من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الأول
 الدرس التاسع والخمسون - تَفْسِيرُ حَدِيثٍ أَوَّلُهُ [مَلْعُونٌ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ]

الدرس التاسع والخمسون
تَفْسِيرُ حَدِيثٍ أَوَّلُهُ [مَلْعُونٌ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ]

جامع الخيرات

جامع-الخيرات درس ألقاه الفقيه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد الشيبي رحمه الله تعالى و هو في بيان تفسير حديث ملعونٌ من لَعَنَ والِدَيْه.
قال رحمه الله رحمة واسعة :
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ فَرُوِّينَا بِالإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ فِى صَحِيحِ الإِمَامِ مُسْلِمِ بنِ الْحَجَّاجِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ حَدِيثِ عَلِىِّ بنِ أَبِى طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ مَلْعُونٌ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ وَمَلْعُونٌ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَمَلْعُونٌ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ وَمَلْعُونٌ مَنْ ءَاوَى مُحْدِثًا اهـ.
وَمَعْنَى مَلْعُونٌ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ الذَّبْحُ تَقَرُّبًا إِلَى غَيْرِ اللَّهِ كَالَّذِينَ يَذْبَحُونَ تَقَرُّبًا إِلَى مُلُوكِ الْجِنِّ لِيَنْفَعُوهُمْ فِى أُمُورِ دُنْيَاهُمْ، فَمَنْ يَذْبَحُ تَقَرُّبًا إِلَى الْجِنِّ ذَبِيحَةً دَجَاجَةً كَانَتْ أَوْ شَاةً أَوْ أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مَلْعُونٌ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِذَا كَانَ الشَّخْصُ يُرِيدُ أَنْ يَسْكُنَ بَيْتًا جَدِيدًا فَذَبَحَ ذَبِيحَةً لِئَلَّا تُؤْذِيَهُ الْجِنُّ الَّذِينَ هُمْ فِى تِلْكَ الأَرْضِ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا أَمَّا مَنْ ذَبَحَ ذَبِيحَةً لِيَدْفَعَ اللَّهُ عَنْهُ بِبَرَكَةِ الصَّدَقَةِ أَذَى عُمَّارِ هَذِهِ الأَرْضِ أَىْ سُكَّانِهَا مِنَ الْجِنِّ وَوَزَّعَ لَحْمَهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ أَىْ نَوَى أَنْ يَدْفَعَ اللَّهُ عَنْهُ بِبَرَكَةِ هَذِهِ الذَّبِيحَةِ شَرَّ الْجِنِّ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا.
وَأَمَّا الذَّبَائِحُ الَّتِى تُذْبَحُ بِنِيَّةِ إِظْهَارِ الْفَرَحِ بِمَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِى يَوْمِ مَوْلِدِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فَإِنَّهَا قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّ هَذَا الَّذِى يَذْبَحُ لا يَنْوِى بِهَذَا الذَّبْحِ عِبَادَةَ الرَّسُولِ ﷺ وَإِنَّمَا يَنْوِى إِظْهَارَ الْفَرَحِ بِمَوْلِدِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى ءَالِهِ فَهَذَا سُنَّةٌ حَسَنَةٌ.
وَالثَّالِثُ فِى هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ الَّذِى يُغَيِّرُ مَنَارَ الأَرْضِ أَىْ يُغَيِّرُ حُدُودَ الأَرْضِ بِأَنْ يَسْرِقَ مِنْ أَرْضِ جَارِهِ فَيُدْخِلَ ذَلِكَ فِى أَرْضِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا أَوْ يَسْرِقَ مِنَ الْمَمَرِّ الْعَامِّ جُزْءًا فَيُدْخِلَهُ فِى أَرْضِهِ فَهَذَا مَلْعُونٌ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ ﷺ وَمَلْعُونٌ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ اهـ.
أَمَّا الرَّابِعُ وَهُوَ الَّذِى قَالَ فِيهِ الرَّسُولُ ﷺ وَمَلْعُونٌ مَنْ ءَاوَى مُحْدِثًا اهـ فَهُوَ الشَّخْصُ الَّذِى يَحُولُ بَيْنَ مُرْتَكِبِ الْجَرِيمَةِ كَقَاتِلِ النَّفْسِ ظُلْمًا أَوْ ءَاخِذِ الْمَالِ ظُلْمًا وَجَبُروتِيًّا [أَىْ بِالْقُوَّةِ] وَبَيْنَ مَنْ يَقْتَصُّ مِنْهُ الْقِصَاصَ الشَّرْعِىَّ. .
انتهى واللهُ تعالى أعلم.



جامع الخيرات
الجزء الأول

قائمة جامع الخيرات