في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
تَقسيمُ الأمُورِ إلى أرْبَعَةٍ

تَقسيمُ الأمُورِ إلى أرْبَعَةٍ

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم قال المؤلّف رحمه الله: تَقسيمُ الأمُورِ إلى أرْبَعَةٍ
الأُمُورُ علَى أربَعةِ أقْسَام: الأَوَّلُ: شَىءٌ شَاءَهُ الله وأَمرَ بِه: وهوَ إيمانُ المؤمنِينَ وطاعَةُ الطائِعينَ.
والثّاني: شَىءٌ شَاءَهُ الله ولَمْ يأمُرْ بهِ: وهُو عِصْيَانُ العُصَاةِ وكُفْرُ الكَافِرينَ، إلا أنَّ الله لا يُحِبُّ الكُفْرَ مَع أنَّهُ خَلَقَهُ بمشِيئَته ولا يَرضَاهُ لعِبادِه، قَالَ تَعالى: ﴿وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ [سورة الزمر/7].
الثَّالثُ: أَمرٌ لم يَشَأهُ الله وأَمَرَ به: وهُوَ الإيمانُ بالنّسبةِ للكَافِرينَ الذين علمَ الله أنهم يموتونَ على الكفرِ أُمِرُوا بالإيْمانِ وَلم يَشأهُ لهُم.
الرَّابعُ: أمرٌ لم يَشَأه ولم يأمُرْ بِه: وهُوَ الكُفرُ بالنّسبةِ للأنبياءِ والملائِكةِ.
الشرح: إنَّ من جملةِ الأدلَّةِ الدَّالَّةِ على أنَّ الله شاءَ حصولَ المعاصي قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾ [سورة مريم/83] أي تُغريهم وتدفعهم إلى المعاصي وتشهّيهم فِعلهَا، هذا دليلٌ لأهلِ السُّنَّةِ ونقضٌ لعقيدةِ المعتزلةِ القائلينَ بأنَّ الله ما أَرادَ وقوعَ المعاصي من خلقِهِ إنما هم خلقوها بمشيئتهم وإرادتهم، وقد قالَ بعضُ العلماءِ: "لو شاءَ الله أن لا يُعصَى ما خَلَقَ إبليسَ"، قالَ تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾ [سورة النور/40].
ومن الدّليلِ على أنّ الأمرَ غير المشيئةِ أنّ الله أمرَ إبراهيمَ بالوحي المناميّ، - أن يذبحَ ابنه إسماعيل ومنامَ الأنبياءِ حقٌّ وَحيٌ من الله لكن ما شاءَ الله أن ينذبحَ إسماعيل بل فدي إسماعيل بذبحٍ عظيمٍ أي بكبشٍ جاءَ به جبريلُ من الجنّةِ. فمن هُنا يُعلَمُ فسادُ قولِ بعضِهم: "كلُّهُ بأمرِهِ"، لأن معنى قولهم هذا أن كل ما يقع من العباد من خير وشر فهو بأمر الله وهذا تكذيبٌ للشرعِ، وإنّما الذي يصحُّ قوله: "كلُّ ما يجري فهو يجري بمشيئتِهِ وعلمِهِ وتقديرِهِ"، وأمّا قولُهُ تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ [سورة الإسراء/16] فقد فَسَّرَ أهلُ العلمِ ﴿أَمَرْنَا﴾ (16) في هذه الآية بكثَّرنا، أي نكثّرهم فيصيرونَ أقوياء فيفسقون ويكفرونَ ويخرجونَ عن طاعةِ الله فَيُهلكهم، هذا في الأممِ الماضيةِ ظهرَ تأويلُهُ بقومِ لوطٍ وقوم هودٍ وقومِ صالحٍ وغيرِهم، كثروا فكثرت فيهم النّعمةُ ثُمَّ فَجَروا وضَلّوا فأهلَكَهُم الله، أمّا بعد بعثةِ الرسولِ محمّدٍ صلى الله عليه وسلم فإنّه لا ينقطعُ الإسلامُ في أمّته، مهمَا حَصَلَ لا بدَّ أن يوجدَ صالحونَ وفسّاق مع ما يقاسونَ من اضطهادٍ من المنحرفينَ وإيذاءٍ ومعارضاتٍ، الله تعالى برحمتِهِ يثبت الصالحين على الحَقّ فلا يُنزِلُ هلاكًا عامًّا كهلاكِ أولئكَ الأممِ السابقة بعد سيّدنا محمّدٍ. وقال بعض العلماء: ﴿أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا﴾ (16) أي بالطَّاعَةِ ﴿فَفَسَقُواْ﴾ (16) أي فخالفوا، وهذا التفسيرُ لا بأسَ به لكنَّ التّفسيرَ الأوَّلَ أحسن.
قال المؤلّف رحمه الله: ومَنْ كانَ مؤْمنًا بالقُرءانِ الكَريم فلْيَقِفْ عندَ قولِه تعالى: ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [سورة الأنبياء/23] فَلا يُقَالُ كيفَ يعذّبُ العُصَاةَ على معَاصِيهِمُ التي شَاءَ وقُوعَها مِنهُم في الآخِرةِ.
الشرح: الله تعالى لا يُسأَلُ عمَّا يفعلُ وهم أي العبادُ يسألونَ، فلا يجوزُ أن نقيسَ الله على أنفسِنا، نحنُ نتصرَّفُ بما أَذِنَ به الشَّرعُ فإذا خَرجنَا عن ذلكَ الإذنِ تكون علينا مسئوليّةٌ، أمَّا هو فلا يتوجَّهُ إليه أمرٌ، لا يقالُ كيفَ يعذّبُ الله العصاةَ على المعاصي التي شاءَ وقوعها منهم باختيارِهم فمن قالَ هذا يُعدُّ معترضًا على الله، والمعتَرِضُ على الله كافرٌ، فربُّنَا لا يُسأَلُ عمّا يفعلُ. أمَّا غير المؤمنِ فيقالُ له الله يتصرَّفُ في مِلكِهِ الذي هو يملكهُ حقيقةً لا مجازًا، فكيف يُعتَرَضُ عليه؟!.
وأمّا إذا أرادَ واحد أن يَفهمَ الحِكمةَ لِيَرُدَّ على المفسدينَ وليسَ إنكارًا فقالَ: لماذا شاءَ الله كفرَ الكافرينَ وقد كَتَبَ أنّهم يدخلونَ جهنّمَ خالدينَ فيها فليس حرامًا.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم