في العقيدة الإسلامية كتاب الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم
معنَى الشَّهادتينِ

معنَى الشَّهادتينِ

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم

الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم قال المؤلف رحمَهُ الله: معنَى الشَّهادتينِ.
الشرح: أي أنَّ هذا بيانُ معنى الشهادتين.
قال المؤلف رحمَهُ الله: فمعنَى شهادةِ أَنْ لا إله إلا الله إجمالا أعترفُ بلساني وأعتقدُ وأذعن بقلبي أَنَّ المعبودَ بحقٍّ هوَ الله تعالى فقط.
الشرح: أن معنى لا إله إلا الله إجمالا أي من غير تفصيلٍ اعترافٌ مع الاعتقادِ والإذعان بأنَّه لا يستحقُّ الألوهيةَ أحدٌ إلا الله أي لا يستحق أحدٌ غاية الخشوع والخضوع إلا هو، والإله في أصلِ اللغةِ المعبودُ بحقّ ثم استعملَهُ المشركونَ لما يعبدونهُ من دونِ الله.
قال المؤلفُ رحمَهُ الله: ومعنَى شهادةِ أنّ محمّدًا رسولُ الله أعترفُ بلساني وأُذعِنُ بقلبي أنَّ سيّدنَا محمَّدًا صلى الله عليه وسلم مرسَلٌ من عندِ الله إلى كافَّةِ العالمينَ من إنسٍ وجِنٍّ.
الشرح: أُذعِنُ بمعنى أعتقدُ لأنَّ الاعترافَ وحدَهُ من دون اعتقادٍ لا يكفي، فالمعرفةُ إذا اقترنَ بها الإذعانُ أي رضا النَّفسِ بالشىء الذي عرفَتهُ هي الإيمانُ الذي هو مقبولٌ عندَ الله. وأما المعرفةُ وحدَها فلا تكفي لأن الله تعالى أخبرَ عن اليهود أنهم كانوا يعرفون محمدًا أنه نبي فقال تعالى: ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ {146}﴾ [سورة البقرة] لكن لم تُذعِن نفوسُهُم فلذلكَ كانوا يكذّبونهُ بألسنتهم مع علمهم بأنه نبي لأن التوراةَ التي أُنزلت على موسى فيها الإخبار بأن محمدًا رسولُ الله لكنَّ التوراةَ والإنجيلَ حُرّفا لفظًا بعد أن حُرّفا معنًى.
وقوله: "مرسلٌ من عند الله إلى كافَّة العالمين من إنسٍ وجنٍّ" فالعالمونَ هنا هم الإنسُ والجنُّ بدليل قوله تعالى: ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا {1}﴾ [سورة الفرقان]، فالمعنى أنَّه مرسلٌ إلى كافةِ الإنسِ من عُربٍ وعجَم وإلى كافَّةِ الجنّ.
قالَ المؤلفُ رحمَهُ الله: صادقٌ في كلِّ ما يبَلِّغُه عن الله تعالى لِيُؤمِنُوا بشَريعَتِه ويتَّبِعُوه.
الشرح: يجب الإيمانُ بأنَّ سيّدنا محمدًا صادقٌ في كلِّ ما جاءَ به سواءٌ كانَ ممَّا أخبرَ به عن الأمور التي ستحدثُ في المستقبلِ كأمورِ الآخرةِ أو أمورِ الأممِ السَّابقة أو تحليلِ شىءٍ أو تحريمِهِ.
قال المؤلفُ رحمَهُ الله: والمرادُ بالشّهادتينِ نفيُ الألوهيةِ عمَّا سوَى الله وإثباتُها لله تعالى. معَ الإقرارِ برسالةِ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
الشرح: هذه العبارةُ فيها نفيُ أن يكون شىءٌ سوى الله يستحقُّ العبادةَ، وفيها إثباتُ أنَّ الله وحدَهُ هو الذي يستحقُّ العبادةَ أي مع الاعتراف والإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم. وينبغي معرفة معنى العبادة على ما هو المراد في الكتاب والسنة، فإن كثيرًا من الناس يجهلون ذلك وهم الوهابية ويظنون أن قول الشخص يا محمد أو يا رسول الله أو يا شيخ عبد القادر الجيلاني أو يا علي أو يا حسن أو يا حسين ونحو ذلك عبادة للرسول ولمن ذُكِرُوا فعلى زعمهم هو كافر بندائه للرسول ولمن ذكر بعده وهذا من أجهل الجهل، فنداء غير الله من رسول أو ولي في حياته أو بعد مماته ليس عبادة لغير الله إنما العبادة كما شرح علماء اللغة غاية التذلل.
هؤلاء المسلمون الذين يقولون يا رسول الله عند الضيق أو الفرح ما تذللوا للرسول غاية التذلل إنما يعظمون الرسول تعظيمًا، ثم قد يقصدون مع ذلك أن يفرج الله عنهم الكرب أو يقضي لهم حاجاتهم إكرامًا للرسول والأولياء بما لهم عند الله من الكرامة. فإذا كان قول يا فلان لملِك من الملوك أو نحوه في وجهه ليساعده في حاجته التي يريدها أو ليدفع عنه ما يزعجه ويؤذيه جائزًا ليس عبادة له فكيف يكون إذا حصل هذا لأهل القبور أو للأحياء الذين هم غير حاضرين عبادة لهم. فاعتقاد الوهابية هذا منشؤه الجهل بمعنى العبادة أليس ثبت عن رسول الله أنه علَّم بعض أمته أن يقول في غير حضرته يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى لي ففعل ذلك الشخص وهو رجل أعمى أراد أن يكشف الله بصره في غير حضرة الرسول ثم عاد إلى الرسول وهو في مكانه وقد أبصر. ثم الصحابي الذي كان عند الرسول تلك الساعة علَّم شخصًا في زمن عثمان ابن عفان كانت له حاجة عند عثمان فما كان يلتفت إليه لشغل باله ففعل الرجل مثل فعل ذلك الأعمى ثم جاء إلى عثمان فقضى له حاجته.
ثم لم يزل المسلمون يذكرون هذا الحديث ويعملون به إلى يومنا هذا وأودعه حفاظ الحديث كتبهم الحافظُ الطبراني والحافظ الترمذي من المتقدمين والحافظ النووي والحافظ ابن الجزري وغيرهم من المتأخرين ذكروه في مؤلفاتهم فالوهابية بقولهم إن هذا شرك وكفر يكونون كفَّروا هؤلاء الحفاظ الذين أودعوا كتبهم هذا الحديث ليُعمل به فنعوذ بالله من فساد الفهم.
قال المؤلفُ رحمَهُ الله: قال الله تعالى: {وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا {13}﴾ [سورة الفتح].
الشرح: هذه الآية فيها دليلٌ على ما مرَّ من أنَّ الإيمان بمحمدٍ لا بدَّ منه لصحة الإيمانِ أي لكون العبد مؤمنًا عند الله بحيثُ إنَّ من شكَّ في ذلك أو أنكرَ فهو كافرٌ لأنَّه عاندَ القرءانَ. وهذه الآية أيضًا تُعطي أنَّ من ءامنَ بالله ورسولِهِ ثم لم يعمل شيئًا من الفرائض ليس بكافرٍ وأنَّه ليس خالدًا في النَّار، وقوله تعالى: ﴿فَإِنَّا أَعْتَدْنَا {13}﴾ أي هيَّأنا ﴿لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا {13}﴾ أي نارَ جهنَّمَ لكفرهم. وذلك لقوله تعالى ﴿وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا {13}﴾ حيث دلت هذه الآية على أن من لم يؤمن بالله ورسوله محمد كافر ولو كان من أهل الكتاب المنتسبين للتوراة والإنجيل لأن القرءان سماهم أهل الكتاب وسماهم كافرين لأنهم لم يؤمنوا بمحمد. والتوراة والإنجيل المنزّلان فيهما الأمر بالإيمان بمحمد غير أن هؤلاء المنتسبين إليهما لم يعملوا بالكتابين ولو عملوا بهما لاتبعوا محمدًا لأن الكتابين حرّفا تحريفًا بالغًا وحذف منهما ذكر الإيمان بمحمد، والآن لم يبق بين البشر إلا المحرَّف، ولأجل انتساب اليهود إلى التوراة والنصارى إلى الإنجيل انتسابًا باللفظ سماهم القرءان أهل الكتاب وكفَّرهم قال الله تعالى ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ {70}﴾ [سورة ءال عمران].
ومن الدليل على كفر أهل الكتاب قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ {6}﴾ [سورة البينة] أي شر الخلق. وبعض الناس الجهال يقولون القرءان يقول من أهل الكتاب معناه ليسوا كلهم كفارًا وهذا جهل باللغة لأنّ "مِنْ" هذه بيانية وليست للتبعيض معناه الكفار إن كانوا من أهل الكتاب وإن كانوا مشركين من غير أهل الكتاب هم شر الخلق.
قال المؤلف رحمَهُ الله: فهذه الآيةُ صريحةٌ في تكفيرِ من لم يؤمن بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم فمن نازعَ في هذا الموضوعِ يكونُ قد عاندَ القرءانَ ومن عاندَ القرءانَ كَفرَ.
الشرح: أنَّ من خالفَ في هذا الموضوع فأنكرَ الإيمان بمحمدٍ فهو كافرٌ. فمن ظن أن الإنسان يكون مؤمنًا من أهل الجنة من غير إيمان بمحمد فهو كافر كما أنه من كان في زمان عيسى أو زمان موسى أو غيرهما من الأنبياء إذا كذب أحدًا منهم واعترف بوجود الله ولم يعبد غيره فهو كافر لأن الله أرسل هؤلاء ليُصَدَّقوا ويُتَّبَعوا فتكذيبهم تكذيب الله.
قال المؤلف رحمَهُ الله: وأجمعَ الفقهاءُ الإسلاميّونَ على تكفيرِ من دانَ بغيرِ الإسلامِ. وعلَى تكفيرِ من لم يكفِّرْهُ أو شَكَّ أو توقَّفَ كأن يقولَ أنا لا أقولُ إنَّه كافرٌ أو غيرُ كافر.
الشرح: أن من اتخذ لنفسه دينًا غير دين الإسلام فهو كافر، ومن تردّد في تكفيره أي في تكفير من لا يَدينُ بالإسلام بل يدينُ بغيرِهِ من يهوديَّةٍ أو مجوسيَّةٍ أو غيرِ ذلك يكفُر، وكذلك الذي يقول لعلَّه كافرٌ ولعلَّه غير كافرٍ ولو كانَ هذا الشخصُ ممَّن يدَّعي الإسلام لفظًا، بل ولو اعتقدَ هذا الشخص وظنَّ أنَّه مسلمٌ، فإنكارُ كفرِهِ والتَّردُّدُ في كفرِهِ كفرٌ.
قال المؤلف رحمَهُ الله: واعلَم باستيقانٍ أنَّهُ لا يصحُّ الإيمانُ والإسلامُ ولا تُقبلُ الأعمالُ الصالحةُ بدونِ الشهادتينِ بلفظِ أشهدُ أن لا إله إلا الله وأشهدُ أنّ محمَّدًا رسولُ الله أو ما في معناهما ولو بغَيرِ اللغةِ العربيةِ. ويكفي لصحةِ الإسلامِ النطقُ مرَّةً في العُمُرِ ويبقى وجوبُها في كلِّ صلاةٍ لصِحَّةِ الصَّلاةِ، هذا فيمن كانَ على غيرِ الإسلامِ ثمَّ أرادَ الدخولَ في الإسلامِ.
الشرح: قوله: "واعلم باستيقان" أي جازمًا بلا شكٍ أنَّه لا يصحُّ الإيمانُ والإسلامُ ولا تُقبلُ الأعمالُ الصالحةُ بدون النّطقِ بالشهادتين بلفظ أشهدُ أن لا إله إلا الله وأشهدُ أنّ محمَّدًا رسول الله، ولا يُشترَطُ خصوصُ هذا اللفظِ بل يكفي ما يُعطي معناهُمَا كقولِ لا ربَّ إلا الله محمدٌ نبيُّ الله، وكذلك لو نَطَقَ بما يُعطي معناهما بغير اللّغةِ العربيةِ، وهذَا النُّطقُ يكفي مرَّةً واحدةً في العمرِ لصحةِ الإسلامِ هذا فيمن كان على غير الإسلامِ ثم أرادَ الدخولَ في الإسلامِ، وبعد تلك المرَّةِ يبقى وُجوبُها في كلّ صلاةٍ لصحةِ الصلاةِ.
ثم إن الأعمالَ الصالحة لا تكونُ مقبولةً عند الله بدون الإيمان، والدليلُ على ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا {124}﴾ [سورة النساء].
قال المؤلف رحمَهُ الله: وأمَّا من نشَأَ على الإسلامِ وكانَ يعتقدُ الشَّهَادتينِ فلا يُشترط في حَقّه النُّطقُ بهما بل هو مسلمٌ لو لَم يَنطِق.
الشرح: من نشأَ على الإسلامِ بين أبوين مسلمين ما دامَ اعتقادُهُ على معنى الشَّهادتين فهو مسلمٌ مؤمنٌ ولو لم ينطِق بهما بلسانِهِ حتى ماتَ، لكنه يكون عاصيًا مرتكبًا للكبيرةِ لأنه لم ينطق بهما بعد البلوغِ.
قال المؤلفُ رحمَهُ الله: وقالَ صلى الله عليه وسلم: "قالَ الله تَعالى: وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشىءٍ أحبَّ إليَّ مما افتَرضتُ عليه" حديث قدسيٌّ رواه البخاريُّ.
وأفضلُ وأوّلُ فرضٍ هوَ الإيمانُ بالله ورسولِه.
الشرح: الحديثُ القدسيُّ هو الحديثُ الذي صَدَّرَه رسول الله بقالَ الله أو يقول الله أو بما في معنى ذلك، أما الحديثُ النبويُّ فما صَدَّره الصحابي بقال الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الحديثِ بيانُ أن أعظمَ ما يُتقرَّبُ به إلى الله هو أداءُ فرائضِ الله وقد قال بعض الأكابر: "من شغلَهُ الفرضُ عن النَّفل فهو معذورٌ ومن شغلَهُ النفلُ عن الفرض فهو مغرورٌ" ذكره الحافظ ابن حجر في شرح البخاري، فالعملُ بالفرض يُقرّبُ إلى الله أكثرَ من العملِ بالنوافلِ، فعليكم بتقديمِ الفرضِ على النَّفلِ عملًا بالقاعدةِ المذكورةِ، وأفضلُ الأعمالِ على الإطلاقِ هو الإيمانُ بالله ورسولِهِ.
قال المؤلفُ رحمَهُ الله: واعتقادُ أن لا إله إلا الله فقط لا يكفي ما لَم يُقرن باعتقادِ أنَّ محمدًا رسولُ الله قالَ تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ {32}﴾ [سورة ءال عمران] أي لا يُحِبُّ الله من تولَّى عن الإيمانِ بالله والرسولِ لكفرهم والمراد بطاعة الله والرسول في هذه الآية الإيمان بهما.
الشرح: معنى ﴿قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ{32}﴾ أي بالإيمان بهما ﴿فإِن تَوَلَّوْاْ {32}﴾ أي أعرضوا عن ذلك ﴿فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ {32}﴾ أي فهم كفَّارٌ لا يحبُّهم الله ولو أحبَّهم لرزقَهُم الإيمانَ بالله ورسوله محمد.
قال المؤلفُ رحمَهُ الله: فهذَا دليلٌ على أنَّ من لم يؤمن بالله ورسولِه محمدٍ صلى الله عليه وسلم فهُوَ كافرٌ وأنَّ الله تَعالى لا يُحِبُّه لكُفرِه فمن قالَ إنَّ الله يحبُّ المؤمنينَ والكافرينَ لأنه خلقَ الجميعَ فقد كذَّبَ القرءانَ فيقالُ لَهُ الله خلَقَ الجميعَ لكن لا يُحِبُّ الكُلَّ.
الشرح: الله خَلَقَ المسلمينَ والكافرين لكنه لا يحبُّ سوى المسلمين.

الشرح القويم
في حل ألفاظ الصراط المستقيم

قائمة الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم