في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
رِسَالَةٌ مُهِمَّةٌ في الرّدِ عَلى المعتَزِلَةِ

رِسَالَةٌ مُهِمَّةٌ في الرّدِ عَلى المعتَزِلَةِ

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم روى البيهقيُّ عن سيّدنا الحسين بن علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنهما أنّه قال: والله ما قالت القدريّةُ بقولِ الله ولا بقولِ الملائكةِ ولا بقول النبيّينَ ولا بقولِ أهلِ الجنّةِ ولا بقولِ أهلِ النّارِ ولا بقولِ صاحبِهِم إبليس، فقالَ الناس: تُفسّرُهُ لنا يا ابن رسولِ الله، فقال: "قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء﴾ [سورة يونس/25]". فالمعتزلةُ خالفوا الله تعالى في قولهِ هذا لأنّهم قالوا والعياذُ بالله العبدُ خَلقَ الحسنات وعملَها فصارَ فرضًا على الله أن يدخلَهُ الجنّةَ، وليس إدخاله للعبادِ الجنّة فضلًا منه، معناهُ على زعمهم أنَّ الله مديونٌ للعبادِ لأنّهم خلقوا هذه الحسنات فهو ملزمٌ بأن يدخلهم الجنّةَ، والصوابُ أن الله تعالى فضلًا منه يُدخلُ المؤمنينَ الجنةَ لأنّه هو الذي خَلقَهم وهو الذي ألهمَهُم أعمالَ الخيرِ وهو الذي خلقَ فيهم هذه الجوارحَ وهو الذي خلقَ فيهم العقلَ الذي ميّزوا به بين الحقّ والباطلِ والحسنِ والقبيحِ، وهو الذي خلقَ هذه الجنّةَ، فإدخالُ الصّالحينَ الجنّةَ ليس فرضًا على الله، ليسوا ممتنينَ على الله بل هو الممتنُّ عليهم، هذا معنى كلام سيّدنا الحسين رضي الله عنه، كذلك الله تبارك وتعالى لمّا قالَ ﴿وَيَهْدِي مَن يَشَاء﴾ (25) أفهَمَنَا أنّه لا يهتدي أحدٌ إلا بمشيئتِهِ الأزليّةِ، والمعتزلةُ ينفونَ عن الله الصّفَات، عندهم الله تعالى لا يُقالُ لهُ إرادةٌ له علمٌ له سمعٌ له بصرٌ له كلامٌ، وإنّما يقولونَ هو قادرٌ بذاتِهِ عالمٌ بذاتِهِ وأحيانًا يقولون عالمٌ لذاتِهِ قادر لذاته لا بعلمٍ وقدرةٍ، خالفوا الآية بأكثر من وجهٍ كما قالَ سيّدنا الحسين رضي الله عنه.
وقد خالفت المعتزلة الآية ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [سورة التكوير/29]، لأنّهم قالوا نحن بإرادتنا نخلقُ المعاصيَ والشُّرورَ، قالوا الله ما له تصرّفٌ في ذلكَ، والله أخبرنا أنَّ العبادَ لا تحصلُ منهم مشيئةٌ إلا أن يشاءَ الله في الأزلِ أن يشاؤوا، فالمعتزلةُ خالفوا الآية.
وخالفوا قولَ الله تعالى: ﴿سَنُقْرِؤُكَ فَلا تَنسَى﴾ (6) ﴿إِلاَّ مَا شَاء اللهُ﴾ (7) [سورة الأعلى]. فهذه الآيةُ أيضًا فيها دليلٌ على أنَّ أعمالَ القلوب من الخَلقِ بمشيئةِ الله، لأنّ الله تعالى أخبرنا عن سيّدنا محمّدٍ أنّه يَنسَى إن شَاءَ الله نسيانَهُ، أمّا ما لم يشإ الله تعالى أن ينسى شيئًا ممَّا أنزل عليه من القرءانِ لا ينسى، ففي قوله: ﴿إِلاَّ مَا شَاء اللهُ﴾ (7) دليلٌ على أنَّ القلبَ ما بين إصبعينِ من أصابعِ الرّحمنِ كما وَرَدَ في حديثِ أبي هريرة: "إنَّ قلوب بني ءادم كلها بين إصبعين من أصابع الرّحمن كقلبٍ واحدٍ" رواه مسلم، ومعناه هو المتصرّفُ فيها هو يقلّبُها كيف يشاءُ، فما لهؤلاءِ التَّائهينَ بعد أن أخبرنا الله تعالى أنَّ القلوبَ هو يقلّبها يقولونَ إنَّ العبدَ هو يخلقُ أفعالَ نفسِهِ مشيئته وحركاته وسكناته، وأوّلُ من فَتَحَ هذا البابَ ممّن يدّعي الإسلامَ المعتزلةُ فأضلّوا كثيرًا من النّاسِ، كانَ في أيّامِ السَّلفِ أناسٌ بحسبِ الظَّاهِرِ أحوالُهم حسنةٌ طيّبةٌ فَتَنَهم رجلٌ من المعتزلةِ فَضَلّوا.
وأمّا مخالفتُهُم للملائكةِ فقد قالت الملائكةُ: ﴿قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا﴾ [سورة البقرة/32]. معناه العلمُ الذي فينا أنتَ تخلقُهُ يا الله، وكذلك سائرُ أعمالنا الباطنيَّة والظّاهريَّة لا تكونُ إلا بمشيئةِ الله وخلقِهِ، أمّا المعتزلةُ قالوا علومُنَا وإدراكاتُنَا نحنُ نخلُقُهَا.
وأمّا مخالفَتهم للنَّبيّينَ فقد قالَ النَّبيّونَ: ﴿وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ رَبُّنَا﴾ [سورة الأعراف/89] بعضُ أنبياءِ الله تعالى قالَ في مقامِ التَّبرُّىءِ من المشركينَ وأعمالِهم نحنُ ليسَ لنا أن نعودَ في مِلَّتِكُم، معناهُ نحنُ أنقذَنا الله من أن نكونَ في مِلّتِكم، أي حَمَانا الله من أن نَدخُلَ فيها ونعتقدَها كما أنتم تعتقدُونَها، ﴿إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ﴾ (89) معناهُ أمّا لو شاءَ الله تعالى في الأزلِ أن نَتَّبِعَكم لَتَبِعنَاكُم، لكن ما شاءَ ذلك فلا نتبعكم.
وقالَ تعالى حكايةً عن نوح عليه السَّلامُ: ﴿وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ﴾ [سورة هود/34] هنا نوحٌ أثبتَ لله تبارك وتعالى المشيئةَ لأعمالِ العبادِ خيرِها وشَرّها، أي أنَّ الطَّاعات من عبادِهِ تحصلُ بمشيئتِهِ وأنَّ معاصيهم تحصلُ بمشيئتِهِ.
وأمّا مخالفتُهم لأهلِ الجَنَّةِ فأهلُ الجنّةِ قالوا: ﴿وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللهُ﴾ [سورة الأعراف/43]. اعترفوا بأنَّ هذه الأعمال الصَّالحة التي استحقّوا بها هذا النّعيمَ المقيمَ ليس إلا بمشيئةِ الله وخلقِهِ فيهم، ولولا أنّ الله خَلَقَ فيهم ذلك ما دخلوا هذه الجنّةَ ولا نالوا هذا النَّعيمَ. المعتزلةُ خالفت فقالت نحنُ خَلَقنَا إيمانَنَا وأعمالَنَا الصَّالحة فلذلكَ صارَ على الله فرضًا لازمًا أن يُثيبَنَا.
وأمّا مخالفَتُهم لأهلِ النَّارِ فقد قالَ أهلُ النَّارِ: ﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا﴾ [سورة المؤمنون/106].
هذا الكلامُ أيضًا فيه اعترافٌ ضمنِيٌّ بأنَّ الله تبارك وتعالى شَاءَ وخَلَقَ فيهم الضَّلالَ الذي استحقّوا به هذه النَّار.
وأمّا مخالفَتُهُم لإبليس فقد قالَ أخوهم إبليسُ: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [سورة الأعراف/16]، فمعنى كلام إبليس يا ربّ لأنَّك أغويتَني أي كتبتَ عليَّ الغَوايةَ أي أن أضلَّ باختياري ضَلَلتُ، أنا أقعدُ لبني ءادمَ صراطكَ المستقيمَ أي لأخرِجَهُم وأُبعِدَهم منه، هذا إبليس صارَ أفقهَ من المعتزلةِ لأنَّه عَرَفَ أنَّ الله هو خالقُ الغَوايةِ والضَّلالةِ فيمن ضلّوا من عبادِ الله، وأنّهم ليسوا مستقلّينَ عن مشيئةِ الله وتخليقِهِ أي لا يعملونَ شيئًا من غيرِ أن تسبِقَ مشيئةٌ من الله في الأزلِ في ذلكَ الذي يحصلُ منهم.
ومثلُ هذا الكلام رواهُ البيهقيُّ عن سفيانَ بن عيينةَ الذي هو من الأئمَّةِ المجتهدينَ الذين أخذَ الشَّافعيُّ وغيرُهُ عنهم أحاديث نبويّةً بالأسانيدِ لأنّه كان محدثًا أكبرَ سنًّا من الشَّافعيّ.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم