في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
القِدَمُ

القِدَمُ

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم قال المؤلف رحمه الله: القِدَمُ
يَجِبُ لله القِدَمُ بمَعنَى الأزَلِيَّةِ لا بِمَعْنَى تَقَادُمِ العَهْدِ والزَّمَنِ، لأَنَّ لَفْظَ القَدِيمِ والأَزَليّ إِذَا أُطْلِقَا علَى الله كَانَ المَعْنَى أنَّهُ لا بِدَايَةَ لِوجُودِهِ، فَيُقَالُ الله أزليٌّ، الله قَدِيمٌ، وإذَا أُطلِقَا على المَخْلُوقِ كَانَا بِمَعْنَى تَقَادُمِ العَهْدِ والزّمَنِ، قالَ الله تعَالى في القَمرِ: ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [سورة يس/39]، وقَالَ صَاحِبُ القاموس (الفَيروزءابادى): الهَرَمَانِ بِناءَانِ أَزَلِيَّانِ بِمصْرَ.
الشرح: الدَّليل النَّقليّ على أن الله قديمٌ أي أزليٌّ ءايات منها قوله تعالى: ﴿هُوَ الأَوَّلُ﴾ [سورة الحديد/3]، وأما قولُه تعالى في القمر:﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [سورة يس] فالعُرجونُ هو عِذقُ النَّخلِ وهو شىءٌ في أعلى النخلِ فإنه إذا مَضَى عليه زمانٌ يَيبَسُ فيتقوَّسُ، فالقمرُ في ءاخره يصيرُ بهيئةِ ذلك، فهنا القديمُ جاءَ بمعنى الشّىءِ الذي مضى عليه زمانٌ طويلٌ.
قال المؤلف رحمه الله: وأَمَّا بُرهَانُ قِدَمِه تَعَالى فَهُو أنَّه لَو لَم يكنْ قَدِيمًا لَلَزمَ حُدُوْثُه فيفتَقِرُ إلى مُحْدِثٍ فيلزَمُ الدَّورُ أو التَّسَلْسُلُ وكلٌّ مِنهُما مُحَالٌ، فَثَبَتَ أنَّ حُدوثَه تعالى مُحالٌ وقِدَمَهُ ثابتٌ.
الشرح: الإلهُ لا بدَّ أن يكونَ أزليًّا وإلا لكانَ محتاجًا إلى غيرِهِ والمحتاجُ إلى غيره لا يكون إلهًا.
وأما الدَّورُ فمعناه توقُّفُ وجودِ الشىءِ على ما يتوقَّفُ وجودُهُ عليه كما لو قيل زيدٌ أَوجَدَهُ عمرو وعمرو أوجدَهُ بكرٌ وبكرٌ أوجدَهُ زيدٌ هذا معناه فيه وقفُ وجودِ زيدٍ على وجودِ عمرو وعلى وجودِ بكرٍ وهذا شىء لا يقبلُهُ العقلُ لأنه يؤدّي إلى القولِ بأن هذا مخلوقٌ لشىءٍ هو مخلوقٌ له أي مخلوقٌ لمخلوقِهِ.
وأما التَّسلسلُ فهو توقُّفُ وجودِ شىءٍ على شىءٍ يتوقَّفُ وجودُهُ على غيرهِ وذلك وجودُهُ يتوقَّفُ على غيره وذلك يتوقَّفُ وجودُهُ على غيره أي كلُّ هؤلاءِ خالقٌ لما يليه إلى غيرِ انتهاءٍ وهذا لا يقبلُهُ العقلُ.
ومثالُ التَّسلسل أيضًا أنْ يقولَ شخصٌ لآخر: لا أعطيكَ درهمًا حتى أعطيكَ قبلَهُ درهمًا ولا أعطيكَ درهمًا حتى أعطيكَ قبلَهُ درهمًا وهكذا لا إلى أوّل، فمعنى ذلك أنه لن يعطيَهُ درهمًا. ومثَّلَ بعضُهم بهذه العبارة ما أعطيتُكَ دينارًا إلا وأعطيتُكَ قبلَهُ دينارًا وما أعطيتُكَ دينارًا إلا وأعطيتُكَ قبلَهُ دينارًا وهذا يؤدّي إلى المحالِ، ولم يقل بهذا مسلمٌ في السَّلفِ ولا في الخلفِ إلا أن بعضَ أدعياءِ الحديثِ وهو ابن تيمية قال بأن نوعَ العالم أزليٌّ قديمٌ أي لم يزل مخلوق مع الله كما أن الله لم يزل موجودًا. ومعنى ذلك أنه لم يزل مع الله مخلوق فيما مضَى إلى غير انتهاءٍ وهذا كفرٌ صريحٌ كما قال الزَّركشيُّ وغيرُهُ. ويكفي في رد عقيدةِ ابن تيمية هذه قولُه تعالى: ﴿هُوَ الأَوَّلُ﴾﴿3﴾ ، وقولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: "كانَ الله ولم يكن شىءٌ غيرُهُ" لأنَّ نوعَ العالم غيرُ الله كما أن أفرادَهُ غيرُ الله. وسبق ابنَ تيمية من المنتسبين إلى الإسلام إلى القولِ بما يُشبهه ابنُ سينا والفارابي ومن وافَقَهما بأن العالمَ أزليٌّ مادّتُهُ وأفرادُهُ وكلتا المقالتين للفلاسفةِ، الأولى لمُحدَثيهم والثانية لمتقدّميهم لكن ابن تيمية يَربأُ بنفسه أن يُقالَ إنه أخذَ بعقيدةِ الفلاسفة وأرادَ أن يتستَّرَ بنسبةِ هذه العقيدة إلى أئمة الحديثِ من السلفِ وهو كذبٌ ظاهرٌ، وما سبقَهُ بها أحدٌ من المنتسبين إلى الحديثِ من مشبّهةِ المحدّثين كالدّارميّ المجسّم. أما القولُ بأن الإنسانَ وغيرَهُ خَلَقَهُ الله، أما الله فلا ابتداءَ لوجودِهِ فهذا الذي يقبلُهُ العقلُ، فإذا قلنا كلُّ الأشياءِ ترجِعُ في وجودِها إلى موجودٍ لا ابتداءَ لوجودِهِ فهو الذي يقبلُهُ العقلُ.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم