في العقيدة الإسلامية كتاب عمدة الراغب
 قول النسفي

قول النسفي

كتاب عمدة الراغب في مختصر بغية الطالب

عمدة_الراغب قال المؤلف رحمه الله (قال النسفي* فإذا ضربَ إنسانٌ زجاجًا بحجرٍ فكسرهُ فالضربُ والكسرُ والانكسارُ بخلقِ الله تعالى فليسَ للعبدِ إلا الكسبُ وأمّا الخلقُ فليسَ لغيرِ الله1. قال الله تعالى ﴿لها ما كَسَبَتْ وعليها ما اكْتَسبَتْ﴾2).

الشرح الضربُ هو فعل العبد وقد يحصل منه انكسارٌ وقد لا يحصل والكسرُ هو فعل العبد الذي فعله في الزجاج بواسطة الرمي بالحجر وأما الانكسار فما يحصل من الأثر في الزجاج فليس للعبد من عمله الاختياري إلا الكسبُ فهو يوجه قصدَه وإرادتَه نحوَ العملِ فيخلُقه اللهُ في العبد عند ذلك3. قال تعالى ﴿لها ما كسبت﴾ أي من الخير ﴿وعليها ما اكتسبت﴾ أي من الشر. قال الله تعالى ﴿وما رميتَ إذ رميتَ ولكن الله رمى﴾4 فأثبت الله تعالى الخلقَ لنفسه وتمدَّح بذلك لأنه شىء يختـص به وأثبت للعبد الكسب5. وهذا هو المـذهب الحقّ6.
-------------

*هو العلامة المحدث أبو حفص نجم الدين عمر بن أحمد ابن لقمان النسفي الحنفي من أهل سمرقند. ولد نحو سنة إحدى وستين وأربعمائة قال فيه المؤرخ ابن شاكر الكتبي كان فقيها فاضلا مفسرا اديبا محدثا مفنا وقال السمعانى فقيه فاضل عارف بالمذهب والدب.قاربت مؤلفاته المائة منها بعث الرغائب لبحث الغرائب والقند في تاريخ سمرقند والعقيدة النسفية والفتاوى النسفية توفي رحمه الله بسمرقند بثانى عشر جماد الأوله سنة سبع وثلاثين وخمسمائة انظر سير أعلام النبلاء(20\126-127).
1- هذا معنى كلام النسفي ونصُّه وما يوجد من الألم في المضروب عقيب ضرب إنسان والانكسار في الزجاج عقيب كسر إنسان وما أشبهه كل ذلك مخلوق لله تعالى لا صُنْعَ للعبد في تخليقه اﻫ
2- [سورة البقرة/ الآية ٢٨٦].
3- قال البيهقي في الاعتقاد في باب القول في خلق الأفعال ولأنه قال ﴿فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم﴾ ﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾ وقال ﴿أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون﴾ فسلب عنهم فعل القتل والرمي والزرع مع مباشرتهم إياه وأثبت فعلها لنفسه ليدل بذلك على أن المعنى المؤثر في وجودها بعد عدمها هو إيجاده وخلقه وإنما وجدت من عباده مباشرة تلك الأفعال بقدرة حادثة أحدثها خالقنا عز وجل على ما أراد فهي من الله سبحانه خلق على معنى أنه هو الذي اخترعها بقدرته القديمة وهي من عباده كسب على معنى تعلق قدرة حادثة بمباشرتهم التي هي أكسابهم اﻫ قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة والله تعالى خالقها وهي كلها بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره اﻫ
4- [سورة الأنفال/ الآية ١٧].
5- فأهل السنّة في مسئلة القدر عدول بين طرفي شذوذ، فإنا نثبت أن للعبد فعلاً يقوم به بإرادته والله تعالى خالقُه كما يفهم من قوله تعالى ﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾ خلافًا للمعتـزلة والجبرية، فالمعتزلة قالت بأن العبد خالق أفعاله فكذبوا قوله تعالى ﴿الله خالق كل شىء﴾ [سورة النمل/ الآية ٩١] وخالفوا حكم العقل وبيانُ ذلك أن العبد لو كان خالقًا لأفعاله لكان عالمًا بتفاصيلها ضرورة أن إيجاد الشىء بالقدرة والاختيار لا يكون إلا كذلك ولازم ذلك باطل فإن المشي من موضع إلى ءاخر قد يشتمل على سكنات متخللة وعلى حركات بعضها أسرع وبعضها أبطأ ولا شعور للماشي بذلك وليس هذا ذهولاً عن العلم بل لو سئل لم يعلم فإن كان هذا في أظهر أفعاله فما الظن بحال العبد إذا تأملنا في حركات أعضائه في المشي والأخذ والبطش ونحو ذلك فالأمر أظهر. أما الجبرية فقد زعمت أنه لا فعل للعبد أصلاً وأن حركاته بمنـزلة حركات الجمادات لا قدرة عليها ولا قصد ولا اختيار للعبد وهذا باطل لأننا نفرق بالضرورة بين حركة البطش وحركة الارتعاش، ولو لم يكن للعبد فعل أصلاً لما صح تكليفه ولا ترتب استحقاق الثواب والعقاب على أفعاله.
والحق ما قاله سيدنا علي رضي الله عنه لسائله عن القدر لا جبر ولا تفويض. قال أبو منصور البغدادي في أصول الدين في الأصل السادس في بيان عدل الصانع وحكمته واختلفوا في أكساب العباد وأعمال الحيوانات على ثلاثة مذاهب أحدها قول أهل السنّة إن الله عز وجل خالقها كما أنه خالق الأجسام والألوان والطعوم والروائح لا خالق غيره وإنما العباد مكتسبون لأعمالهم. والمذهب الثاني قول الجهمية إن العباد مضطرون إلى الأفعال المنسوبة إليهم وليس لهم فيها اكتساب ولا لهم عليها استطاعة وإن حركاتهم الاختيارية بمنـزلة حركة العروق النوابض في اضطرارهم إليها والمذهب الثالث قول القدرية الذين زعموا أن العباد خالقون لأكسابهم وكل حيوان محدِث لأعماله وليس لله في شىء من أعمال الحيوان صنع اﻫ ثم قال والدليل على جميع القدرية من القرءان قوله عز وجل ﴿والله خلقكم وما تعملون﴾ فأثبت في هذه الآية للعباد أعمالاً خلاف قول الجهمية إن العبد ليس له عمل وأخبر عن نفسه بأنه خالق لأعمالهم فدلّت الآية على بطلان قول الجهمية والقدرية اﻫ
6- قال الامام أبو حنيفة في الفقه الأكبر وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة والله تعالى خالقها وهي كلها بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره اﻫ وقد تقدم.

عمدة الراغب

قائمة عمدة الراغب