في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
فائدةٌ

فائدةٌ

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم قال المؤلف رحمه الله: قَالَ الغَزَاليُّ في إحيَاءِ علوم الدّين: إنَّهُ (أي الله) أَزَليٌّ لَيسَ لوجُودِه أوَّلٌ وليسَ لوجُودِهِ ءاخِرٌ. وإنّه ليسَ بجَوهر يَتَحيَّزُ بَل يَتَعالى ويَتَقَدَّسُ عن مُنَاسَبَةِ الحوادِثِ وإنَّه لَيسَ بِجِسم مُؤَلّفٍ مِن جَواهِرَ، وَلَو جَازَ أنْ يُعتَقدَ أنَّ صانِعَ العَالَم جِسمٌ لَجازَ أنْ تُعتَقدَ الأُلوهيّةُ للشَّمْسِ والقَمرِ أو لشَىءٍ ءاخرَ من أقسَامِ الأجسَام فإذًا لا يُشْبهُ شَيئًا ولا يُشبِهُه شىءٌ بل هوَ الحيُّ القيّومُ الذي ليس كَمثْلهِ شَىءٌ وأنَّى يُشْبهُ المَخْلوقُ خالقَه والمُقَدَّرُ مُقدّرَه والمصَوَّرُ مُصَوّرَهُ.
الشرح: العالَمُ جَوَاهرُ وأعْرَاضٌ، والجوهرُ عند علماءِ اللغة أصلُ الشىء وهو ما لَهُ تحيُّزٌ وقيامٌ بذاتِه كالأَجسَامِ فما له حجمٌ كثيفٌ كالعرش والشجر والحجر والسموات والأرض والإنسان والنبات أو لطيفٌ كالريحِ والنورِ والروح والجن والملائكة يقال له جوهرٌ. والجوهرُ إما مركَّبٌ وإما مُفرَدٌ فالمفردُ هو الجوهرُ الفَردُ، والمركبُ ما تَرَكَّبَ من جوهرين فأكثر.
وأما العَرَضُ فهو صفاتُ الجوهرِ كحركةِ الجسمِ وسكونِهِ والبرودةِ والحرارةِ والتحيز في مكان وجهة، فالنارُ جوهرٌ وحرارتُها عَرَضٌ والريحُ جوهرٌ وحرارتُها أو برودَتُها عرضٌ. وأصغرُ الأشياء يقال له الجوهرُ الفرد وهو الجزء الذي لا يتجزأ من تناهيه في القلة، والجسمُ ما تركَّبَ من جوهرين فأكثر بأن ينضم إليه جوهر ءاخر فيصير قابلًا للقسمة، فالله تعالى لا يُشبه ذلك كُلَّه بل يتنزهُ عن مشابهةِ الحوادثِ، وليس له حدٌّ والدليلُ على ذلك أن الحدَّ هو مقدارُ الجِرم، فمقدارُ الجسدِ يقال له الحدُّ والشمسُ لها حدٌّ وهي مع عُظم نفعِها مسخَّرةٌ لغيرها والله هو خالقها لأن الشمسَ لا تصلُحُ أن تكون مدبّرةً للعالم لأن لها حجمًا ومقدارًا وجهةً ومكانًا، فلو كانت الألوهيةُ تصحُّ للأجسامِ لصحت للشمسِ والقمرِ وغيرِ ذلك، ولو كانت الألوهية تصح لشىء من الأجسام لكانت الشمس أولى بالألوهية لكثرة منافعها وحسن لونها مما هو محسوس لكل الخلق. فكلُّ ما له حيّزٌ يستحيلُ أن يكون إلهًا، والتحيّزُ هو أخذُ مقدارٍ من الفراغِ، فالنورُ يأخذ مسافة والظلام يأخذ مسافة، والريح كذلك، فالله تعالى بما أنه ليس حجمًا كثيفًا ولا لطيفًا لا يجوزُ في حقّه أن يأخذَ قدرًا من الفراغ. فلو قال أحد عبدة الشمس الملحدينَ لمسلم: أنت تقول إن ديني هو الصحيحُ وتقول عنّي إن ديني باطلٌ فأينَ الدليلُ، فإن قال له هذا المسلمُ قالَ الله تعالى: ﴿أَفِي اللهِ شَكٌّ {10}﴾ [سورة إبراهيم] يقول الملحدُ: أنا لا أؤمنُ بكتابِكَ أعطني دليلًا عقليًّا، فإن كان هذا المسلمُ يفهمُ الدليلَ العقليَّ والدليلَ النقليَّ على وجهه يقول: هذه الشمسُ لها هيئةٌ وشكلٌ وحدودٌ والشىءُ المحدودُ يحتاجُ إلى حادّ حدَّهُ بهذا الحدّ، ثم هي متطورةٌ والمتطورُ يحتاجُ إلى مُطَورٍ له فهذه لا تصلُحُ عقلًا أن تكون إلهًا كما أنت تزعُمُ، وأما ديني فحقٌّ لأن ديني يقولُ إن صانعَ العالم لا يشبهُهُ بوجهٍ من الوجوه منزهٌ عن الحدّ والمكانِ والشكلِ والكيفيةِ منزهٌ عن كلّ ما في هذا العالمِ من صفةٍ، فلذلك ديني هو الصحيحُ الذي يقبلُهُ العقل فيكون هذا المسلم قطع بهذا الدليل العقلي عابد الشمس وأدحض دعواه. أما الذي يقولُ الله ساكنٌ في السماء فبأيّ دليلٍ يدفَعُ كلامَ هذا الذي يعبُدُ الشمسَ، يقول له ذاك: أنتَ تقول إن معبودي ساكنٌ في السماء وأنا أقول إن معبودي الشمسُ في الفضاءِ وقد يدعي أنها في سماءٍ من السموات والشمسُ منفعَتُها ظاهرةٌ تنفعُ الهواءَ والنباتَ والإنسانَ، وأنت تعبُدُ شيئًا متحيزًا متوهَّمًا وأنا أعبدُ شَيئًا متحيزًا متحقق الوجود مشاهدًا يراه كل الخلق ويرون منفعته وأما هذا الذي أنت تعبده لا نراه ولا أنت رأيته ولا أحسسنا له بمنفعة، فلماذا تجعلُ الحقَّ في دينِكَ وتجعلُ ديني مخالفًا للحقّ فذاك المشبّهُ كالوهابي الذي يعتقد أن الله جسدٌ قاعدٌ فوقَ العرش لا يكونُ عندَهُ جوابٌ.
قال المؤلف رحمه الله: فليسَ هذَا الكلامَ الذي عابَه العلماءُ وإنّما عابَ السلفُ كلامَ المُبتدِعَةِ في الاعتقادِ كالمشبهةِ والمعتزلةِ والخوارجِ وسائرِ الفرقِ التي شذت عما كان عليه الرسولُ والصحابةُ الذين افترقوا إلى اثنتينِ وسبعينَ فرقة كما أخبرَ الرسولُ بذلك في حديثهِ الصحيحِ الثابتِ الذي رواه ابنُ حبانَ بإسنادهِ إلى معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود إحدى وسبعينَ فرقة وافترقت النصارى على اثنتينِ وسبعينَ فرقة وستفترقُ أمتي إلى ثلاث وسبعينَ فرقة كلُّهم في النارِ إلا واحدة وهي الجماعة _ أي السواد الأعظم _. وأما علمُ الكلامِ الذي يشتغلون به أهلُ السنةِ من الأشاعرةِ والماتريديةِ فقد عُمل به من قبل الأشعري والماتريدي كأبي حنيفةَ فإن له خمسَ رسائل في ذلك والإمام الشافعي كان يتقنهُ حتى إنه قال: أتقنَّا ذاك قبل هذا، أي أتقنَّا علمَ الكلامِ قبل الفقهِ.
الشرح: علمُ التوحيد هو العلمُ الذي يُعرفُ به ما يجوزُ على الله وما يليقُ به وما لا يجوزُ عليه وما يجبُ له من أن يُعرَف في حقه سبحانه وتعالى، ولذلك سماهُ أبو حنيفة الفِقهَ الأكبرَ إيذانًا وإعلامًا بأنه هو الفِقهُ الذي هو أشرفُ وأفضلُ من غيره.
فليسَ هذا هو علم الكلام الذي ذَمَّهُ العلماءُ وإنما ذموا كلامَ أهلِ الأهواءِ أهلِ الضلالِ المنشقين عن أهل السنة كعقيدةِ الخوارج والمعتزلة والمُرجِئَةِ وغيرِهم من الفِرَقِ المخالفينَ لأهل السنة فإن لهم مقالاتٍ يجادلون عليها ليوهموا الناسَ أن ما هم عليه هو الحقُّ وأن ما عليه أهلُ السنةِ باطلٌ. وهذا هو الذي عَنَاهُ الشافعيُّ بقوله الذي رواه عنه الإمامُ المجتهدُ الحافظُ أبو بكر بن المنذر: "لأن يَلقَى الله العبدُ بكل ذنبٍ ما عدا الشرك خيرٌ من أن يلقاهُ بشىءٍ من الأهواءِ". ومعنى قوله: "الأهواء" أي العقائد التي مالَ إليها المخالفونَ لأهل السنة فإن لهم مؤلفات ولا سيما المعتزلة، وكذلك المشبهةُ الذين يعتقدونَ أن الله جسم وأنه متصفٌ بالحركةِ والسكونِ والنزولِ والصعودِ إلى غيرِ ذلك من صفاتِ الأجسامِ، وكلمةُ الأهواء جمع هوى والهوى ما تميلُ إليه النفسُ من الباطلِ. أما علمُ الكلام الذي يُعرَفُ به أدلةُ الرد على المخالفين فهو فرضُ كفايةٍ فيجبُ أن يقومَ بذلك من تَحصُلُ بهِ الكفايةُ لأن هذا من بابِ إزالةِ المُنكَر، وهذا من أفرضِ الفروضِ لأنه حفظٌ لأصولِ عقيدةِ أهلِ السنة.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم