُسأَلُ.
وروى التّرمذيُّ في جامِعِهِ من حديثِ ابن عبّاسٍ أنَّ رجلًا ضَرَبَ خيمةً على قبرٍ فصارَ يسمعُ من القبرِ قراءةَ تبارك الذي بيدِهِ المُلك حتّى ختمها، فذهبَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فأخبرهُ بما حَصَلَ فقال مصدّقًا له: "هي المَانِعَةُ هي المُنجيةُ"، وكان عثمان رضي الله عنه إذا أَتَى القبورَ بَكَى حتَّى يبلَّ لحيتَهُ بالدّموعِ فقيلَ لهُ في ذلك فقال:
فإن تنجُ منها تنجُ من ذي عظيمةٍ ***** وإلا فإنّي لا إِخَالُكَ ناجيا
أي لا أظنّكَ، وذَكرَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "القبرُ أوّلُ منازلِ الآخرةِ فإن نَجَا منهُ فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه". رواه الترمذي. وهناك حديثٌ ءاخرُ أقوى إسنادًا وفيه أن ما بعد عذابِ القبرِ أيسرُ، وفيه دلالةٌ على أنَّ من عُذّبَ في قبرِهِ لا يشترَطُ أن يتعذبَ في الآخرةِ.
ومن أسبابِ النجاةِ من عذابِ القبرِ والآخرةِ لمن ماتَ قبلَ التّوبةِ مَن ماتَ وقد نَالَ نوعًا من أنواعِ الشّهاداتِ، والشّهاداتُ سوى القتلِ في سبيلِ الله سبعٌ: الذي يموتُ بغرقٍ، أو بحرقٍ، أو بمرضِ ذات الجنب، وهو ورمٌ في الخاصِرَةِ بالدَّاخِلِ ثم يظهرُ ينفتحُ إلى الخارجِ فيحصل لصاحبِهِ حُمَّى وقيءٌ وغير ذلك من الاضطراباتِ، والذي يقتلهُ بطنُهُ أي إسهالٌ أو احتباسٌ لا يخرجُ منه ريحٌ ولا غائطٌ فيموتُ ففي الحديثِ: "من قَتَلَهُ بطنُهُ لم يعذَّب في قبرِهِ" رواه الترمذي، كذلك الذي يقتلُهُ الطَّاعونُ وهو ورمٌ يحدُثُ في مراقّ الجسمِ أي المواضع الرّقيقةِ منه ويحصلُ منه حُمّى وإسهالٌ وقيءٌ، وقد حصلَ في زمنِ عمرَ بن الخطابِ طاعونٌ ماتَ فيه سبعونَ ألفًا، كذلكَ المرأةُ التي تموتُ بجَمْعٍ أي بألمِ الولادةِ، وكذلكَ الذي يموتُ تحتَ الهَدمِ، أو بالتَّردّي من علوٍ إلى سفلٍ.
وهناك أيضًا شهادات أخرى غير هذهِ المذكورةِ في هذا الحديثِ الذي رواهُ ابنُ حبانَ والتّرمذيُّ وغيرُهما وَرَدَت في أحاديث أخرى كالذي يُقتَلُ دونَ أهلِهِ أو مالِهِ أو ولدِهِ، وكذلك لا يُعذَّبُ من ماتَ غريبًا عن بلدِهِ وأهلِهِ لحديثِ: "موتُ الغريبِ شهادةٌ"، رواه ابن ماجه وضعفه الحافظ ابن حجر، وكذلك من قُتِلَ ظُلمًا فهو شهيدٌ.
قال المؤلف رحمه الله: فَإن قيلَ: كَيفَ يُمكِنُ سؤالُ عَددٍ كَثيرٍ من الأَمْواتِ؟ فالجوابُ ما قالَ الحَلِيميُّ: "إنَّ الأشْبَهَ أن يكُونَ ملائِكةُ السؤالِ جَماعَةً كثيرةً يُسَمَّى بَعضُهم مُنكَرًا وبَعضُهُم نكيرًا فيُبْعَثُ إلى كلّ مَيّتٍ اثنانِ مِنهُم".

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم