في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
الدَّليلُ العَقْليُّ على فَسَاد قَولِ المعتَزِلةِ

الدَّليلُ العَقْليُّ على فَسَاد قَولِ المعتَزِلةِ

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم قال المؤلف رحمه الله: الدَّليلُ العَقْليُّ على فَسَاد قَولِ المعتَزِلةِ بأنَّ العبدَ يَخلُقُ أفْعالَهُ
قَالَ أَهْلُ الحقّ: "امتَنَع خَلْقُ العَبدِ لفِعْلِه لعُمُومِ قُدْرَةِ الله تَعالى وإرادَتِه وعِلْمِه".
الشرح: الدَّليلُ على أنَّ العبدَ لا يخلُقُ أفعالَهُ هو أنَّ قدرةَ الله عامَّةٌ وإرادتَهُ عامّةٌ فكيفَ لا يكونُ عملُ العبدِ مخلوقًا لله، فالمعتزلةُ تقولُ الله ما له تصرُّفٌ في العبادِ إنَّما هم يخلقونَ أعمالَهم الاختيارية أي التي يعملونها عَمدًا، وكلامُهم هذا مردودٌ، يقال لهم: قدرةُ الله عامَّةٌ شاملَةٌ وإرادتُهُ عامَّةٌ شاملَةٌ فكيف تكونُ خاصّةً بالأجسامِ دونَ أعمالِ العبادِ الاختياريّة، هذا لا يقبلُهُ العقلُ، لأنَّ معنى كلامكم هذا أنَّه يوجَدُ شىءٌ خصَّ قدرةَ الله عن أن تكونَ شاملةً لكلّ شىءٍ، وهذا معناهُ أنَّ الله محكومٌ لغيرِهِ، جعلتم له مُخَصّصًا خَصَّصَهُ ببعضِ الممكناتِ العقليةِ دونَ بعضٍ وكلُّ شىءٍ له مُخَصّصٌ محتاجٌ لذلكَ المُخَصّص، إذًا على قولِكم الله له مُخَصّصٌ والذي له مُخَصّصٌ مُحدَثٌ، والله منزّهٌ عن الحدوثِ، فَبَطَلَ قولكم.
فلمَّا كانت قدرةُ الله شاملةً لكلّ ممكنٍ عقليّ وإرادتُهُ كذلك وعلمُهُ كذلك وَجَبَ أن يكونَ كلّ ممكنٍ عقليّ واقعًا بتخليقِ الله وتكوينِهِ، ومن ذلكَ أفعال العبادِ الاختياريّةُ يجبُ عقلًا دخولُها في ذلكَ أي أن تكونَ مخلوقةً له لا للعبادِ، لأنّه لو كانَ شىءٌ منها بخلقِ غيرِهِ مع كونها من الممكنِ العقليّ لَلَزِمَ من ذلك أن يكونَ لله تعالى مانعٌ منعَهُ من خَلقِ ذلكَ العمل، خَصَّصَهُ عن خلقِ هذه الأعمال وجَعَلَها بخلقِ غيرِهِ تعالى، وذلك يؤدّي إلى نسبةِ العجزِ إلى الله، ولكانَ يلزم أيضًا أن يكونَ ذلك المخصّصُ إلهًا ءاخرَ، وتعدُّدُ الإلهِ محالٌ بالبرهانِ العقليّ.
ولنا هنا عبارةٌ أخرى هي أنّه لو كانت أعمالُ العبادِ الاختياريّة بِخَلقِ العبادِ لا بخلقِ الله لاقتضى ذلك وجودَ مُخصّصٍ خَصَّصَ الله تعالى بذلك وَتَعَلَّقَ المُخَصّصُ بذاتِ الله تعالى، ويلزمُ منه أنّ هناكَ فاعلًا بالإرادةِ يمنعُ الله تعالى عن بعضِ الممكناتِ، وبيانُ ذلك أنّ الممكناتِ العقليّة إمّا أجسامٌ وجواهر وإمّا أعمالٌ وصفاتٌ حادثةٌ فلو كانت قدرةُ الله غير شاملةٍ للجميعِ وكانت مقتصرةً على الأعيانِ والجواهرِ والأعراضِ والأعمالِ الاضطراريّةِ دونَ الأعمالِ الاختياريّةِ لكان لله مُخصّصٌ يُخَصّصُ قدرتَهُ ببعض الممكناتِ العقليّةِ دونَ بعضٍ، وفي ذلك نسبةُ القُصورِ إلى قدرةِ الله تعالى، ويستحيلُ أن تكونَ قدرةُ الله قاصرةً على بعض الممكناتِ دون بعضٍ لأنّ في ذلك نسبة النّقصِ إلى الله والنّقصُ عليه محالٌ، ويلزم ممّا ذَهَبَ إليه المعتزلة أنّ الله له مُمَانِعٌ يمنعُهُ عن بعضِ الممكناتِ دونَ بعضٍ وذلك عجزٌ والعجزُ عليه محالٌ.
ويأتي على قولِ المخالفينَ المحال الذي نفاهُ أهلُ الحَقّ وهو تعدُّدُ الإلهِ وما أدَّى إلى المحالِ محالٌ.
قال المؤلف رحمه الله: وبَيانُ الدَّليل علَى ذَلكَ أنَّ قُدرَةَ الله عامَّةٌ وعلمه عام وإرادَته عامة فإنَّ نِسْبَتَها إلى الممكناتِ نِسْبَةٌ واحدَةٌ.
الشرح: نسبةُ قدرةِ الله إلى الممكناتِ العقليّة واحدةٌ، أي نسبةُ قدرةِ الله إلى أجسامِنَا ونسبةُ قدرةِ الله إلى أعمالِنَا واحدةٌ، يقالُ لهم: كيف جَعَلتم قدرةَ الله خاصّةً بأجسامِنَا فقط دونَ أعمالِنَا؟
قال المؤلف رحمه الله: فإنَّ وجُودَ الممكنِ العَقليّ إنَّما احْتاجَ إلى القَادرِ من حَيثُ إمْكانُه وحدُوثُه.
الشرح: يقالُ لهم وجودُ الممكنِ العقليّ كيف احتاجَ إلى الإلهِ، أليسَ لأنّه ممكنٌ عقليٌّ حادثٌ وكلُّ حادِثٍ له مُحدِثٌ؟، أليسَ من هذه الجهة احتاجَ إلى الله؟ فإذًا كلُّ جائزٍ عقليّ كلُّ ممكنٍ عقليّ تتعلَّقُ به قدرة الله، فالله هو الخالقُ لكلّ ممكنٍ عقليّ وأعمالُنَا من الممكناتِ العقليّةِ.
ويقالُ لهم: أعمالُنَا حركاتنَا وسكناتنا التي نقصدُهَا ونتعمَّدهَا من الممكنِ العقليّ هي أم هي من المستحيلِ أم هي من الواجبِ العقليّ؟ يقولونَ: من الممكن العقليّ، فيقالُ لهم: إذًا الممكنُ العقليُّ يجبُ أن يكونَ متعلَّقًا لقدرةِ الله تعالى، يجِبُ أن تكونَ قدرةُ الله متعلقةً بهِ أي شاملةً له، فلا يجوزُ أن نجعلَ قدرةَ الله متعلّقةً ببعضِ الممكناتِ العقلية دون بعضٍ.
قال المؤلف رحمه الله: فَلَو تَخصَّصَت صِفَاتُه هَذه ببَعضِ الممكِنَاتِ للَزِمَ اتّصَافُه تَعالَى بنَقِيضِ تِلكَ الصّفاتِ من الجهلِ والعَجْزِ وذَلكَ نَقْصٌ والنَّقْصُ علَيه مُحَالٌ.
الشرح: لو كانت قدرةُ الله لا تشملُ جميع الممكناتِ العقليّةِ لكانت قاصرةً على بعضها دون بعضٍ ولاقتضى ذلك أن يكونَ له شىءٌ خَصَّصَ قدرةَ الله ببعضِ الممكناتِ العقليّة دونَ بعضٍ، وهذا معناهُ أنَّ الله محتاجٌ إلى غيرِهِ وهذا محالٌ على الله لا يجوزُ، فَبَطَلَ قولكم.
يقالُ لهم: لو كانَ الله تعالى لا يخلقُ أعمالَ العبادِ الاختياريّة ويخلقُ ما سوى ذلك لاقتضى ذلك أن يكونَ لله مُخصّصٌ يخَصّصه بشىءٍ دونَ شىءٍ وذلك يؤدّي إلى العجزِ والمغلوبيّةِ وقد ثَبَتَ أن لا إله غيرهُ بالبرهانِ العقليّ.
قال المؤلف رحمه الله: ولاقْتَضَى تَخَصُّصُها مُخَصّصًا وتَعَلَّقَ المخَصّصُ بذَاتِ الوَاجِبِ الوُجُودِ وصِفَاتِه وذلكَ مُحالٌ.
الشرح: معناهُ لو لم تكن قدرة الله متعلقة بكل الممكنات العقلية لكانَ لله شىء يؤثّرُ فيه، فلو كانَ كما يقولونَ قدرةُ الله تعالى قاصرة على بعض الممكناتِ العقليّة دون بعضٍ أي لو كانت قاصرةً على أجسامِنا دونَ أعمالِنَا لاقتضى ذلك شيئًا خَصَّصَ قدرةَ الله، وكانَ ذلكَ يقتضي تَعَلُّقَ المُخَصّصِ بذاتِ الله تعالى وهذا لا يجوزُ لأنّه محالٌ عقليٌّ.
قال المؤلف رحمه الله: فَإذًا ثَبتَ عمُومُ صِفَاتِه.
الشرح: عمومُ قدرةِ الله وإرادته ثَبَتَ، الله خالقٌ لكلّ أعمالِنَا الاختياريّة وغيرِ الاختياريّة، وخصومُنَا يوافقونَنَا في غيرِ الاختياريّة كحركاتِ النَّائم وحركةِ المُرتَعِشِ، هذه عندَنا وعندَهم مخلوقةٌ لله، أمّا الحركةُ الإراديّةُ فهذه عندَهم ما دَخَلَت تحتَ القدرةِ، هم يقولونَ هذه العبدُ يخلُقُهَا وهذا باطلٌ، العبدُ لا يَخلُقُ شيئًا لا الحركة الاختياريّة ولا الحركة الاضطراريّة، هذا مذهبُ أهلِ الحَقّ من السلفِ والخَلَفِ.
قال المؤلف رحمه الله: فلَو أرادَ الله تعالى إيجادَ حادِثٍ وأرادَ العبدُ خلافَهُ ونَفذَ مُرادُ العَبْدِ دُونَ مُرادِ الله للَزِمَ المحالُ المفْروضُ في إثباتِ إلهَينِ، وتَعدُّدُ الإلهِ محالٌ بالبُرهانِ، فما أدَّى إلى المحالِ محالٌ.
الشرح: يعني أنّه لو كانت قدرةُ الله متعلّقةً ببعضِ الممكناتِ دونَ بعضٍ كما تقولُ المعتزلةُ لَلَزِمَ المحالُ المفروضُ في إثباتِ إلهين فما أدَّى إلى المحالِ محالٌ، لو كانَ الله تعالى اثنين أو أكثر يلزمُ من ذلكَ شىءٌ لا يقبلُهُ العقلُ وهو أنَّه لو فُرِضَ أنَّ أحدَهما أرادَ أن يُوجَدَ شىء والآخرَ أرادَ أن لا يُوجَدَ فإن نَفَذَ مرادُ هذا ولم يَنْفُذ مرادُ ذاكَ فالذي لم ينفذ مرادُهُ صارَ عاجزًا، والعاجزُ لا يَصلُحُ لأن يكون إلهًا، فَبَطَلَ تعدُّدُ الإله، وَبَطَلَ قولُهم بأنَّ قدرةَ الله تعالى لا تشمَلُ أعمالَ العبادِ الاختياريّة.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم