في العقيدة الإسلامية كتاب عمدة الراغب
 بيان معنى لا حول ولا قوة إلا بالله

بيان معنى لا حول ولا قوة إلا بالله

كتاب عمدة الراغب في مختصر بغية الطالب

عمدة_الراغب قال المؤلف رحمه الله (الذي لا حول ولا قوَّة إِلا به الموصوفُ بكل كمالٍ يليق به المنـزهُ عن كل نقصٍ في حقِّه ﴿ليسَ كَمِثْلِهِ شىءٌ وهو السميعُ البصيرُ﴾).

الشرح معنى لا حول ولا قوّة إلا بالله لا حولَ عن معصية اللهِ إلا بعصمة الله ولا قوّةَ على طاعة الله إلا بعون الله كما ورد ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه البزار1.
والله تعالى موصوفٌ بكل كمالٍ يليق به وإنَّما قُيّدت هذه العبارةُ بلفظِ يليقُ به لأنَّ الكمالَ إِمَّا أنْ يكون كمالاً في حقّ الله وفي حقّ غيره كالعلم أو لا2 كالوصف بالجبّار مدحٌ في حقّ الله وذمٌّ في حقّ الإنسان3 وكالوصف برجاحة العقل هو مدح في حقّ الإنسان ولا يجوز أن يوصف الله بذلك4 فكما أنَّه تعالى متّصفٌ بكل كمالٍ في حقّه فهو منـزهٌ عن كل نقصٍ أي ما لا يليق به تعالى كالجهل والعجز واللون5 والحدّ والتحيز في المكان والجهة6. قال أبو جعفر الطحاوي أحمد بن سلامةَ المتوفى في أول القرن الرابع الهجري7 "لا تحويه الجهاتُ الست كسائر المبتدعات" وذلك في عقيدته التي ذكر أنّها بيانُ عقيدة أهل السنة والجماعة عقيدةِ أبي حنيفة8 وصاحِبَيْهِ أبي يوسفَ القاضي9 ومحمّدِ بنِ الحسنِ الشيباني10 وهم من أئمَّة السَّلف وذلك لأنه سبك عبارته في هذا الكتاب على أسلوب هؤلاء الأئمة الثلاثةِ لا لأن ما يذكره في هذا الكتاب مما انفرد به هؤلاء الأئمة الثلاثة، ومعنى ما قاله لا يجوز على الله أن يكون محدودًا والمحدود عند العلماء ما له حجم كبيرًا كان أو صغيرًا كثيفًا كالإنسان والشجر أو لطيفًا كالنور والظلام فإذًا هو منـزه عن أن يكون جالسًا لأن المتصف بالجلوس لا بُدَّ أن يكون محدودًا والمحدودُ يحتاج إلى من حده بذلك الحدّ ولا يجوز أن يحدَّ نفسه بحدٍّ يكون عليه لأنَّ معنى ذلك أنه خلق نفسه وذلك محال لأن الشىء لا يخلق نفسه11.
أما الآية ﴿ليسَ كمثلِهِ شىءٌ﴾12 فهي أصرح ءاية في القرءان في تنـزيه الله تعالى التنـزيهَ الكليَّ13 وتفسيرها أن الله لا يشبهه شىء بأي وجه من الوجوه*، والكاف في ﴿كمثله﴾ لتأكيد النفي14 ففي الآية نفيُ ما لا يليق بالله عن الله. وأما قوله تعالى ﴿وهو السميع البصير﴾ ففيه إثبات ما يليق بالله، السمعُ صفةٌ لائقة بالله والبصر كذلك وإنما قدّم الله تعالى في هذه الآية التنـزيهَ حتى لا يُتوهم أن سمعه وبصره كسمع وبصر غيره15 فالله تعالى موصوفٌ بأنَّه ليس كمثله شىء من اللطائف كالنور والروح والهواء ومن الكثائف كالشجر والإنسان16. والجسم اللطيف ما لا يضبط باليد والجسم الكثيف ما يضبط باليد أي ما يجسُّ باليد وهو تعالى لا يُشبه العلويات ولا السفليات17.
-------------

1- في مسند البزار(5\374)" عن القاسم بن عبد الرحمـٰن عن أبيه عن عبد الله قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لا حول ولا قوة إلا بالله فقال رسول الله «تدري ما تفسيرها» قلت الله ورسوله أعلم قال «لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله» اﻫ
2- ومن أسماء الله تعالى ما هو خاص به لا يجوز أن يسمى به غيره. قال أبو منصور البغدادي في أصول الدين(ص\128)" أما التسمية بالإله والرحمن والخالق والقدوس والرزّاق والمحيي والمميت ومالك الملك وذي الجلال والإكرام فلا يليق بغير الله عز وجل ويجوز تسمية غيره بما خرج من معاني تلك الأسماء الخاصة" اﻫ
3- في لسان العرب(4\113)" الجبار من الملوك العاتي"اهـ وفيه جبروت أي كبر كما في المصباح(ص\35) وفي اللسان(4\113)"أيضا الجبار الذي يقتل على الغضب والجبار القتال في غير حق" ثم قال(4\114)"وكله راجع إلى معنى التكبر"اهـ. قال البيهقي في الاعتقاد(ص\33)"الجبار هو الذي لا تناله الأيدي ولا يجري في ملكه غير ما أراد وهو من الصفات التي يستحقها بذاته"اهـ ثم قال"وقيل هو الذي جبر مفاتر العباد وهو على هذا المعنى من صفات فعله"اهـ.
4- لأن العقل من صفات المخلوقين.
5- قال المتولي :"أو أثبت ما هو منفي عنه- أي الله- بالإجماع كالألوان أو أثبت له الاتصال والانفصال كان كافرًا" اﻫ ونقله النووي في الروضة وأقره(10\64).
6- قال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأبسط(ص\57)"كان الله تعالى ولا مكان ، كان قبل أن يخلق الخلق، وكان الله تعالى ولم يكن أين ولا خلق ولا شىء وهو خالق كل شىء"اهـ.
7- أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي الطحاوي أبو جعفر صاحب التصانيف الفائقة والأقوال الرائقة والعلوم الغزيرة والمناقب الكثيرة. ولد سنة 239 ﻫ في طحا من صعيد مصر ونشأ فيها وتفقه على مذهب الشافعي ثم تحول حنفيًّا.
سمع هارون بن سعيد الإربيلي وأبا حازم القاضي وغيرهما وتصانيفه تطفح بذكر شيوخه وكثرة من روى عنه وأخذ منه. من تصانيفه شرح معاني الآثار طبع في مجلدين، ورسالة بيان السنة وقد طبعت وكتاب الشفعة والمحاضر والسجلات ومشكل الآثار وكلها طبعت وله يضًا أحكام القرءان والمختصر في الفقه وشرحه كثيرون. قال أبو عمر بن عبد البر كان الطحاوي كوفي المذهب وكان عالماً بجميع مذاهب الفقهاء. توفي رحمه الله سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة.
انظر الطبقات السنية(2\49) في تراجم الحنفية.
8- هو النعمان بن ثابت بن زوطي التيمي الكوفي مولى بني تيم الله بن ثعلبة. يقال إنه من أبناء الفرس إمام الحنفية الفقيه المجتهد المحقق أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. ولد بالكوفة سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة ونشأ فيها وكان يبيع الخز ويطلب العلم في صباه ثم انقطع للتدريس والإفتاء. وأراده عمر بن هبيرة أمير العراقين على القضاء فامتنع ورعًا وأراده المنصور العباسي بعد ذلك على القضاء ببغداد فأبى. كان قوي الحجة من أحسن الناس منطقًا وكان كريمًا في أخلاقه جوادًا حسن المنطق والصورة جهوري الصوت إذا حدث انطلق في القول وكان لكلامه دوي. وعن الإمام الشافعي الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة. وفي أخبار أبي حنيفة أخبرنا عبد الله بن محمد قال ثنا مكرم قال ثنا أحمد بن عطية قال ثنا علي بن معبد قال ثنا عبيد الله بن عمر قال كنا عند الأعمش وهو يسأل أبا حنيفة عن مسائل ويجيبه أبو حنيفة فيقول له الأعمش من أين لك هذا فيقول أنت حدثتنا عن إبراهيم بكذا وحدثتنا عن الشعبي بكذا قال فكان الأعمش عند ذلك يقول يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة اﻫ له مسندٌ في الحديث جمعه تلاميذه والمخارجُ في الفقه رواه عنه تلميذه أبو يوسف وخمسُ رسائل في التوحيد هي الرسالة والوصية والفقه الأكبر والفقه الأبسط والعالم والمتعلم ونص الزبيدي على صحة إسنادها إليه في شرح الإحياء(2\13). توفي رضي الله عنه ببغداد سنة مائة وخمسين للهجرة.
انظر الأعلام(6\390).
9- هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن خنيس بن سعد بن حبتة الأنصاري أول أصحاب أبي حنيفة وأعلاهم ذكرًا. نشأ في طلب العلم وكان أبوه فقيرًا فكان أبو حنيفة يتعاهد يعقوب بمائة بعد مائة. كان فقيهًا عالمًا حافظًا كان يعرف بحفظ الحديث يحضر المحدث فيحفظ خمسين وستين حديثًا ثم يقوم فيمليها على الناس وكان كثير الحديث. سمع هشام بن عروة وأبا إسحاق الشيباني وعطاء بن السائب وطبقتهم. وعنه محمد بن الحسن الفقيه وأحمد بن حنبل وبشر بن الوليد ويحيى بن معين وعلي بن الجعد وعلي بن مسلم الطوسي وعمرو بن أبي عمرو وخلق سواهم توفي في ربيع الآخر من سنة اثنتين وثمانين ومائة عن سبعين سنة إلا سنة.
انظر سير أعلام النبلاء(8\535).
10- محمد بن الحسن بن فرقد من موالي بني شيبان أبو عبد الله. إمام بالفقه والأصول وهو الذي نشر علم أبي حنيفة. أصله من قرية حرستا في غوطة دمشق وولد بواسط سنة 131 ﻫ ونشأ بالكوفة فسمع من أبي حنيفة وغلب عليه مذهبه وعرف به وانتقل إلى بغداد فولاه الرشيد القضاء بالرقة ثم عزله ولما خرج الرشيد إلى خراسان صحبه فمات في الري. ونعته الخطيب البغدادي بإمام أهل الرأي.
له كتب كثيرة في الفقه والأصول منها المبسوط في فروع الفقه والزيادات والجامع الكبير والجامع الصغير والآثار والسير والموطأ والأمالي والمخارج في الحيل. توفي سنة 189ﻫ.
انظر سير أعلام النبلاء(9\134).
11- قال أبو منصور البغدادي في أصول الدين(ص\69)" فإن قيل لم لا يجوز أن يكون الحادث أحدث نفسه قيل لأنه يستحيل من المعدوم إحداث نفسه لاستحالة كون المعدوم فاعلاً وإذا حدث فحدوثه يغنيه عن إحداث نفسه فبطل إحداث نفسه وصح أن محدثه غيره" اﻫ
12- [سورة الشورى/ الآية ١١].
13 وليس معنى وصف هذه الآية بأنها أصرح ءاية في التـنزيه أنها أفضل ءاية بل ورد في ءاية الكرسي أنها سيدة ءاي القرءان اهـ.
* قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر اﻫ
14- قال الحطاب في شرحه على الورقات فالكاف مزيدة للتأكيد اﻫ
15- قال العراقي في الغيث الهامع شرح جمع الجوامع(3\917) في كتاب الاجتهاد "وقوله ﴿ليس كمثله شىء﴾ تتمته في التنـزيل ﴿وهو السميع البصير﴾ فأول هذه الآية تنـزيه وءاخرها إثبات وصدرها رد على المجسمة وعجزها رد على المعطلة والنكتة في نفي التشبيه أولاً أنه لو بدأ بذكر السميع والبصير لأوهم التشبيه فاستفيد من الابتداء بنفي التشبيه أنه لا يشابهه في السمع والبصر غيره" اﻫ
16- قال الرازي في تفسير سورة الأنبياء(11\203)" واعلم أن أجسام هذا العالم إما كثيفة أو لطيفة" اﻫ
17- العلويات ما كان في السموات والسفليات ما كان في الأرض.

عمدة الراغب

قائمة عمدة الراغب