درسٌ ألقاهُ الـمُحدِّثُ الشيخُ عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ العبدريُّ الهرريُّ رحمهُ اللهُ تعالى سنةَ ثمانٍ وتسعينَ وثلاثمائة وألف وهو في بيانِ بعضِ الكبائرِ.
قال رحمهُ اللهُ تعالى رحمةً واسعةً:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وصلى اللهُ وسلمَ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالهِ وصحبِهِ الطيبينَ الطاهرينَ.
أما بعد، فقد رُوِّينا بالإسنادِ المتّصلِ في صحيحِ الإمامِ ابنِ حبانَ البُستِيّ رحمهُ اللهُ بإسنادِهِ إلى أبي أيوبَ الأنصاريّ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ عبدٍ يعبدُ اللهَ لا يُشرِكُ بهِ شيئًا ويُقيمُ الصلاةَ ويُؤتي الزكاةَ ويصومُ رمضانَ ويجتنِبُ الكبائرَ إلا دخلَ الجنةَ"1 اهـ يعني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّ مَنْ فعلَ ذلكَ دخلَ الجنةَ بلا عذابٍ في القبرِ ولا في الآخرةِ. فعلى هذا المسلمِ ينطَبِقُ قولُ اللهِ تعالى في الآيةِ الكريمةِ في سورةِ ءالِ عمران ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ المَوتِ وإنَّما تُوَفَّونَ أَجُورَكُمْ يومَ القيامةِ فَمَن زُحْزِحَ عنِ النارِ وأُدْخِلَ الجنَّةَ فقدْ فازَ وما الحياةُ الدُّنيا إلا مَتاعُ الغُرورِ﴾. فهذا المسلمُ الذي فعلَ ما ذُكِرَ فهو الذي يُزَحْرَحُ أيْ يُبْعَدُ عنْ نارِ جهنَّم ويُدْخَلُ الجنةَ وهوَ الذي ينطبِقُ عليهِ قولُهُ تعالى في سورةِ الكهفِ ﴿خالِدينَ فيها لا يَبْغُونَ عنها حِوَلاً﴾ فكلٌّ مِنْ أهلِ الجنةِ راضٍ بمُقامِهِ فيها لا يَمَلُّ مِنْ طُولِ مُقامِهِ ولا يستقلُّ ما هوَ فيهِ منَ النِّعَمِ في تلكَ الحياةِ الأبديةِ الدائمةِ.
ثمَّ هذا الحديثُ يَتَحَمَّلُ مِنَ الشرحِ الكثيرَ والتفصيلَ الواسعَ لكننا نقتصِرُ اليومَ على شرحِ قولِهِ صلى الله عليه وسلم "ويجتَنبُ الكبائرَ" اهـ فالكبائرُ هيَ الذنوبُ التي تُشعِرُ بأنَّ فاعِلَها غيرُ مُكتَرِثٍ بالدينِ أيْ قليلُ الـمُبالاةِ، وهيَ مِنْ حيثُ التَّعْدادُ قريبٌ منَ السبعين2. منها أكلُ الربا وهو أنواعٌ وأعظَمُهُ أنْ يُقرِضَ الرجلُ مالاً لغيرِهِ ويشترِطَ جرَّ منفعةٍ لنفسِهِ أو لهُ وللمُقتَرضِ سواءٌ كانَ الشرطُ الزيادةَ في المقدارِ أو أنْ يُسكِنَهُ بيتَهُ مجانًا إلى أن يَرُدَّ لهُ المالَ.
ومنَ الكبائرِ شُربُ الخمرِ ولو كانت خَمْرَ شعيرٍ.
ومنها السحرُ3 سواءٌ كانَ للتحبيبِ بينَ اثنينِ أو للتبغيضِ أو لتَخْبيلِ العقلِ أيْ ليُصابَ بالجُنونِ أو كانَ لتسليطِ الأمراضِ على المسحُورِ سواءٌ كانَ مِنْ عَدُوٍّ إلى عدُوٍّ أمْ مِنْ زوجةٍ إلى زوجِها ليُطيعَها في كلِّ شىءٍ أمْ مِنْ أمِّ الزوجةِ حتى يكونَ زوجُ بنتِها مُطيعًا لها لا يخالفُ لها أمرًا.
ثمَّ السحرُ أنواعٌ منهُ ما لا يتِمُّ إلا بعبادةِ الشيطانِ أيْ بالسجودِ لهُ ومنهُ ما يكونُ فيهِ كلماتٌ غيرُ مفهومةِ المعنى وتكونُ هيَ في الحقيقةِ رُموزًا يُحبُّها الشياطينُ يقضُونَ لمن يستعمِلُها بُغْيَتَهُ وطلبَهُ. وقد يخلِطُونَ في عملِ السحرِ منَ الآياتِ القُرءانيةِ للإيقاعِ بالناسِ في الكفرِ باعتِقادِهم أنَّ القرءانَ يدخُلُ في السحرِ فالذي يظُنُّ أنَّ القُرءانَ يدخُلُ في عمَلِ السحرِ فقدْ خرجَ منَ الإيمانِ وذلكَ مقصودُ الشيطانِ فكثيرًا ما يكونُ الذينَ يستعمِلونَ السحرَ أناسًا ينتسِبُونَ إلى بعضِ الطرقِ ويشتغِلونَ معَ ذلكَ بالشَّعوذةِ والسحرِ، يظنُّهُمُ الناسُ مشايخَ هُداةً يُقرِّبونَ الناسَ إلى اللهِ وهم يُبعِدُونَ الناسَ عنِ اللهِ، خلطَ عليهِمُ الشيطانُ الأمورَ.
ومنَ الكبائرِ أن يقتطعَ حقّ امرئٍ مُسلمٍ بيَمينٍ كاذبةٍ4.
ومن الكبائرِ أن يُضَيِّعَ الإنسانُ نفقةَ زوجتِهِ أو نفقةَ أولادِهِ الصغارِ أو نفقةَ والدَيهِ الفقيرَينِ معَ المقدرةِ5.
ومنها قتلُ البهيمةِ بالجوعِ والعطشِ6.
ومنَ الكبائرِ ضربُ المسلمِ ضربًا مُبَرِّحًا بغيرِ حقٍّ كمَنْ يضرِبُ زوجَتَهُ مِنْ أجلِ أنها تُخالِفُهُ في أمرٍ ليسَ واجبًا شرعًا عليها كالذي يضربُ زوجَتَهُ لأنها لـم تصنَع الطبيخَ جيدًا أو أنها لـم تذهبْ معهُ للنزهةِ لأمكنةٍ خبيثةٍ فيها مُنكَراتٌ بلْ هذا الثاني ذنبُهُ مُضاعفٌ لأنهُ أرادَ إكراهَها على مُحَرَّمٍ حرَّمَهُ اللهُ تعالى، لكنها إنْ طاوَعَتهُ بغيرِ عُذرٍ في فعلِ الـمُحرَّمِ فعَلَيها ذنبٌ أيضًا.
ومنَ الكبائرِ امتِناعُ الزوجةِ إذا دعاها زوجُها للفراشِ بغيرِ عُذرٍ شرعيٍّ فإنها تكونُ مِنْ أهلِ الكبائرِ حتى إنَّهُ وردَ في الحديثِ الصحيحِ أنَّ المرأةَ التي تَبيتُ وزَوجُها غَضبانُ عليها من أجلِ تَـمَنُّعِها منَ الفراشِ بلا عُذرٍ شرعيٍّ فإنَّ الملائكةَ تلعَنُها إلى الصباحِ7. والعجبُ أنَّ كثيرًا منَ النساءِ يُخافِظْنَ على أمرِ الطبيخِ وتنظيفِ البيتِ ولا يُحافِظْنَ على هذا الحقِّ الذي فُرِضَ شرعًا. قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "إذا دعا الرجلُ زوجَتَهُ8 فلْتَأتِهِ ولو كانت على التَّنُّورِ9" اهـ.
ومنَ الكبائرِ تركُ تعلُّمِ العلمِ الشرعيِّ الضروريِّ10 ولو بالـمُشافهةِ مِنْ غيرِ كتابةٍ ولا تقييدٍ لا فرقَ في ذلكَ بينَ الرجلِ والأنثى لأنَّ مَنْ لا يتعلَّمُ يقعُ في الكبائرِ شاءَ أمْ أبَى ولا يَضْمَنُ صحةَ صلاتِهِ ولا صيامِهِ ولا زكاتِهِ ولا زِواجِه فكمْ منَ الناسِ يعيشونَ بالـمُعاشرةِ الـمُحرَّمةِ من شدةِ الجهلِ كالذينَ يُطلِّقُونَ بالثلاثِ ثمَّ يَستَمِرُّونَ بـمُعاشرةِ زوجاتِهِمُ اللواتي طلَّقُوهُنَّ فيَقَعُونَ في الزنى عندَ اللهِ.
انتهى واللهُ تعالى أعلم.
------------------