في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
بيانُ أقسامِ الكفرِ

بيانُ أقسامِ الكفرِ

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم واعلم يا أخي المسلم أن هناكَ اعتقاداتٍ وأفعالا وأقوالا تنقضُ الشهادتين وتوقِعُ في الكفرِ لأن الكفرَ ثلاثةُ أنواع: كفرٌ اعتقاديٌّ وكفرٌ فعليٌّ وكفرٌ لفظيٌّ،
وذلك باتفاقِ المذاهبِ الأربعة كالنووي وابن المُقري من الشافعيةِ وابن عابدين من الحنفيةِ والبُهُوتي من الحنابلةِ والشيخ محمد عِلَّيش من المالكيةِ وغيرِهم فلينظرها من شاءَ. وكذلك غيرُ علماءِ المذاهبِ الأربعةِ من المجتهدينَ الماضينَ كالأوزاعيّ فإنه كان مجتهدًا له مذهبٌ كان يُعْمَلُ به ثم انقرضَ أتباعُهُ.
الشرح: أن مما استدَل به أهلُ الحق على أن الكفرَ ثلاثةُ أقسامٍ ءايات منها قوله تعالى: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ {74}﴾ [سورة التوبة] فهذه الآية يفهم منها أن الكفر منه قوليٌّ، وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءامَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا {15}﴾ [سورة الحجرات] فهذه الآية يُفهم منها أن الكفرَ منه اعتقاديٌّ لأن الارتيابَ أي الشك يكونُ بالقلبِ، وقوله تعالى: ﴿لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ {37}﴾ [سورة فصلت] يُفهم منه أن الكفرَ منه فعليٌّ، وهذه المسئلةُ إجماعيةٌ اتفقَ عليها علماءُ المذاهبِ الأربعةِ.
وكلٌّ من الثلاثةِ كفرٌ بمفردِهِ فالكفرُ القوليُّ كفرٌ ولو لم يقترن به اعتقادٌ ولا فعلٌ، والكفرُ الفِعليُّ كفرٌ ولو لم يقترن به اعتقادٌ وانشراحُ الصّدر به ولا قول، والكفرُ الاعتقادي كفرٌ ولو لم يقترن به قولٌ ولا فعلٌ. وإنما يُشترطُ للقولِ الكفري انشراحُ الصدرِ في المُكرَهِ على قولِ الكفرِ بالقتلِ ونحوِهِ. فالمكرهُ هو الذي لا يكفُرُ لِمجردِ القول بعد أن أكره إلا أن يشرحَ صدرَه بما يقولُه فعندئذٍ يكفرُ، لأن المسلمَ المكره على قولِ الكفرِ إن قال كلمة الكفر لإنقاذِ نفسه مما هددَهُ به الكفارُ وقلبهُ غير منشرح بما يقوله فلا يُحكَمُ بكفرِهِ، وأما إن تغيَّر خاطرهُ بعد الإكراهِ فشرحَ صدرَهُ بقولِ الكفر كفر، وهذا معنى قول الله تعالى: ﴿مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {106}﴾ [سورة النحل] فألغى هذا الحكم الشّرعي الذي اتفقَ عليه علماءُ الإسلامِ وجاءت به هذه الآية أشخاصٌ من أهلِ هذا العصر أحدهم سيد سابق في كتابه فقه السُّنة وحسن قاطرجي وشخص من ءال هضيبي في كتابٍ سماه "دعاة لا قضاة" وشخص سوريٌّ من ءال الإدلبي. فليحذر هؤلاء فهؤلاء حرَّفوا شرعَ الله وخالفوا حكَّامَ المسلمين من الخلفاءِ ونوّابِهم فإنهم لم يكونوا يقولون الشخص الذي تكلمَ بكلمةِ الكفرِ والردةِ عند تقديمه إليهم للحكمِ عليه هل كنتَ شارحًا صدركَ بما قلتَ من قول الكفرِ بل كانوا يجرونَ عليه حكمَ الرّدة بمجرّدِ اعترافه أو شهادةِ شاهدين عليه بأنه قال كلمة كذا من الكفر. وهذه كتبُ التواريخ الإسلامية تشهَدُ بذلك في الوقائع التي ذكرت فيها كواقعةِ قتل الحلاج فإنه أُصدرَ عليه حكمُ الردة لقوله أنا الحقُّ أي أنا الله ونحوِ ذلك من كلمات الرّدة، فأصدرَ القاضي أبو عمر المالكي في بغداد أيام الخليفة المُقتَدر بالله حكمًا عليه فقطعت يداهُ ورجلاهُ ثم قطعت رقبته ثم أُحرقت جثتهُ ثم ذُرَّ رمادُهُ في دِجلة، وهذا التشديدُ عليه ليرتدعَ أتباعه لأنه كان له أتباع عُرفوا بالحلّاجيّةِ. وكان الإمامُ الجنيدُ رضي الله عنه سيدُ الطائفة الصوفية تَفَرَّسَ فيه بما ءَالَ إليه أمرُه لأنه قال للحلّاج: "لقد فَتَحتَ في الإسلامِ ثُغرةً لا يَسُدُّها إلا رأسُك".
وجهلة المتصوفةِ خالفوا سيدَ الصوفية الجنيد فصاروا يهَوّنون أمرَ النطق بكلمات الردة ممن ينتسب إلى التصوّف فلا يكفّرون أحدًا منهم لقولِ أنا الله أو أنا الحقُّ، أو قال إن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمُ جميعَ ما يعلمه الله، أو إن الله يَحُل في الأشخاصِ، أو إن الله كان واحدًا ثم صار كثيرًا فيزعمون أن العالمَ أجزاءٌ منَ الله.
أما الصوفيةُ الحقيقيونَ فهم بريئونَ منهم، فهؤلاءِ في وادٍ وأولئكَ في وادٍ ءاخر. بل قال الإمام الجنيد رضي الله عنه: لو كنت حاكمًا لضربت عنق من سمعته يقول لا موجود إلا الله.
ومن شأن هؤلاءِ أعني جهلة المتصوفة أن يقولوا إذا نُقلَ عن أحدِهم كلمة كفر "يؤوَّل" ولو كانت مما لا يقبل التأويل وهؤلاء من أبعدِ خلق الله عن علم الدين، فإن علماءَ الإسلام متفقونَ على أن التأويلَ البعيدَ لا يُقبل إنما التأويلُ يُقبَلُ إذا كان قريبًا قال ذلك الإمامُ الكبير حَبيبُ بنُ رَبيع المالكيُّ وإمام الحرمين الشافعيُّ والشيخ الإمام تقيُّ الدّين السُّبكي، ونُقِلَ معنى هذا عن الإمام محمدِ بن الحسن الشيباني صاحبِ أبي حنيفة.
بيان: هذه الكلمة لا موجود إلا الله أحدَثَها ملاحدةُ المتصوّفةِ الذين يعتقدونَ وَحدَةَ الوجودِ ثم بعضُ العوام من المسلمين صاروا يقولونها من غير فهمٍ لمعناها ويظنونَ أن معناها أن الله هو المسيطرُ على كل شىء فهؤلاءِ لا يكفرون لأنهم يقولونها ولا يفهمون معناها الكفري. وأمثالُ هذا كثيرٌ منها قولُ بعض الملاحدةِ عن الله هو الكُلُّ، وقولهم ما في الوجودِ إلا الله، عَصمَنا الله من ذلك. وهذه الكلمة لا موجود إلا الله وقول ما في الوجود إلا الله وأمثالهما كانت في الفلاسفة اليونانيين. كانوا يرون أن جملة العالم هو الله بما فيه من ذوي الروح والجماد حتى قال بعض الشاذلية اليشرطية لبعض الناس الذين حضروا مجالسهم أنت الله وهذا الجدار الله.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم