في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
تنبيه

تنبيه

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم ثم هنا فائدةٌ مهمةٌ وهي أنه إذا شخصٌ حصلت منه مسئلة ولم يدر حكمها فتشهدَ للاحتياط للخلاصِ منها إن كان فيها كفر ثم تبين له أن فيها كفرًا فإن كان هذا الكفر ليس من الكفرِ الصريحِ كسبّ الله نفعَهُ هذا التشهد إن كانَ عالمًا بما يُعرَف به الكفر، وأما إن كان هذا الكفر من الكفرِ الصريح فلا بد له من أن يتشهد جزمًا للخلاصِ من الكفر.
وأما تعزيرُ الولي الغائب بالوَجدِ مثلًا فيكون بحبسِهِ عن الناس وعَزلِهِ عنهم ونحو ذلك وذلك من قِبَل الخليفةِ حتى لا ينفتِنَ به بعض الناس؛ ويَصرف عليهم من بيت المال نفقاتهم هذا إن لم يكن له مال ولا من تجب نفقته عليه من والد أو ولد ولا يترك الناس يختلطون بهم لأن هذا من جملةِ المصالح العامة، فقد قال الفقهاء: إذا عرف شخص بالإصابةِ بالعين فالإمامُ أي الخليفة عليه أن يراعيَ المصلحة العامة وذلك بحجزه عن الناس فلا يتركه يختلطُ بهم لئلا يستمر ضررُهُ للناس بالإصابةِ بالعين. وما يحصلُ من الكلام الكفري من هذا الولي حالة غيبة عقلِهِ لا يُكتَبُ عليه لأن الولي معصومٌ من الكفر، لأن من صارَ من أحبابِ الله لا ينقلبُ بعد ذلك عدُوًّا له. الولي لو كان في حالة غيبوبة عقله وصدر منه كلام فاسد يُزجر بالحبس والانتهار والضرب لأنه لو كان تلك الساعة غائب العقل يؤثر فيه الضرب والزجر. الحمار الذي ليس له عقل إذا أساء التصرف إذا صرخنا عليه أو ضربناه يكف ويغيّر هيأته كذلك هذا الولي لا يُترَك.
قال المؤلف رحمه الله: قالَ إمامُ الحرمين الجُوينيُّ: اتفقَ الأصوليونَ على أنّ من نطقَ بكلمةِ الرّدةِ _ أي الكفر _ وزعَمَ أنّه أضمرَ توريةً كُفّرَ ظاهرًا وباطِنًا وأقرّهم على ذلك أي فلا ينفعهُ التأويلُ البعيدُ كالذي يقولُ: (يلعن رسول الله) ويقول قصدي برسولِ الله الصّواعق.
الشرح: هذا القول ذَكَرَهُ إمامُ الحرمين عبدُ الملك الجويني في كتاب الإرشاد ومعناه أن من نَطَقَ باللفظ الصريحِ بالكفر وَزَعَمَ أنه أضمرَ توريةً أي تأويلًا بعيدًا لا يُقبَل منه بل يكون كافرًا ظاهرًا وباطنًا. أما التأويل القريبُ إن أبداه الشخصُ إن كان صادقًا في دعواه ينفعه.
وهذا دليلٌ على أنه لا يؤوَّلُ كل لفظٍ منحرف وإنما يؤوَّلُ ما كان تأويلُهُ قريبًا، وأما ما كان صريحًا في المعنى الفاسد فلا يؤوّلُ، فالحذرَ من هؤلاء الذين يؤوّلونَ الصريحَ لمن يفهم معناه. وقولُ إمام الحرمين المذكور محمولٌ على التوريةِ التي لا يحتملها اللفظ، أما التوريةُ التي يحتمِلُها اللفظُ فإنها تنفَع بالتأويل، فليُعلم ذلك. فمن التوريةِ البعيدةِ التي لا يحتمِلُهَا اللفظُ قولُ بعض جهلةِ المتصوفةِ:
كفرتُ بدين الله والكفر واجبٌ ***** لديّ وعند المسلمينَ حرام
ينسبونَ هذا للحلاجِ ويستحسنونه، وكذا قول بعضهم:
وما الكلب والخنزيرُ إلا إلهنا ***** وما الله إلا راهبٌ في كنيستي
ويقولون في تأويله إذا أُنكِرَ عليهم قولهم إلهنا معناه إلى الأرض أي الكلب والخنزير مرجِعهم إلى التّراب.
وأيضًا قولُ بعضِهم:
ألا بالذكر تزداد الذنوب ***** وتنطمس البصائر والقلوبُ
فقد قالَ بعض من لقيتُهُ من المتعسفين: يؤوَّلُ بأنه أرادَ الذّكرَ مع الغفلة.
وكذا قول بعضهم: وجودُكَ ذنب لا يقاسُ به ذنبُ، إلى أمثالٍ لهذه الكلمات وهي كثيرة. وهؤلاء بعضهم ملاحدةٌ يُظهرون الإسلام ولا يعتقدونه مع دعوى التصوّفِ، وبعضهم من شدةِ الجهل يظنون أن هذا صوابٌ، فهؤلاء ضررهم على بعض المسلمين أشدُّ من ضررِ الكفار المُعلنين الذين لا ينتسبون إلى الإسلام كالمجوسِ والبوذيّين.
قال المؤلف رحمه الله: وقَدْ عَدَّ كثيرٌ من الفُقَهاءِ كالفَقيهِ الحنفيّ بَدْرِ الرَّشيدِ وهو قريبٌ من القرنِ الثامِنِ الهجريّ أشْياءَ كثيرةً فينبغي الاطّلاعُ عليها فإنَّ منْ لم يعرفِ الشرَّ يَقَعْ فيهِ فليُحْذَرْ، فقد ثبتَ عنْ أحدِ الصحابةِ أنَّهُ أخَذَ لسَانَهُ وخاطبَه: يا لِسَانُ قلْ خيرًا تَغْنَمْ، واسْكُتْ عن شرّ تَسْلَم، من قَبْلِ أن تَندمَ، إنّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "أكثرُ خطايا ابنِ ءادَمَ منْ لسانِهِ"، ومِنْ هذه الخطايا الكفرُ والكبائرُ.
الشرح: معنى الحديثِ أن من قالَ من الكلامِ ما هو خيرٌ كذكر الله وأفضلُه التّهليلُ كسب ثوابًا، وأن من أمسكَ لسانَه عما فيه معصيةٌ فقد حَفِظَ نفسه وسَلِمَ لأن من لم يحفظ لسانَه فقد عرَّض نفسه للهلاك لأن أكثر المهالِكِ سَببها اللسانُ، فإن ماتَ وهو على هذه الحال فإنه يندَمُ يومَ لا ينفع النّدم.
قال المؤلف رحمه الله: وفي حديثٍ ءاخرَ للرسولِ صلى الله عليه وسلم "إنّ العبدَ ليتكلّمُ بالكلِمَةِ ما يَتَبيَّنُ فيها يهوي بِهَا في النَّارِ أَبْعَدَ مما بينَ المشْرِق والمَغْرِبِ" رواه البخاريُّ ومسلمٌ من حديثِ أبي هريرة.
الشرح: معنى حديث الشيخَين أن الإنسانَ قد يتكلمُ بكلمةٍ لا يرى أن فيها ذنبًا ولا يراها ضارة له يستوجِبُ بها النزولَ إلى قعرِ جهنمَ كما تدل على ذلك رواية الترمذي من غير فرقٍ بين أن يكون منشرحَ البالِ أو غيرَ منشرحٍ، وقعرُ جهنمَ مسافةُ سبعين عامًا وذلك محلُّ الكفار لا يصلُهُ عصاة المسلمين. وقد عُلِمَ أن المسافة التي توصلُ إلى قعر جهنم هي هذه من الحديث الذي فيه أنه بينما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه إذ سَمِعُوا وجبةً أي صوتًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَدْرونَ ما هذا" قالوا: الله ورسوله أعلم قال: "هذا حجرٌ رُمِيَ به في النارِ منذ سبعينَ خريفًا فهو يهوي في النارِ الآن حتى انتهى إلى قَعْرِها" رواه مسلم.
ثم إن العلماء اختلفوا في بعض الأشياء هل هي كفر أم لا، فقال بعض إنها كفر وقال بعض إنها ليست كفرًا. هؤلاء العلماء بعضهم مجتهد اجتهادًا مطلقًا وبعضهم مجتهدون في المذهب وهاك البيان. قال في فتاوى قاضيخان ما نصه: رجل صلى إلى غير القبلة متعمدًا روي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه يكفر وإن أصاب القبلة، وبه أخذ الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى، وكذا إذا صلى في الثوب النجس أو بغير طهارة، وبعض المشايخ قالوا إن فعل ذلك بتأويل قوله تعالى ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ {115}﴾ [سورة البقرة] لا يكون كافرًا، وقال مشايخ بخارا منهم القاضي الإمام أبو عليّ السُّغدي وشمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى: لو صلى إلى غير القبلة لا يكفر وكذا إذا صلى في الثوب النجس لأن الصلاة إلى غير القبلة جائزة حالة الاختيار وهو التطوع على الدابة ومن العلماء من جوّز الصلاة في الثوب النجس فلا يحكم بكفره، أما إذا صلى بغير الطهارة متعمدًا فإنه يصير كافرًا، وقال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى يكون زنديقًا لأن أحدًا لم يجوّز الصلاة بغير طهارة فيكون استخفافًا بالله تعالى اهـ والقول الصحيح الذي يوافق قواعد مذهب الشافعي ومالك وغيرهما أنه لا يكفر وليس يلزم منه الاستخفاف بالدين.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم