في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
لا دينَ صحيحٌ إلا الإسلام

لا دينَ صحيحٌ إلا الإسلامُ

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم قال المؤلفُ رحمَهُ الله: الدينُ الحقُّ عندَ الله الإسلامُ قالَ تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {85}﴾ [سورة ءال عمران].
الشرح: أنَّ الذي يطلبُ دينًا غير الإسلام يدينُ به فلن يقبلَهُ الله منه، فالدينُ الصحيحُ عندَ الله هو الإسلام، وليس معناه أنه لا يُسَمَّى ما سوى الإسلامِ دينًا بل يُقالُ دينُ اليهود ودينُ المجوس لكنه دينٌ باطلٌ، وقد أمرَ الله تعالى الرسولَ أن يقول ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ {6}﴾ [سورة الكافرون] أي أنا ما أزالُ على ديني الذي هو حقٌّ وأنتم لكم دينكُم الباطلُ فعليكم أن تتركوهُ.
قال المؤلفُ رحمَهُ الله: وقالَ تَعالى أيضًا: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ {19}﴾ [سورة ءال عمران].
الشرح: أي أنّ الدِّينَ الصحيحَ الذي ارتضاهُ الله لعباده من البشر والجن والملائكة الإسلامُ لا غيرُ وما سواهُ من الأديانِ فهو باطلٌ. وهو الدين الذي كان عليه البشر، ءادم وأولاده ما كانوا يدينون إلا بالإسلام إنما نشأ الكفر بعد ذلك قال الله تعالى ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً {213}﴾ [سورة البقرة] أي كلهم على الإسلام ثم اختلف البشر بقي بعضهم على الإسلام وكفر بعض فدان بغير الإسلام، ثم لما اختلفوا بعث الله النبيين ليبشروا من أسلم بالجنة وينذروا من كفر بالعذاب في الآخرة. قال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً {213}﴾ أي كلهم على الإسلام فاختلفوا ﴿فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ {213}﴾.
قال المؤلفُ رحمَهُ الله: فكُلُّ الأنبياءِ مسلمونَ فمن كانَ متَّبعًا لموسى صلى الله عليه وسلم فهو مسلمٌ موسويٌّ، ومن كانَ متَّبعًا لعيسى صلى الله عليه وسلم فهوَ مسلمٌ عيسويٌّ، ويَصحُّ أن يُقالَ لمن اتَّبعَ محمدًا صلى الله عليه وسلم مسلمٌ محمديٌّ.
الشرح: أنَّ الأنبياءَ جميعَهم دينُهم الإسلامُ فكان ءادمُ على الإسلام وكذلك الأنبياءُ بعده إلى نبيّنا محمد عليه الصلاة والسلام كانوا كلُّهم يعبدونَ الله ولا يشركون به شيئًا، فمن كان في زمن موسى صلى الله عليه وسلم فآمنَ بالله ربًّا وصدّقَ برسالةِ موسى فهو مسلمٌ موسويٌّ أي من أَتباعِ موسى، وكذلكَ الأمر فيمن كانَ في أيام عيسى فآمنَ بالله وصدَّق بعيسى فهو مسلمٌ عيسويٌّ . ومعنى مسلمٌ محمديٌّ أي مسلمٌ متَّبع محمدًا فيما جاء به من توحيدِ الله وتصديقِ الأنبياءِ والإيمانِ بوجودِ الملائكة المكْرَمين والإيمانِ بالكتبِ السماويةِ والإيمانِ باليومِ الآخرِ الذي يُجازى فيه العباد المؤمنون بأعمالهم بإدخالهم الجنةَ والكافرون بإدخالهم جهنم، وأن الجنةَ فيها نعيمٌ محسوسٌ وجهنمَ فيها ءالامٌ محسوسةٌ، وأنه لا خالقَ للأجسامِ ولا لشىء من الحركاتِ والسَّكنات إلا الله. فكلُّ الأنبياء جاءوا بهذا لا يختلفون في هذا إنما تختلفُ الأحكامُ التي أنزلَها الله عليهم وذلك لأن الله تعالى فرض على أنبياءِ بني إسرائيل وأممِهم صلاتين وأنزلَ على بعض الأنبياء خمسين صلاةً، وأوجبَ فيما أوجبَ على بعض أن يدفعوا ربعَ أموالهم زكاةً، وأنزلَ على بعضٍ تَحتُّم قتل القاتل، وأنزلَ على ءادمَ تحليلَ زواج الأخِ بأخته التي هي توأمةُ أخيهِ الآخر، وكلٌّ يجبُ العملُ به في شريعةِ ذلك النبي، والله تعالى يُغيرُ الأحكامَ التي كانت في شرع نبيّ سبقَهُ وهو العليمُ بمصالح عبادِهِ، والمصالحُ تختلفُ باختلافِ الأزمانِ والأحوالِ.
وكل نبي في زمانهِ يجبُ التقيدُ به في الإيمان والأحكام التي أنزلت عليه فلما جاءَ سيدنا محمد ءاخرُهم أنزَل الله عليه أحكامًا لم تكن في شرائع من قبله من الأنبياءِ كالصلاةِ في الأماكنِ التي هُيئت للصلاة وغيرها ولم يكن ذلك في شرعِ من قبله من الأنبياءِ بل كان مفروضًا عليهم أن يُصلوا في أماكن مخصوصة هُيئت للصلاة وهي المساجد باللغة العربية، وكان لتلك الأماكن عند أولئك اسم غير المسجد وكان أولئك لا تقبل صلاتهم إلا في مساجدهم ولا تصح صلاتهم في بيوتهم ولا في متاجرهم ولا في مزارعهم ولا في البرية والغابة، إلا أن بني إسرائيل المسلمين هدم فرعون مساجدهم فأذن الله لهم أن يصلُّوا في بيوتهم، وأنزلَ على سيدنا محمد التيمّمَ بالترابِ عند فَقدِ الماءِ أو العجزِ عن استعماله ولم يكن ذلك في شرائع الأنبياء قبله بل كانوا يتوضئون ويصلّون فإن لم يجدوا ما يتوضئونَ به توقّفوا عن الصلاةِ حتى يجدوا الماءَ.
قصةٌ غريبةٌ فيها دلالة على أن سيدنا عيسى عليه السلام أوصى باتّباعِ محمدٍ إذا ظَهَرَ: خَرَجَ من اليمن أربعة أشخاصٍ قاصدين مكَّة فأدرَكَهم الليلُ في البرية فنزلوا في بعض الليل في أرض فناموا إلا جَعْدَ بن قيس المُرادي فسمعَ هاتفًا لا يرى شخصه يقول:
ألا أيها الركبُ المعرّسُ بلّغُوا ***** إذا ما وصلتم للحطيم وزمزَما
محمدًا المبعوثَ منا تحيَّةً ***** تشَيّعُه من حيثُ سار ويَمَّما
وقولوا له إنّا لدينكَ شِيعةٌ ***** بذلك أوصانا المسيحُ ابنُ مريما
فهذا الهاتفُ جنيٌّ مؤمنٌ أدركَ عيسى قبل رفعه إلى السماءِ وءامنَ به وسمِعَ منه وصيته بالإيمان بمحمدٍ إذا ظَهَرَ واتباعه، فلما وصلوا إلى مكةَ سألَ أهلَ مكة عن محمدٍ فاجتمعَ به فآمنَ به وأسلمَ وذلكَ كانَ في أول بعثةِ محمدٍ قبل أن ينتشرَ خبرُهُ في الجزيرةِ العربيةِ، ومعنى المعرّس أي المسافرُ الذي ينزِلُ في ءاخرِ الليل ليستريحَ.
قال المؤلفُ رحمَهُ الله: والإسلامُ هو الدّينُ الذي رضيَهُ الله لعبادهِ وأمرَنا باتّباعِهِ.
الشرح: أن الإسلامَ هو الدينُ الذي أحبَّهُ الله لعبادِهِ وأمرَنا باتباعِهِ.
قال المؤلفُ رحمَهُ الله: ولا يُسمَّى الله مسلمًا كما تلفظَ به بعضُ الجهالِ.
الشرح: الله تعالى لا يجوزُ أن يُسمَّى مسلمًا فليسَ من أسمائه تعالى مُسْلم بل اسمه السلامُ أي السالمُ من كلّ نقصٍ وعيبٍ. المسلم معناه المنقادُ، الله لا يَنقادُ بل يُنقادُ له، فلا يقال له مسلم. ولا يجوز تسمية الله إلا بما جاء في القرءان أو في حديث رسول الله الثابت أو أجمعت عليه الأمة، فتسمية بعض الناس الله تعالى سببًا وعلة كفر كما قال الإمام العلامة ركن الإسلام عليّ السُّغدي من أكابر الحنفية. ولا يجوز تسميته روحًا لأن الروح مخلوقة. فتسمية الله سببًا وعلة وروحًا كفر. ومن ذلك ما استحدثه بعض جهلة المتصوفة فسمَّوا الله الخَمَّار والعياذ بالله.
قال المؤلف رحمَهُ الله: فقديمًا كان البشرُ جميعُهم على دينٍ واحدٍ هو الإسلامُ.
الشرح: أنَّ البشرَ في زمنِ ءادم كانوا كلّهم على الإسلامِ لم يكن بينهم كافرٌ. هو علَّم أولاده الدين كما علَّمهم أصول المعيشة وعمل لهم الدينار والدرهم وغير ذلك من أصول المعيشة، فصلى الله على نبينا محمد وعلى ءادم وسائر الأنبياء وسلم.
قال المؤلفُ رحمَهُ الله: وإنّما حدثَ الشركُ والكفرُ بالله تعالى بعد النبي إدريس.
الشرح: أنه حَدَثَ الكفرُ بعد ءادمَ بألف سنةٍ وذلك بعد وفاةِ إدريس. فأوّلُ الأنبياءِ ءادمُ ثم ابنه شيثٌ ثم إدريس.
قال المؤلف رحمَهُ الله: فكان نوحٌ أوّلَ نبيٍ أُرسِلَ إلى الكفارِ يدعو إلى عبادةِ الله الواحدِ الذي لا شريكَ له.
الشرح: أنه بعدَ وفاة إدريس عليه السلام حَصَلَ الشركُ بين الناس واستمروا على هذا زمانًا إلى أن بعثَ الله نوحًا يدعوهم إلى الإسلام. فبينَ إدريسَ ونوحٍ عليهما السلام ألفُ سنةٍ وتلك الفترةُ تُسمى الجاهليةَ الأولى، فبهذا يكون نوحٌ عليه السلام هو أولَ نبيّ أُرسِلَ إلى الكفارِ يدعوهم إلى الإسلامِ. فآدم من جملة الأنبياء الذين من أنكر نبوتهم يكفر، فكما أن من أنكر نبوة إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد يكفر كذلك يكفر من أنكر نبوة ءادم، كما نقل ابن حزم الإجماع على نبوة ءادم، بل هو نبي رسول كما ورد ذلك في حديث أبي ذر الذي أخرجه ابن حبان وصححه وأقره الحافظ ابن حجر، ولا معنى لإنكار الوهابية رسالة ءادم ولعل بعضهم ينكر نبوته ولا حجة لهم في حديث الشفاعة الذي فيه أن الناس يأتون ءادم ليشفع لهم ثم نوحًا فيقولون لنوح أنت أول الرسل اشفع لنا إلى ربك، رواه البخاري وغيره، لأن معناه أنت أول الرسل إلى قومه المنتشرين في الأرض لأن الأنبياء الذين بعده كان النبي يرسل إلى قومه كما حكى الله عن عيسى أنه قال ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم {6}﴾ [سورة الصف] فقد خالفت الوهابية في قولها هذا قول الله تعالى ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً {213}﴾ قال ابن عباس: أي كلهم على الإسلام، فماذا تقول الوهابية عن ءادم وأولاده أتقول إنهم كانوا يعيشون عيشة البهائم لا يعرفون ما يأتون وما يذرون! وكفاهم هذا خزيًا.
قال المؤلف رحمَهُ الله: وقد حذَّرَ الله جميعَ الرُّسُلِ مِن بعدهِ منَ الشركِ.
الشرح: تحذيرُ الرسلِ من الشركِ المقصودُ به تحذيرُ أمَمِهم لأن الأنبياءَ معصومونَ من الشركِ.
قال المؤلفُ رحمَهُ الله: فقام سيدُنا محمد صلى الله عليه وسلم بتجديدِ الدعوةِ إلى الإسلام بعد أنِ انقطعَ فيما بينَ الناسِ في الأرضِ مؤيَّدًا بالمعجزاتِ الدَّالَّةِ على نبوتِهِ.
الشرح: أنه لما نَزَلَ الوحيُ على النبي لم يكن بين البشرِ على الأرضِ مسلمٌ غيرُهُ فعربُ الجزيرة العربية كانوا يعبدون الأوثانَ، وأهلُ فارس كانوا يعبدون النارَ، وسائرُ أهل الأرضِ كانت لهم أصنامٌ أو أشياء أخرى يعبدونها، فقامَ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلامِ مؤيَّدًا بمعجزاتٍ تدُلّ على نبوتِهِ فهو مجدّدُ الدعوةِ.
قال المؤلف رحمَهُ الله: فَدَخَلَ البعضُ في الإسلامِ.
الشرح: كالجعدِ بنِ قيسٍ المُراديّ الذي أسلمَ بسببِ ما سمعَهُ من الجنيّ الذي كان في أيام كان عيسى على وجه الأرض ودعا إلى الإسلام إلى أن أدرك زمان محمد فآمن بعيسى وبمحمد صلى الله عليهما وسلم.
قال المؤلف رحمَهُ الله: وجَحَدَ بنبوتِهِ أهلُ الضلالِ الذين منهم مَن كان مشركًا قبلًا كفرقةٍ من اليهودِ عَبَدَت عُزيرًا فازدادُوا كفرًا إلى كفرهم.
الشرح: قوله: "جَحَدَ" أي أنكرَ، وأما عُزَيرٌ فهو رجلٌ من الصالحين وقد قال بعض العلماء بنبوّتِهِ.
قال المؤلف رحمَهُ الله: وءامنَ به بعضُ أهلِ الكتابِ اليهودِ والنصارى كعبدِ الله بن سلامٍ عالم اليهودِ بالمدينةِ، وأصحَمةَ النّجاشيّ ملكِ الحبشةِ وكان نصرانيًّا ثم اتَّبعَ الرسولَ اتباعًا كاملًا وماتَ في حياةِ رسولِ الله وصلَّى عليه الرسولُ صلاةَ الغائبِ يومَ ماتَ. أوحى الله إليه بموتِهِ. ثم كان يُرى على قبرهِ في الليالي نورٌ وهذا دليلٌ أنه صارَ مسلمًا كاملًا وليًّا مِن أولياءِ الله رضيَ الله عنه.
الشرح: أن مِن الذين ءامنوا من أهل الكتابِ عالمَ اليهودِ بالمدينةِ عبدَ الله ابنَ سلامٍ وهو من المبشّرين بالجنة. ومنهم النجاشيُّ الذي عاشَ بعد إِسلامه سبعَ سنواتٍ، ولما ماتَ قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ماتَ اليومَ رجلٌ صالحٌ، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة" رواه البخاري. وأصحمة اسم النجاشيّ. قال المؤلف رحمَهُ الله: والمبدأُ الإسلاميُّ الجامعُ لجميعِ أهلِ الإسلامِ عبادةُ الله وحدَه.
الشرح: المبدَأُ أي الأساسُ الجامعُ لجميع أهل الإسلام من لَدُن ءادمَ إلى يوم القيامةِ هو الإيمانُ بالله وحدَهُ أي أن لا يُشرَك به شىء، ثم هؤلاء لا يصحُّ إيمانُهُم إلا أن يؤمنوا بنبيّ عَصرِهِم. هذا المبدأ جمع أهل الإسلام كلهم، هذا المعنى يشملهم لأنهم كلهم يعبدون الله وحده.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم