في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
قِدَمُ الله لَيسَ زَمَانيًّا

قِدَمُ الله لَيسَ زَمَانيًّا

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم قال المؤلف رحمه الله: قِدَمُ الله لَيسَ زَمَانيًّا
الشرح: معنى هذه العبارةِ أن الله لا يَجري عليه زمانٌ أي لا بدايةَ لوجودِهِ لأن الزمان حادث.
قال المؤلف رحمه الله: الله تعالى كانَ قبلَ الزَّمانِ وقبلَ المكانِ، وقبلَ الظُّلُماتِ وقبلَ النُّورِ، فَهُو تَعالى لَيسَ مِنْ قَبِيلِ العَالَم الكَثِيْفِ كالأَرْضِ، والحَجَرِ، والكَواكِبِ، والنَّبَاتِ والإنْسَانِ، ولَيْسَ مِن قَبِيل العَالَمِ اللّطِيْفِ كالنُّورِ، والرُّوحِ، والهَواءِ، والجِنّ، والمَلائِكَةِ لمخَالفتِه للحَوادِثِ، أي لمخَالَفَتِهِ جَمِيعَ المَخلوقاتِ.
فإنْ قِيلَ: أَلَيسَ مِن أسمائِه اللّطِيفُ؟ فالجَوابُ: أنّ مَعْنَى اللّطِيفِ الذي هُوَ اسمٌ لله: الرَّحِيمُ بعبادِه أو الذي احتَجبَ عَن الأَوْهَامِ فلا تُدْرِكُهُ.
الشرح: الله تعالى لا تَبلُغُهُ الأوهامُ أي لا تبلغُهُ تصوُّراتُ العبادِ لأن الإنسانَ وَهمُهُ يدورُ حولَ ما أَلِفَهُ من الشَّىءِ المحسوسِ الذي له حدٌّ وشكلٌ وهيأةٌ والله ليس كذلك، لذلك نُهينا عن التفكُّرِ في ذاتِ الله وأُمِرنا بالتَّفكرِ في مخلوقاتِهِ لأن التفكر في مخلوقاتِهِ يقوّي اليقينَ.
قال المؤلف رحمه الله: فَلا نَظِيْرَ لَهُ تَعَالَى أي لا مَثِيْلَ لَه ولا شَبِيْهَ في ذاتِه ولا في صِفَاتِه ولا في فِعْلِه، لأَنَّهُ لَو كانَ مُمَاثِلًا لمخلُوقَاتِه بوجه من الوجُوه كالحجمِ والحركةِ والسكونِ ونحوِ ذلك لَم يكُنْ خَالِقًا لَها.
الشرح: ذاتُ الله معناه حقيقةُ الله الذي لا يشبهُ الحقائقَ، فذات الله لا يشبهُ ذواتِ المخلوقينَ وصفاتُه لا تشبه صفاتِ المخلوقين لأن صفات الله أزليّةٌ وصفاتِ المخلوقين حادثةٌ يجوز عليها التّطورُ والتّغيرُ، فلا يتَّصفُ الله بصفةٍ لم يكن متّصفًا بها في الأزل.
والله تعالى يفعلُ بمعنى الإخراجِ من العدمِ إلى الوجودِ ولا فاعلَ على هذا الوجهِ إلا الله، فالله تعالى يفعل فعلًا بقدرته الأزليَّة وبتكوينِهِ الأزليّ بلا مباشرةٍ ولا مماسَّةٍ لشىءٍ وعلى هذا البخاري حيث قال في كتاب التوحيد: "والفعل صفته في الأزل والمفعول مكوَّنٌ محدَث" اهـ وهو موافق لما عليه الماتريدية وبعض قدماء الأشاعرة من أزلية صفات الفعل كصفات الذات ورجحه الحافظ ابن حجر. والله تعالى هو الذي فعلُه لا يتخلَّفُ أثَرُهُ إذا شاءَ حصولَ شىءٍ إثرَ مزاولةِ المخلوق شيئًا حصلَ لا محالة.
قال المؤلف رحمه الله: فَالله تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَن الاتّصَافِ بالحَوادِثِ، وكَذَلِكَ صِفَاتُ الله تَعَالَى هِيَ قَدِيْمَةٌ أي أزَلِيَّةٌ. ولأَهَمّيَّةِ هَذا البَحْثِ قالَ الإمَامُ أبو حَنِيفَة: "مَنْ قالَ بِحدُوثِ صِفاتِ الله، أو شَكَّ، أوْ تَوقَّفَ، فهو كافرٌ"، ذَكَرهُ في كِتابِ الوَصِيَّةِ.
الشرح: أن الذي يقولُ عن صفاتِ الله لعلها أزليَّةٌ ولعلها ليست كذلك أو يقول لا أقول إنها أزليَّةٌ ولا أقولُ إنها غير أزليَّةٍ فهو كافرٌ.
قال المؤلف رحمه الله: وقَالَ الطّحَاويُّ: ومَن وصَفَ الله بمَعْنًى من مَعاني البَشَرِ فَقَد كَفَر.
الشرح: أن الذي يَصِفُ الله بصفةٍ من صفاتِ البشر فهو كافرٌ، وأوّل صفاتِ البشرِ هي الحدوثُ أي الوجودُ بعد عدمٍ، وصفاتُ البشرِ كثيرةٌ منها الجلوسُ والاتّصالُ والانفصالُ والحركةُ والسكونُ والانفعالُ والتَّنقُّلُ من عُلوٍ إلى سُفلٍ والتحيز في المكان والجهة وغيرُ ذلك. وليس من وَصْفِ الله بمعاني البشر أن يقال إن الله متكلمٌ بكلامٍ أزلي ليس حرفًا ولا صوتًا، وإنه يَرى برؤيةٍ أزليّةٍ بغير حَدَقَةٍ، وإنه يسمَعُ بسمعٍ أزليّ ليس بأذنٍ وءالةٍ لأن هذا ليس إلا توافقًا في اللفظ.
قال المؤلف رحمه الله: تَنزيهُ الله عَن المَكَانِ وتَصْحيحُ وجُودِه بلا مكانٍ عَقْلًا والله تعَالى غَنِيٌّ عن العَالمينَ أي مُسْتَغنٍ عَن كُلّ ما سِوَاهُ أَزَلا وأَبَدًا فَلا يَحْتَاجُ إلى مَكَانٍ يتحيز فيه أو شَىءٍ يَحُلُّ به أو إلى جِهَةٍ لأنه ليس كشىءٍ منَ الأشياء ليس حجمًا كثيفًا ولا حجمًا لطيفًا والتحيزُ من صفاتِ الجسمِ الكثيفِ واللطيفِ فالجسمُ الكثيفُ والجسمُ اللطيفُ متحيزٌ في جهةٍ ومكانٍ قال الله تعالى ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ {33}﴾ [سورة الأنبياء] فأثبتَ الله تعالى لكل من الأربعة التحيز في فلكه وهو المدار.
الشرح: من صفات الإله أنه مستغنٍ عن كلّ ما سواه، وكلُّ ما سواهُ محتاجٌ إليه، ومن كان محتاجًا إلى مكان يستقرُّ أو يتحيّزُ فيه فإنه ليس إلهًا. وقد قال عليٌّ رضي الله عنه: "من زعمَ أن إلهنا محدودٌ فقد جَهِلَ الخالقَ المعبودَ" رواه الحافظ أبو نعيم في كتاب حلية الأولياء. ومعنى كلامه أن الله ليس له حجمٌ صغيرٌ ولا كبيرٌ، ليس كأصغر حجم وهو الجزء الذي لا يتجزّأُ، ولا كأكبر حجم كالعرش وليس حجمًا أكبر من العرش ولا كما بين أصغر حجم وأكبر حجم قال تعالى: ﴿وَكُلُّ شَىْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ {8}﴾ [سورة الرعد] فالله منزهٌ عن المقدار أي الحدّ والكميّةِ، فمن قال إنه حجمٌ كبيرٌ بقدر العرش أو كحجمِ الإنسان فقد خالفَ الآية، كما أنه خالف قوله تعالى:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ [سورة الشورى] لأنه لو كان له حجمٌ لكان له أمثالٌ لا تُحصى ولو كان متحيّزًا في جهة فوق لكان له أمثالٌ لا تُحصى، فالجهاتُ كلُّها بالنسبةِ لذات الله على حدّ سواءٍ ولذلك يُوصَفُ الله بالقريبِ فلو كان متحيّزًا فوق العرش لكان بعيدًا ولم يكن قريبًا. قال الإمامُ زين العابدين رضي الله عنه عليُّ بن الحسين في الصَّحيفة السَّجَّاديَّة: "سبحانك أنتَ الله لا إله إلا أنتَ لا يحويكَ مكانٌ لا تُحَسُّ ولا تُمَسُّ ولا تُجَسُّ"، رواه الحافظ محمد مرتضى الزبيديُّ في كتاب إتحاف السادة المتقين بالإسناد المتصل منه إلى زين العابدين.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم