في العقيدة الإسلامية كتاب عمدة الراغب
 بيان أن أول ما يجب على العبد معرفة الله ورسوله

بيان أن أول ما يجب على العبد معرفة الله ورسوله

كتاب عمدة الراغب في مختصر بغية الطالب

عمدة_الراغبقال المؤلف رحمه الله (فممّا يجبُ علمُهُ واعتقادُهُ مطلقًا والنطقُ به في الحالِ إن كان كافرًا وإلا ففي الصلاةِ الشهادتانِ وهما أشهدُ أنْ لا إِله إِلاَّ اللهُ وأشهدُ أنَّ محمّدًا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.)

الشرح أنّ أول ما يجب على الإنسان معرفةُ الله1 ومعرفةُ رسوله2 والنطقُ بالشهادتين مرةً واحدة للدخول في الإسلام إن لم يكن مسلمًا3 ومن حصل منه ذلك مع الاعتقاد الجازم فهو مسلم مؤمن4 ثم لا يكمل إيمانه وإسلامه إلا بأداء الواجبات واجتنابِ المحرّمات. ثم اختلف العلماء في وجوب النطق بالشهادتين بعد تلك المرة وأكثر العلماء على وجوب النطق بالشهادتين في كل صلاة.
ثمّ إنّ النطق الذي يجب على الكافر يحصل بلفظ أشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وأشهد أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ باللغة العربيّة وبترجمته لغيرها من اللّغات5 فمن كان أعجميًّا يقول (أنّ مهمدًا) بالهاء يُقال له قُلْ (أبا القاسم رسولُ الله)6 وإذا لم يكن يأتي بهاء لفظ الجلالة (الله) فيكفي ترجمته بلغته. ولا يُشترط خصوصُ هذا اللفظ بل يكفي ما يعطي معناه كأن يقول لا ربَّ إلا اللهُ أو لا خالقَ إلا اللهُ7 ويكفي "محمّدٌ نبيّ الله" لكن لفظ أشهدُ أفضلُ من سائر الألفاظ8 لأن معناها اللغويَّ يتضمن العلمَ والاعتقادَ والاعتراف. ومن عجز عن النطق باللسان يكفيه إيمانه بالقلب9.
-------------

1- قال الإمام أبو الحسن الأشعري أول ما يجب على العبد العلم بالله ورسوله ودينه اﻫ
فائدة. ذكر العلماء أنه يجب على كل مكلف معرفة الدليل العقلي الإجمالي على وجود الله تعالى كأن يقول الشخص في نفسه الكتابة لا بد لها من فاعل والبناء لا بد له من فاعل والكتابة والبناء جزء من هذا العالم فهذا العالم بالأولى لا بد له من خالق خَلَقَهُ لا يشبهه بوجه من الوجوه أو يقولَ في نفسه أنا كنت بعد أن لم أكن وما كان بعد أن لم يكن لا بد له من مكوِّن فإذًا أنا لا بد لي من مكوِّن كَوَّنَني موجودٍ لا يشبه شيئًا وهكذا سائر أفراد العالم لا بد لها من مكون كونها لا يشبهها بحال.
أما الدليل العقلي التفصيلي على وجود الله تعالى فقد قال علماء أهل السنة يجب معرفته وجوبًا كفائيًّا وذلك مثل أن يقال العالَم بجميع أجزائه محدَث إذ هو أعيانٌ وأعراضٌ فالأعيان جمع عين وهو ما له قيام بذاته والعرض ما لا يقوم بذاته بل بغيره والأعيان لا تخلو من الأعراض كالحركة والسكون وهذا أمر ظاهر مدرَك بالبديهة والحركة والسكون حادثان لأنه بحدوث أحدهما ينعدم الآخر فما من ساكن إلا والعقل قاضٍ بحواز حركته وما من متحرك إلا والعقل قاضٍ بجواز سكونه فالطارئ منهما حادث بطَرَيانه والسابق حادث لعدمه لأنه لو ثبت قِدَمُهُ لاستحال عدمه فالأعراض حادثة. والأعيان حادثة لأنها ملازمة للأعراض الحادثة وما لا يخلو عن الحادث حادثٌ لأنه لو لم يكن حادثًا لكان قبل كل حادث حوادثُ لا أول لها وهو محال لأن وجود حوادث لا أول لها يستلزم استحالة وجود الحادث الحاضر لأن انقضاء ما لا نهاية له محال ووجودُ الحادث الحاضر ثابت بالحس فبطل القول بوجود حوادث لا أول لها. وقد قال أهل الحق في إبطال القول بحوادث لا أول لها ما كفى وشفى فمثَّلوا ذلك بملتزِمٍ قال لا أعطي فلانًا في اليوم الفلاني درهمًا حتى أعطيه درهمًا قبله ولا أعطيه درهمًا قبله حتى أعطيَه درهمًا قبله وهكذا لا إلى أول فمن المعلوم أن إعطاء الدرهم الموعودِ به في اليوم الفلاني محالٌ لتوقفه على محال وهو فـراغ ما لا نهاية له من إعطائه شيئًا بعد شىء ولا ريب أن ادعاء حوادث لا أول لها مطابق لهذا المثال فتبين أن الأعيان حادثة والأعـراض حـادثة فالعالم حادث له بداية.
ثم الحادث محتاجٌ إلى محدِثٍ فاعلٍ بالإرادة والاختيار ولا يصح أن يكون وجود العالم بالصدفة لأن العقل يحيل وجود شىء ما بدون فاعل لأنه يلزم على ذلك محال وهو تَرَجُّحُ وجود الجائز على عدمه بدون مرجح وذلك لأن وجود الممكن وعدمه متساويان عقلاً فلا يترجح أحدهما على مقابله إلا بمرجح.
وكذلك لا يصح أن يكون العالم خلق نفسه لأن في ذلك جمعًا بين متنافِيَيْنِ لأنك إذا قلت خلق زيدٌ نفسَه فقد جعلته قبل نفسه باعتبار ومتأخرًا عن نفسه باعتبار فباعتبار خالقيته جعلته متقدمًا وباعتبار مخلوقيته جعلته متأخرًا وذلك محال عقلاً.
ولا يصح أن يكون ذلك المحدث طبيعة لا اختيار لها ولا إرادة إذ لا يتأتى منها تخصيص الممكن بالوجود بدل العدم وبوقت دون وقت أو بصفة دون صفة.
ولا بد أن يكون محدِث العالم أزليًّا لأنه لو لم يكن أزليًّا للزم حدوثه فيفتقر إلى محدث فيلزم الدور أو التسلسل وكلٌّ منهما محال فالتسلسل هو توقف وجود شىء على شىء قبله متوقفٍ على شىء قبله إلى غير نهاية وهذا محال كما بيَّنَّا والدورُ توقف وجود الشىء على ما يتوقف وجوده عليه وهذا أيضًا محال لأنه يلزم عليه تقدم الشىء على نفسه باعتبار توقفِ وجودِهِ على سَبْقِ وجودِ غيره المسبوقِ بوجوده هو فيكون سابقًا لنفسه بهذا الاعتبار وتأخرُهُ عنها باعتبار تأخرِ وجودِهِ عن وجودِ غيرِهِ المتأخرِ عن وجوده هو فيكون متأخرًا عن نفسه بهذا الاعتبار فثبت أن لهذا العالم محدِثًا أزليًّا فاعلاً بالإرادة والاختيار وهو الله.
2- قال محمد ميارة المالكي في الدر الثمين والمورد المعين أَخْبَرَ أن أولَ ما يجب على المكلف وهو البالغ العاقل حالةَ كونه ممكنًا من النظر معرفةُ الله تعالى ومعرفةُ رسله عليهم الصلاة والسلام اﻫ والسبيل إلى معرفة النبي المعجزة وهي أمر خارق للعادة يظهر على يد مدعي النبوة موافق لدعواه سالم من المعارضة بالمثل وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء معجزات إذ رُوي عنه الآلاف منها فمن هذه المعجزات ما وقع إلينا بالتواتر ومنها ما لم يصل في الشهرة إلى ذلك الحد. والخبر المنقول بالتواتر يفيد علمًا قطعيًّا وليس من قبيل الأخبار التي تحتمل الصدق والكذب وتعريف الخبر المتواتر أنه ما نقله جمع عن جمع لا يُقبل اتفاقهم على الكذب بحيث يكون مستنده الحس ولا ينـزل الناقلون عن العدد الذي يفيد التواتر في أي طبقة من طبقات الرواة. وبهذه الطريقة نقل إلينا القرءان الكريم ونبوع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم وحنين الجذع فوجب التصديق بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والقطع بها إذ لا يَرُدُّ الخبرَ المتواتر إلا معاند.
3- قال النووي في شرح حديث معاذ وفيه أنه لا يحكم بإسلامـه إلا بالنطق بالشهادتيـن اﻫ
4- قال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر والإسلام هو التسليم والانقياد لأوامر الله تعالى فمن طريق اللغة فرق بين الإيمان والإسلام ولكن لا يكون إيمان بلا إسلام ولا يوجد إسلام بلا إيمان فهما كالظهر مع البطن اﻫ قال ملا علي القاري فإن الإيمان في اللغة هو التصديق كما قال الله تعالى ﴿وما أنت بمؤمن لنا﴾ والإسلام مطلق الانقياد ومنه قوله تعالى ﴿وله أسلم﴾ أي انقاد ﴿من في السموات والأرض طوعًا﴾ أي الملائكة والمسلمون ﴿وكَرْهًا﴾ أي الكفرة حين البأس فالإيمان مختص بالانقياد الباطني والإسلام مختص بالانقياد الظاهري كما يشير إليه قوله تعالى ﴿قالت الأعراب ءامنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم﴾ وكما يدل عليه حديث جبرائيل حيث فرق بين الإيمان والإسلام بأن جعل الإيمان محض التصديق والإسلام هو القيام بالإقرار وعمل الأبرار في مقام التوفيق (ولكن لا يكون) أي لا يوجد في اعتبار الشريعة (إيمان بلا إسلام) أي انقياد باطني بلا انقياد ظاهري اﻫ ثم قال (فهما) أي الإسلام والإيمان كشىء واحد حيث لا ينفكان (كالظهر مع البطن) أي للإنسان فإنه لا يتحقق وجود أحدهما بدون الآخر اﻫ
5- قال الإردبيلي في الأنوار ويصح الإسلام بجميع اللغات اﻫ
6- قال في الأنوار(2\493) وقوله أحمد أو أبو القاسم رسول الله كقوله محمد رسول الله اﻫ
7- قال في الأنوار في الكلام على الردة قال الحليمي في كتابه المنهاج ولا خلاف أن الإيمان يصح بغير كلمة لا إله إلا الله حتى لو قال لا إله غير الله أو لا إله سوى الله أو ما عدا الله أو ما من إله إلا الله أو لا إله إلا الرحمـٰن ... فكقوله لا إله إلا الله اﻫ
8- قال في تحفة المحتاج(9\123)" وقال الزنكلوني في شرح التنبيه وهما لا إله إلا الله محمد رسول الله وظاهره أن لفظة أشهد لا تشترط في الشهادتين اﻫ ثم قال والذي يظهر لي أن ما قاله ابن النقيب -أي من اشتراط لفظ أشهد- محمول على الكمال وما قاله الزنكلوني محمول على أقل ما يحصل به الإسلام" اﻫ
9- قال النووي في شرحه على مسلم كتاب الإيمان باب من مات على التوحيد دخل الجنة ومذهب أهل السنة أن المعرفة مرتبطة بالشهادتين لا تنفع إحداهما ولا تنجي من النار دون الأخرى إلا لمن لم يقدر على الشهادتين لآفة بلسانه اﻫ وقال في الروضة في كتاب الكفارات(8\181)" فرع يصح إسلام الأخرس بالإشارة المفهمة" اﻫ

عمدة الراغب

قائمة عمدة الراغب