في العقيدة الإسلامية كتاب عمدة الراغب
 خالق العالم لا يصح أن يكون لا طبيعة ولا علة

خالق العالم لا يصح أن يكون لا طبيعة ولا علة

كتاب عمدة الراغب في مختصر بغية الطالب

عمدة_الراغب قال المؤلف رحمه الله (لا طبيعةٌ ولا علّةٌ1).

الشرح الطبيعة هي الصفة التي جعل الله عليها الأجرام وعرّفها بعضُهم بأنها العادة فهذه لا يصح أن تكون خالقة لشىء من الأشياء لأنه لا إرادة لها ولا مشيئة ولا اختيار. والسبب هو حادث يُتوصل به إلى حادث ءاخر وقد يتخلف مُسَبَّبُهُ عنه. أما العلة فهي عند أهل الاصطلاح ما يوجد المعلول بوجوده ويعدم بعدمه مثل حركة الإصبع الذي فيه خاتمٌ فحركةُ الإصبع عندهم علةٌ لحركة الخاتم لأن حركةَ الخاتم تتبع حركة الإصبع فتوجد بوجودها وتعدم بعدمها.

قال المؤلف رحمه الله (بل دخولُهُ في الوجودِ بمشيئةِ الله وقدرتِهِ بتقديرهِ وعلمهِ الأزليّ لقولِ الله تعالى ﴿وخَلَقَ كلَّ شىءٍ﴾2أي أحدثَهُ من العدمِ إلى الوجودِ فلا خلْقَ بهذا المعنى لغيرِ الله قال الله تعالى ﴿هل مِنْ خالقٍ غيرُ الله﴾3)

الشرح أن كل ما دخل في الوجود أي وُجدَ بعد أن كان معدومًا من الأعيان أي الأجسام ونحوِها مما يقوم بذاته ومن الأعراض التي تقوم بغيرها كالأعمالِ ما كان منها خيرًا وما كان منها شرًا والنيات والخواطرِ التي لا نملك منعها من أن تَرِدَ هو بخلق الله تعالى فيدخلُ في ذلك أعمالُ العباد الاختياريةُ وغيرُ الاختياريةِ وخالفت في ذلك المعتزلةُ أي في أفعال العبد الاختياريةِ فقالت إن العبد هو خالقها فكفَّرهم العلماء المحقّقون كأبي منصور البغداديّ4 5 والإمام البُلقينيّ6 وهو من أكابر أصحاب الوجوه من الشافعية والإمامِ أبي الحسن شيثِ بن إبراهيمَ المالكيّ7 وغيرِهم وكذَّبت في ذلك المعتزلةُ قولَ الله تعالى ﴿وخلق كل شىء﴾ وقولَه ﴿هل من خالقٍ غيرُ الله﴾ وغيرَهما من الآيات. ومعنى الخلق هنا الإبرازُ من العدم إلى الوجود، ولفظةُ شىء في الآية الأولى شاملةٌ لكل ما دخل في الوجود.
-------------

1- قال الجويني في لمع الأدلة(ص\80)" ويستحيل أن يكون مخصص العالم طبيعة كما صار إليه الطبائعيون ويستحيل أن يكون علة موجبة كما صار إليه الأوائل" اﻫ أي الفلاسفة القدماء. وقال القاضي عياض في الشفا بعد أن ذكر بعض المكفرات(2\283)" فذلك كله كفر بإجماع المسلمين كقول الإلهيين من الفلاسفة والمنجمين والطبائعيين" اﻫ
2- [سورة الفرقان/ الآية٢].
3- [سورة فاطر/ الآية ٣].
4- هو عبد القاهر بن طاهر الاستاذ أبو منصور البغدادي نزيل خراسان وصاحب التصانيف البديعة وأحد أعلام الشافعية. حدث عن إسماعيل بن نجيد وأبي عمرو محمد بن جعفر بن مطر وبشر بن أحمد وطبقتهم. وحدث عنه أبو بكر البيهقي وأبو القاسم القشيري وعبد الغفار ابن محمد الشيرويي وخلق. كان أكبر تلامذة أبي إسحاق الاسفراييني وكان يدرِّس في سبعة عشر فنًّا ويضرب به المثل قال أبو عثمان الصابوني كان الاستاذ أبو منصور من أئمة الاصول مات بإسفرايين في سنة تسع وعشرين وأربع مئة وقد شاخ وله تصانيف في النظر والعقليات. انظر سير أعلام النبلاء وطبقات.
5- في الفرق بين الفرق.
6- في حواشي الروضة مخطوط.
7- في حز الغلاصم في إفحام المخاصم. وهو شيث بن إبراهيم بن محمد بن حيدرة بن الحاج ضياء الدين أبو الحسن. ولد بقفط سنة 511 ﻫ. كان فقيهًا نحويًّا بارعًا وله في الفقه تعاليق ومسائل وله في النحو تصانيف فمنها المختصر والمعتصر من المختصر وحز الغلاصم في إفحام المخاصم وتهذيب ذهن الواعي في إصلاح الرعية والراعي ولطائف السياسة في أحكام الرئاسة وله كلام في الرقائق.
كان حسن العبادة يسير في أفعاله وأقواله سيرة السلف الصالح وكان ملوك مصر يعظمونه ويرفعون ذكره على كثرة طعنه عليهم وعدم مبالاته بهم . وله
هـي الدنيا إذا اكتملت ***** وطـاب نعيـمها قتـلت
فـلا تـفـرح بلذتـها ***** فبالـلذات قـد شغلـت
وكـن منها على حـذر ***** وخَـفْ منها إذا اعتدلت
عَمِيَ في كبره وتوفي سنة ثمان وتسعين وخمسمائة عن ثمان وثمانين سنة.
انظر الأعلام (ص\208\209).

عمدة الراغب

قائمة عمدة الراغب