في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
تَفْسِيرُ قَولِه تَعَالى: ﴿فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾

تَفْسِيرُ قَولِه تَعَالى: ﴿فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم قال المؤلف رحمه الله: تَفْسِيرُ قَولِه تَعَالى: ﴿فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾ (115).
قَالَ تَعَالى:﴿وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة البقرة/115]، المَعْنَى: فأَيْنَما تُوَجّهُوا وجُوْهَكُم في صَلاةِ النَّفْلِ في السَّفرِ فَثمَّ قِبلَةُ الله، أيْ: فتِلْكَ الوِجْهَةُ التي تَوجَّهْتُم إِلَيْها هِيَ قِبْلَةٌ لَكُم، ولا يُرادُ بالوَجْهِ الجَارِحَةُ. وحُكْمُ مَنْ يَعتَقِدُ الجَارحَةَ للهِ التَّكْفِيْرُ، لأَنَّهُ لَو كَانَتْ لَهُ جَارِحَةٌ لكانَ مِثْلًا لنَا يَجُوزُ عَليه مَا يَجُوزُ عَلَيْنا مِنَ الفَناءِ.
الشرح: المشرقُ ملكٌ لله والمغربُ ملكٌ لله فأينما تولُّوا فثمَّ وجهُ الله أي أينما تَستَقبلوا في صلاةِ النَّفلِ وأنتم راكبونَ الدابةَ في سفرِكم فهناكَ قِبلةُ الله، فالمسافرُ إذا كان راكبًا الدابةَ يجوزُ أن يصلّي النَّفلَ إلى الجهةِ التي يريدُها، ولا يلتحقُ بذلك راكبُ السياراتِ والطائراتِ كما يُفهَمُ ذلك من كُتُبِ الفقهِ. ففي هذه الآيةِ أطلقَ الله على نفسِهِ لفظَ الوجهِ، فنحن ليسَ لنا أَن نَرُدَّ ذلك لكن علينا أن نعتقدَ أن الوجهَ إذا أُطلِقَ على الله ليس هذا الجزء، ليس الجارحةَ التي نعرفُهَا، فالذي يعتقدُ في الله الجارحةَ يكفرُ. وتكفير المجسم هو مذهب السلف قاله الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما، فقول بعض المنتسبين المتأخرين للمذهب الشافعي بعدم تكفيرهم مخالف لما عليه السلف، فلا التفات إلى ما في كتاب عز الدين بن عبد السلام الذي هو من متأخري الشافعية.
فإذا قالَ قائلٌ: هل في القرءانِ مذكورٌ أنه منزّهٌ عن الجارحةِ عن اللمسِ واللسانِ والأُذنِ؟ نقولُ: يكفي قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ (11) . لأنه لو كانَ له جارحةُ سمعٍ أو جارحةُ بصرٍ لكان مِثلًا لنا ولو كان مثلًا لنا لم يكن إلهًا. وأما اعتقادُ أن لله سمعًا وبصرًا بجارحتين ويضيف إلى ذلكَ قوله لا كجوارحِنَا فهو مناقضَةٌ.
قال المؤلف رحمه الله: وَقَدْ يُرادُ بالوَجْهِ الجِهَةُ التي يُرادُ بها التّقَرُّبُ إلى الله تَعالى، كأَنْ يَقُولَ أحَدُهُم: "فَعَلْتُ كَذا وكَذا لِوَجْهِ الله"، ومَعْنَى ذلِكَ "فَعَلْتُ كَذا وكذا امْتِثَالا لأَمْرِ الله تَعَالى".
الشرح: يقالُ وجهُ الله بمعنى قصد التقرب إلى الله، وإذا قالَ قائلٌ: عملتُ هذا لوجهِ الله أو ابتغاءَ وجهِ الله فمعناهُ عملتُ هذا للتَّقرُّب إلى الله تعالى وموافقةً وامتثالا لأمرِ الله، أليسَ الله يقول: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ﴾ [سورة الحج/77]. وهذا المعنى لا يصح سواه في نحو حديث "أقرب ما تكون المرأة إلى وجه الله إذا كانت في قعر بيتها" فليس للوجه في هذا الحديث معنى إلا طاعة الله. فماذا يفعل المجسم إذا جاء إلى هذا الحديث أيفسره على حسب اعتقاده أن لله وجهًا بمعنى الجزء والحجم المركب على البدن ولا يجرؤ على ذلك هنا فلماذا يعتقد في نحو ءاية ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ (27) وءاية ﴿كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ (88) الحجمَ المعروفَ المركبَ على البدن، فيجب عليه أن يترك اعتقاده وليقل ما يناسب معنى هذا الحديث الصحيح الذي رواه ابن حبان بهذا اللفظ وليلتزم تفسير الرواية الأخرى لهذا الحديث "أقرب ما تكون المرأة إلى الله إذا كانت في قعر بيتها" على معنى تلك الرواية، فكلتا الروايتين صحيحة إسنادًا ومعناهما واحد.
فمن اعتقدَ أن وجهَ الله هو الحجمُ فقد أَلحَدَ وَكَفَرَ لأن الحجمَ مخلوقٌ إن كان كثيفًا وإن كان لطيفًا لا بدَّ لهُ من مقدارٍ، قال تعالى: ﴿وَكُلُّ شَىْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [سورة الرعد/8] فالحجمُ مهما كان صغيرًا ومهما كان كبيرًا له مقدارٌ فالله منزهٌ عن أن يكونَ حجمًا لطيفًا أو كثيفًا لأن الحجمَ لا بدَّ أن يكونَ له مقدارٌ.
قال المؤلف رحمه الله: ويَحْرُمُ أنْ يُقالَ كَما شَاعَ بينَ الجُهَّالِ: "افتَح النَّافِذَةَ لِنَرى وجْهَ الله"، لأنَّ الله تعالى قالَ لِمُوسَى: ﴿لَن تَرَانِي﴾ [سورة الأعراف/143]، ولَوْ لَم يَكُن قَصْدُ النّاطِقينَ بهِ رُؤيةَ الله فَهو حَرامٌ.
الشرح: هذا الكلامُ حرامٌ مهما كانت نيةُ اللافِظِ بهِ، لأنَّ هذا الكلامَ يُوهمُ أن لله جهةً، وأنه يُرَى بالعينِ في الدُّنيا وأنه هذه السماء الدنيا أو هذا الفراغ.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم