في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
سَبَبُ نُزُولِ الإخْلاصِ

سَبَبُ نُزُولِ الإخْلاصِ

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم قال المؤلف رحمه الله: سَبَبُ نُزُولِ الإخْلاصِ.
قَالَت اليَهُودُ للرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: صِفْ لَنَا رَبَّكَ قَدْ كَانَ سُؤالهُم تَعَنُّتًا (أي عِنَادًا) لا حُبًّا للعِلْم واسْتِرْشَادًا بِه، فَأنْزَلَ الله سُوْرَة الإِخْلاصِ: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ (1) أَي الذي لا يَقْبَلُ التَّعَدُّدَ والكَثْرَةَ ولَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ في الذَّاتِ أَو الصّفَاتِ أَو الأَفْعَالِ، وَلَيْسَ لأَحَدٍ صِفَةٌ كَصِفَاتِه، بَلْ قُدْرَتُه تَعَالى قُدْرَةٌ وَاحِدَةٌ يَقْدِرُ بِهَا عَلَى كُلّ شَىءٍ وعِلْمُهُ وَاحِدٌ يَعْلَمُ به كُلَّ شَىءٍ.
الشرح: قالَ الله تعالى: ﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ للهِ الأَمْثَالَ﴾ [سورة النحل/74] أي لا تُشَبّهوهُ بخلقِهِ، فقدرَةُ الله قدرةٌ واحدةٌ يَقدِرُ بها على كلّ شىءٍ هي أزليَّةٌ أبديَّةٌ ليست متعدّدةً بتعدُّدِ الأشياءِ بل قدرةٌ واحدةٌ خَلَقَ بها كلَّ الحادثاتِ، وكذلك عِلمُ الله واحدٌ أزليٌّ أبديٌّ يعلمُ به كلَّ شىءٍ، يعلمُ به الأزليَّ كذاتِهِ وصفاتِهِ ويعلمُ به الحادثاتِ أيضًا لأنَّ علمَ الله شاملٌ للأزلي والحادِثِ، أما قدرتُهُ شاملةٌ للحادثِ، أما الأزليُّ فلا تتعلَّقُ به القدرَةُ.
قال المؤلف رحمه الله: قولُهُ تعالى ﴿اللهُ الصَّمَدُ﴾ (2) أي الذي تَفتَقِرُ إِليه جَمِيْعُ المَخلُوقَاتِ، معَ استِغْنَائِه عنْ كُلّ مَوْجُودٍ.
الشرح: الله تعالى مستغنٍ عن كلّ شىءٍ وكلُّ شىءٍ يحتَاجُ إليه فَيَقصدُهُ العبادُ عند الشّدَّةِ هذا معنى الصَّمد، وهكذا نُفَسّرُهُ، وفي اللّغةِ الصَّمَدُ السَّيدُ المَقصودُ، الشَّخص الذي هو سَيّدٌ أي عالي القَدرِ في الناسِ معتبر فيهم هذا في اللغةِ يُسمَّى صمدًا، لذلك الصَّمدُ ليسَ من أسماءِ الله الخاصَّةِ به بل يجوزُ تسميةُ غيره به، فإذا إنسانٌ سمَّى ابنَهُ الصَّمد ليسَ حرامًا.
قال المؤلف رحمه الله: والذي يُقْصَدُ عندَ الشّدَّةِ بجَميعِ أنْواعِها ولا يَجْتَلِبُ بخَلْقِه نَفْعًا لِنَفْسِه ولا يَدْفَعُ بِهمْ عَن نَفْسِه ضرًّا.
الشرح: معنى ذلكَ أن الله لا ينتفعُ بخلقِهِ، ولا يجتَلبُ نفعًا منهم لنفسِهِ ولا يدفَعُ ضررًا بهم عن نفسه فهم لا ينفعونَهُ ولا يضرُّونَهُ، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ (56) ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ﴾ (57) ﴿إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ (58) [سورة الذاريات]، فقولُه تعالى: ﴿إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ (56) معناهُ إلا لآمُرَهُم بعبادَتي.
وليُعلَم أنَّ الله لا يَخلُقُ شيئًا عَبثًا، ومن اعتقدَ أن الله يخلُقُ شيئًا عبثًا بلا حِكمةٍ فقد كَفَرَ كالذي يقولُ إن الله لما خَلَقَ فلانًا أرادَ أن يَملأَ بهِ الفَرَاغَ.
قال المؤلف رحمه الله: قوله تعالى: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ (3) نَفْيٌ لِلْمَادّيَّةِ والانْحِلالِ وَهُوَ أَنْ يَنْحَلَّ مِنْهُ شَىءٌ أَوْ أَنْ يَحُلَّ هُوَ في شَىءٍ.
الشرح: أي أنهُ ليسَ أبًا ولا ابنًا، فقوله ﴿ لَمْ يَلِدْ ﴾ (3) يُعطي هذا المعنى أي أنه لا يَنحَلُّ منه شىءٌ أي لا يجوزُ أن ينفصِلَ منهُ شىءٌ كما ينفصلُ عن الرَّجلِ ولده، وقولُه ﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾ (3) يُعطي أنهُ لا يَحُلُّ هو في شىءٍ.
قال المؤلف رحمه الله: وَمَا وَرَدَ في كتاب "مَوْلِدِ العَرُوسِ" مِنْ أنَّ الله تَعالى قَبَضَ قَبْضَةً مِن نُورِ وجْهِهِ فَقَالَ لها كُوْنِي مُحمَّدًا فَكَانَتْ مُحمَّدًا فَهذِه مِنَ الأَبَاطِيلِ المَدْسُوسَةِ، وحُكْمُ مَنْ يَعْتَقِدُ أنَّ مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلم جُزْءٌ مِنَ الله تَعَالى التَّكْفِيرُ قَطْعًا، وكَذَلِكَ الذي يَعْتَقِدُ في المَسِيحِ أَنَّه جُزْءٌ منَ الله.
الشرح: هذا من الأباطيلِ التي أدخَلَهَا بعضُ الناسِ على الإسلامِ، لأنَّ هذهِ الكلمة توهم أن الله له أجزاء وهو منزَّهٌ عن أن يكون له بعض وجزء وعن أن ينحل فيه شىء. ومن الاعتقاداتِ الفاسدةِ الكفريّةِ اعتقادُ أن الرسولَ جزءٌ من الله، وكم كَفَرَ من الناسِ بسببِ هذا الكتاب المسمَّى "مولد العروس"، وقائل هذا كالذي يقول إن المسيح جزء من الله روح منفصل من الله فهذا كافر وهذا كافر. قال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾ [سورة الزخرف/15].
قال المؤلف رحمه الله: وليسَ هذا الكتاب لابنِ الجَوزيّ رحمه الله، ولم يَنسِبْهُ إليهِ إلا المُستَشرِق بُروكلمَان.
الشرح: كتابُ مولِدِ العروسِ ليسَ من تأليفِ ابن الجوزيّ الذي كان محدّثًا فقيهًا مفسّرًا أُعطيَ باعًا قويًّا في الوعظِ كان من قوَّةِ وعظِهِ إذا تكلَّمَ يُحرّكُ القلوبَ، وقد أسلَمَ على يدهِ بسبب دروسِهِ ومواعظِهِ مائةُ ألفٍ، فهذا الكتابُ مُلصَقٌ بهِ. ومؤلفاتُ ابن الجوزي كثيرةٌ ذَكَرَها من تَرجموهُ، وقد نُسِبَت إلى عددٍ من العلماءِ سواه كُتُبٌ ليست لهم بل أصحابُها مجهولونَ.
وإنما نَسَبَ هذا الكتابَ الفاسِدَ لابن الجوزي رجلٌ أفرنجيٌّ كافِرٌ تَعَلَّمَ لغةَ العربِ وصارَ ينظُرُ في مؤلّفاتِ المسلمينَ ويقولُ من غير تحقيقٍ ودليلٍ هذا لفلانٍ، وقد عَمِلَ من المُجَلَّدَاتِ في ذلك عَدَدًا.
قال المؤلف رحمه الله: قولُهُ تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ (4) أَيْ لا نَظِيْرَ لَهُ بِوَجْهٍ منَ الوُجُوهِ.
الشرح: أي أنَّ الله لا يشبه شيئًا بوجهٍ من الوجوهِ، وقولُه تعالى: ﴿كُفُوًا﴾ (4) يُقرأُ كُفُوًا وَيقرأُ كُفْوًا بتسكينِ الفاءِ على إحدى القراءاتِ.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم