في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
معنى الهداية

معنى الهداية

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم قال المؤلف رحمه الله: والهِدَايَةُ علَى وَجْهَينِ:
أحدُهُما: إبَانَةُ الحَقّ والدُّعاءُ إلَيهِ، ونَصْبُ الأَدِلَّةِ عليه، وعلَى هذَا الوَجْهِ يَصِحُّ إضَافَةُ الهِدَايةِ إلى الرُّسُلِ وإلَى كُلّ دَاعٍ لله.
الشرح: الهدايةُ على معنيين وأحدُ المعنَيَينِ إبانةُ الحَقّ والدّعاءُ إليه أي أمرُ النّاسِ بهِ، فالأنبياءُ بهذا المعنَى هداةٌ لأنَّهم دَلُّوا النَّاسَ على الخيرِ وبيَّنوا للنَّاسِ ما يحبّهُ الله، وحذَّروا النَّاسَ ممّا لا يحبُّهُ الله.
فالأنبياءُ وظيفتُهُم التي هي فرضٌ عليهم أن يؤدّوها البيانُ والدّلالةُ والإرشادُ، ثمَّ بعدَ ذلكَ من كانَ الله شاءَ له الاهتداءَ يهتدي بقولِ هؤلاءِ الأنبياءِ بالأخذِ بدعوتِهِم ونصيحَتهم، ومن لم يشإ الله أن يهتديَ لا يهتدي مهما رأوا من المعجزاتِ، هذا أبو جهلٍ رأى انشقاقَ القمرِ وغيرُه من صناديدِ الكُفرِ ولم يهتد منهم إلا الذي شاءَ الله له أن يهتديَ ولذلكَ بعضُ العلماء قال:
ربّ إنَّ الهُدَى هُدَاكَ وءايَا ***** تُكَ نورٌ تهدي بهَا من تَشَاء
معناهُ الآياتُ لا تَهدي بذاتِها إنَّما يهتدي بها من شاءَ الله لهم الهدايةَ، والذين لم يشإ الله لهم الهدايةَ فلا المعجزاتُ تؤثّرُ فيهم ولا العِبَرُ التي حَصَلت لمن قبلهم ممَّن كذَّبوا الأنبياءَ، فالدُّعَاءُ إلى الحَقّ يُقالُ له هدايةٌ، وكذلك نَصبُ الأَدِلَّةِ عليهِ.
قال المؤلّف رحمه الله: كَقَولِه تَعالى في رَسُولِه محمّدٍ صلى الله عليه وسلم: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [سورة الشورى/52].
الشرح: أي يا محمَّدُ أنت تدلُّ على صراطٍ مستقيمٍ، وتبيّنُ للخلقِ طريقَ الهدايةِ طريقَ الهُدَى، ليس معناه أنتَ تَخلُقُ الاهتداءَ في قلوبِ النّاسِ، فالرّسولُ لا يملكُ القلوبَ فهو يقولُ لهم ءامنوا بالله ورسولِهِ ولا تُشركوا بهِ شيئًا، هذا يقالُ له هدايةٌ، والدَّليلُ على أنَّ الهدايةَ هنا ليست بمعنَى خَلقِ الاهتداءِ في قلوبِ العبادِ أنَّ أبا طالبٍ ماتَ كافرًا، أليس الرّسولُ كان يحبُّ لأبي طالب أن يهتديَ ومع ذلك أبو طالبٍ ماتَ كافرًا، مع أنّه كانَ يحبُّ الرّسولَ ويدافعُ عنه ولكنّه ما رَضِيَ أن يَنطِقَ بالشّهادتينِ لمَّا كانَ على فراشِ الموتِ حين دخلَ عليه الرّسولُ فقالَ له: "يا عمّ قُل لا إلهَ إلا الله أشهدْ لكَ بها عندَ الله" فلم يَفعل وقالَ: إنّي على مِلَّةِ عبدِ المُطَّلِبِ، وقد كان قالَ قبلَ ذلكَ: لولا أن تُعيّرني بهَا قريش لأقررتُ بها عينك، ثمَّ لمَّا ماتَ جاءَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ إلى الرَّسولِ فقالَ: يا رسولَ الله إنَّ عمَّكَ الشّيخَ الضَّالَّ قد ماتَ قال: "اذهَب فَوَارِهِ" جَهّزهُ للدَّفنِ، والرسولُ ما خرجَ في جنازتِهِ فلو كانَ يحبُّهُ لشخصِهِ كان خرجَ في جنازتِهِ، وهذا دليلٌ لنا على أنّهُ ما كانَ يحبُّ شخصهُ بل كانَ كارهًا لهُ من حيثُ كفره ولا يجوزُ اعتقادُ أن نبيًّا من الأنبياءِ يحبُّ واحدًا من الكفارِ القريبِ والبعيدِ لقولِ الله تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ [سورة ءال عمران/32] وأنبياءُ الله لا يحبونَ الكافرينَ لأن الله لا يحبهم، إنّما كانَ يحبُّ اهتداءَهُ، ومعنَى قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاء﴾ [سورة القصص/56]، أي يا محمَّدُ أنتَ لا تستطيعُ أن تَخلُقَ الاهتداءَ في قلبِ من أحببتَ اهتداءَهُ، فمن أحببتَ اهتداءَهُ لا تهديهِ إن شاءَ الله أن لا يهتدي، ﴿وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاء﴾ أي من شاءَ الله له الهداية في الأزلِ يهتدي.
الرّسولُ كانَ يحبُّ أن يهتديَ أبو طالبٍ لأنّه قريبُهُ ولأنّه حماهُ ولأنّه كان يناضلُ عنهُ، لكنَّ الله ما شاءَ له الإيمانَ فماتَ ولم يُسلِم، وقد سألَ العباسُ الرسولَ فقالَ: يا رسولَ الله إنَّ عَمَّكَ أبا طالبٍ كان يحبُّكَ ويناضلُ عنكَ فهل نفعته قال: "إنه يكون يوم القيامة في ضَحضَاحٍ من نارٍ، ولولا أنا لكانَ في الدَّركِ الأسفلِ من النَّار" رواه البخاري، ومعناهُ الله جَعَلَ جزاءَهُ من نارِ جهنَّم أنّ النّارَ تأخُذُ منه إلى القدمِ فقط، لا يدخل المكانَ الذي هو بُعدهُ في النّزولِ مسافة سبعينَ عامًا كغيرِهِ من الكفّارِ، الكفّارُ لا بدَّ أن يكون كلُّ واحدٍ منهم يصلُ إلى ذلكَ المكان ويُفهَمُ من قولِهِ صلى الله عليه وسلم: "ولولا أنا لكانَ في الدّركِ الأسفلِ من النّارِ" أنّ الرّسولَ نفعَهُ، ومع هذا فإنه لا يخففُ عنه بل يبقى على هذهِ الحالِ أبدَ الآبدينَ، وهذا دليلٌ على أنَّهُ لم يَمُت مُسلمًا.
قال المؤلّف رحمه الله: وقَولِهِ تَعَالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [سورة فصلت/17].
الشرح: أي بَيَّنَّا لهم الحقَّ وَدَللنَاهُم عليهِ، وثمودُ قبيلةٌ من قبائلِ العربِ قبلَ سيّدنا محمّدٍ وهم قومُ نبيّ الله صالحٍ، ومساكنهم بعدَ المدينةِ بثلاثمائةِ كيلو مترٍ تقريبًا إلى جهةِ الشّامِ، فثمودُ بَيَّنَ الله لهم طريقَ الخيرِ فأرسلَ إليهم صالحًا فبيَّن لهم طريقَ الهُدَى طريقَ الإسلامِ فكذَّبوه، وكفروا بنبيّهم فأهلَكَهم الله، فمعنى قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُم﴾ (17) دللناهم على الحَقّ ﴿فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ (17) أي كَذَّبوا نبيَّهم فأهلَكَهُم الله بطغيانِهِم، أمرَ جبريلَ فصاحَ بهم فهلكوا. ﴿فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ (17) أي اختاروا الضَّلالَ ولم يقبلوا الإيمانَ.
فائدة: قولُهُ تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ﴾ (82) ﴿مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ (83) [سورة هود].
أي على قبيلةِ لوط أمطرَ الله عليهم حجارةً كانت مسوَّمَةً أي مُعلّمةً كلّ واحدةٍ عليها علامةٌ على من تنزلُ عليهِ، وقد جمعَ الله عليهم عذابًا بأن قَلَبَ جبريلُ قُرَاهم وزَادَهم تلكَ الحجارة، أما قولُ الله تعالى ﴿عِندَ رَبِّكَ﴾ [سورة هود/83] ليسَ معناهُ أن الله تعالى بمكانٍ وأن تلك الحجارة قُربَ الله بالمسافَةِ، فليسَ للمشبهةِ في ذلكَ حجة بل هذه الآية حجةٌ عليهم، لأنه لا يُمكِنُ أن يُرادَ بها أن هذه الحجارة بجانبِ الله تعالى على مقتَضَى ما يزعمونَ من أن الله جسمٌ قاعدٌ فوقَ العرشِ، فمن شدةِ جهلهِم يحتجونَ بكلمةِ عند ربّك على إثباتِ الحيزِ والمكانِ لله، فما أبعدَهُم عن فَهمِ لغةِ العربِ.
إن كانت الوهابيةُ تنتَسِبُ إلى بني تميم التي هي إحدى قبائل العربِ المشهورةِ القديمةِ، فأجدادُهُم الذين كانوا في زَمَنِ النبي لا يفهمونَ التحيزَ والجهةَ من هذه الآياتِ المتشابهاتِ التي تَفهمُ منها الوهابيةُ التحيزَ في المكانِ والجهةِ لله إنما علمهم هذا محمد بن عبد الوهاب بما أخذه من كتب ابن تيمية المجسّم، وسبحان الله الذي يخصُّ من يشاءُ بما يشاءُ وجعلَ الفهمَ خير ما يؤتاهُ الإنسانُ.
قال المؤلّف رحمه الله: والثَّاني: مِنْ جِهَةِ هِدَايَةِ الله تعالى لعِبادِه، أيْ خَلْقِ الاهتداءِ في قُلوبِهم كقَوْلِه تعَالى: ﴿فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [سورة الأنعام/125] والإضْلالُ خَلْقُ الضَّلالِ في قُلُوبِ أهْلِ الضَّلالِ. فَالعبادُ مشيئَتُهم تابعةٌ لمشيئةِ الله قال تعالى: ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ﴾ [سورة الإنسان/30].
وهذه الآيةُ من أوضحِ الأدلةِ على ضلالِ جماعَةِ أمين شيخو لأنهم يقولونَ إن شاءَ العبدُ الهدايةَ يهديهِ الله وإن شاءَ العبدُ الضلالَ يضلهُ الله، فماذا يقولونَ في هذه الآيةِ: ﴿فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ﴾ (125) فإنَّهَا صريحةٌ في سبقِ مشيئةِ الله على مشيئةِ العبدِ لأنَّ الله نَسَبَ المشيئةَ إليه وما ردَّهَا إلى العبادِ. فأولئكَ كأنهم قالوا من يُرد العبدُ أن يشرحَ صدرهُ للإسلامِ يشرح الله صدرَهُ، ثم قولُهُ: ﴿وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ﴾ (125) فلا يُمكِنُ أن يرجعَ الضميرُ في يُرد أن يُضلهُ إلى العبدِ لأن هذا يجعلُ القرءانَ ركيكًا ضعيفَ العبارةِ والقرءانُ أعلى البلاغَةِ لا يوجَدُ فوقَه بلاغةٌ، فبانَ بذلكَ جهلُهُم العميقُ وغباوَتُهم الشديدةُ. وعلى مُوجَبِ كلامِهم يكونُ معنَى الآية ﴿فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ﴾ (125) أن العبدَ الذي يريدُ أن يهديَهُ الله يشرحُ الله صدرَهُ للهُدَى وهذا عكسُ اللفظِ الذي أنزلَهُ الله وهكذا كانَ اللَّازمُ على موجَبِ اعتقادِهم أن يقولَ الله والعبدُ الذي يريدُ أن يضلّهُ الله يَجعَل صدرَهُ ضَيّقًا حَرَجًا، وهذا تحريفٌ للقرءانِ لإخراجِهِ عن أساليبِ اللغةِ العربيةِ التي نَزَلَ بها القرءانُ وفَهِمَ الصحابةُ القرءانَ على موجَبِها، والدليلُ على أنهم يفهمونَ القرءانَ على خلافِ ما تفهمهُ هذه الفرقةُ اتفاق المسلمينَ سلفُهُم وخَلَفُهُم على قولِهِم: ما شاءَ الله كانَ وما لم يشأ لم يَكُن.
الشرح: الهدايةُ بمعنى خَلقِ الاهتداءِ خاصّةٌ بالله تعالى، فالذي يُريدُ الله أن يهديَهُ يُحبّبُ الإسلامَ إليهِ، ومن يُرد الله أن يُضِلَّهُ يَجعَلْ صدرَهُ ضيّقًا حرجًا فلا يُحبّب الإسلامَ إليه.
والإضلالُ معناهُ خَلقُ الضَّلالِ في قلوبِ الكافرينَ، فهو سبحانه يَخلُقُ الاهتداءَ في قلوبِ من يشاءُ من عبادِهِ فضلًا منه وكرمًا، ويخلقُ الضّلالةَ في قلوبِ من يشاءُ من عبادِهِ عدلا منه لا ظُلمًا. وهذه الآية فيها دليل على فساد عقيدة المعتزلة حيث قالوا يجب على الله أن يفعل ما هو الأصلح للعباد فعلى قولهم الله ليس حكيمًا حيث إنه لم يجعل كلهم مؤمنين.
قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ﴾ [سورة ءال عمران/176] وهذه الآيةُ من أوضحِ الآياتِ في أن كلامَ هذه الفرقة تحريفٌ لدينِ الله لأنه قال: ﴿لَمْ يُرِدِ اللهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ (41) معناهُ الله ما شاءَ أن يُطَهّرَ قلوبَهُم، وهم يقولونَ هو شَاءَ ولكن هم امتنعوا، فهذا ظاهرٌ في أنَّ الله تعالى ما شاءَ لهم الإيمانَ، ومشيئةُ العبدِ تابعةٌ لمشيئةِ الله قال تعالى: ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ﴾ [سورة الإنسان/30] معناهُ أنتم لا تكونُ منكم مشيئةٌ إلا بمشيئةِ الله، بمعنى أنَّ الله تعالى هو يخلقُ فينا هذه المشيئة. ثم بيَّنَ الله أن ما شاءَ أن يتنفذ من مشيئاتِهم التي خَلَقَهَا فيهم تَنفذُ وما لم يشأ نفوذَها لا تنفذُ كما دلَّ قولُه تعالى في حق أبي طالب: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [سورة القصص/56] معناهُ أن الرسولَ كان يشاءُ أن يهتديَ أبو طالبٍ لكنَّ الله ما شاءَ، فلم تنفذ مشيئة الرسولِ.
ومن الأدلَّةِ الواضحةِ في أنَّ الله هو الذي شاءَ الضَّلالَة لمن ضَلَّ من عبادِهِ قولُه تعالى: ﴿فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ [سورة المائدة/41] فالله يخاطِبُ رسولهُ بأنَّهُ شاءَ أن يضلَّ أولئكَ فَضَلّوا وكَرِهوا الإيمانَ وأنت لا تستطيعُ أن تَخلُقَ فيهم الاهتداءَ لأنَّ الله ما شاءَ أن يطهّرَ قلوبَهم من الكُفرِ، فمن هنا نَعلَمُ أنَّ الأنبياءَ وظيفتُهم التي هي فرضٌ عليهم أن يؤدوها البيانُ والدّلالةُ والإرشادُ والأمرُ والنّهيُ، ليسَ لهم قدرةٌ على خلقِ الهُدَى في قلوبهم، لا أحد يستطيعُ أن يخلُقَ الهُدَى في قلبِ عبدٍ لا مَلَكٌ ولا نبيٌّ. وقوله: ﴿وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ﴾ (41) أي ضلالته ﴿فَلَن تَمْلِكَ﴾ (41) أي يا محمّد ﴿لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا﴾ (41) ، كم من أقارب للرّسولِ ما استطاعَ الرّسولُ أن يهديَ قلوبَهم فيؤمنوا وهذا معنى قولِ الله تعالى: ﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾ [سورة البقرة/272] أي لستَ مكلفًا بأن تَجعَلَهم مؤمنينَ معتقدينَ قلبًا إنما عليكَ البيانُ.
وهذه الآيةُ موافِقَةٌ لقولِهِ تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [سورة البقرة/256] وإن كان المشهورُ عند المفسرينَ أمرينِ أحدُهُما ليسَ لكَ أن تُكرِهَ أهلَ الذّمّةِ ما داموا يدفعونَ الجزيَةَ ويخضعونَ لسلطَةِ الإسلامِ ليس لكَ في هذه الحالِ أن ترفعَ عليهم السلاحَ حتى يسلموا.
والتفسيرُ الثاني: أنَّ هذا قبلَ نزولِ ءايةِ القتالِ أي ليسَ لكَ أن تُكرهَهُم على الإسلامِ الآن، ثم أنزلَ الله تعالى ءايةَ القتالِ: ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾ [سورة التوبة/29] إلى قوله: ﴿حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ (29).

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم