قال المؤلف رحمه الله (فصل)
الشرح أن هذا فصل معقود لبيان أحكام النفقة.
قال المؤلف رحمه الله (يجبُ على الموسِرِ نفقةُ أصولِهِ المعسرينَ أي الآباءِ والأمهاتِ الفقراءِ وإنْ قَدَرُوا على الكَسبِ)
الشرح يجب على من استطاع أن ينفق على أصوله أي الأب والجد وإن علا والأمِّ والجدة وإن علت إن كانوا معسرين بالمعروف بلا تقدير بحدٍّ معيَّنٍ. وإن كان لا يملك أملاكًا تكفيهم وجب عليه أن يعمل ويكسِب في تحصيل نفقتهم ولا فرق بين أن يكونوا قادرين على الكسب أو عاجزين.
قال المؤلف رحمه الله (ونفقةُ فروعِهِ أي أولادِهِ وأولادِ أولادِهِ إذا أعسَرُوا وعَجَزُوا عنِ الكسبِ لصغرٍ أو زمانةٍ أي مرضٍ مانعٍ منَ الكسبِ.)
الشرح تجب نفقة الفروع من الذكور والإناث إن أعسروا عمّا يكفيهم وعجزوا عن الكسب1 لصغر أو زمانة وكذلك إن كان عجزهم عن كفاية أنفسهم لجنون أو عمى أو مرض ومن ثَمَّ لو أطاقَ صغيرٌ الكسبَ أو أطاق تعلمه وكان لائقًا به جاز للولي أن يَحْمِلَهُ عليه وينفقَ عليه منه، فإِن امتنع أو هرب لزِمَ الوليَّ الإنفاقُ عليه، وأمّا البالغ غير العاجز عن الكسب لزمانة أو نحوها فلا يجب على الأصل الإنفاق عليه وهذا هو مذهب الشافعي رضي الله عنه لا فرق فيه بين الفرع الذكر والأنثى2. والنفقة التي تجب في حق الأصول والفروع هي الكسوةُ والسُكْنى اللائقةُ بهم والقوتُ والإِدامُ اللائقُ بهم، ولا يجب عليه إطعامهم إلى حد المبالغة في الشِّبع لكن أصل الإِشباع واجب3.
قال المؤلف رحمه الله (ويجبُ على الزوج نفقةُ الزوجةِ)
الشرح يجب على الزوج نفقة زوجته الممكِّنَةِ نفسها له ولو كانت أمةً مملوكةً أو كافرة وكذلك العاجزة عن التمكين لمرض.
وهذه النفقة هي في المذهب مُدّا طعامٍ لكل يوم على موسرٍ حرٍّ ومدٌّ على معسر ومدٌّ ونصفٌ على متوسط، وعليه طَحْنُهُ وعَجْنُهُ وخَبْزُهُ وأُدْمُ غالب البلد ويختلف بالفصول، ويقدِّر الأُدْمَ القاضي باجتهاده عند الاختلاف ويتفاوت بين موسر وغيره. ويجب لها كسوة تكفيها وءالة تنظيف4.
قال المؤلف رحمه الله (ومهرُها وعليهِ لها متعةٌ إن وقع الفراق بينهما بغيرِ سببٍ منها.)
الشرح أنَّه يجب على الزوج أداء مهر زوجته فإن كان حالاًّ فمتى طلبت وإن كان مؤجلاً فعند حلول الأجل لا قبله. ويشترط في المهر أن يكون مما يصح جعله مبيعًا أو ما يصح أن يكون منفعة مقصودة كتعليم القرءان أو سورة منه فيصح جعل المهر تعليم أقصر سورة من القرءان أو تعليم حرفةٍ كخياطة. ويجب للزوجة التي وقع الفراق بينها وبين زوجها بغير سبب منها5 متعة على الزوج6 وليست مقدارًا معيّنًا ولكن يستحب أن تكون للمتوسط ثلاثين درهمًا وأن لا تبلغ نصف مهر المثل، ويجزئ ما يتراضيان عليه ولو أقلَّ مُتَمَوَّلٍ فإن تنازعا قدَّرها القاضي باجتهاده معتبرًا حالهما.
قال المؤلف رحمه الله (وعلى مالِكِ العبيدِ والبهائم نفقتُهُمْ وأَنْ لا يكلِّفَهُمْ منَ العملِ مَا لا يطيقونَهُ ولا يضربَهم بغيرِ حقٍّ.)
الشرح روى البخاريّ في الصحيح أنّه صلى الله عليه وسلم قال «إخوانُكُم خَوَلُكُم7 مَلَّكَكُمُ الله إيّاهم فمن كان أخوه تحت يده فليُطْعِمْهُ مما يأكُلُ وليُلْبِسْهُ مما يلبَسُ ولا يُكَلِّفه من العمل ما يغلِبُهُ فإن كلفتموهم فأعينوهم»8 وروى مالك في الموطإ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «للمملوك طعامُهُ وكسوتُهُ بالمعروف»9 أي بلا إسراف ولا تقتير.
قال المؤلف رحمه الله (ويجبُ علَى الزوجةِ طاعتُهُ في نفسِهَا إِلا في مَا لا يحِلُّ وأنْ لا تصومَ النفلَ ولا تخرج منْ بيتِهِ إِلا بإِذْنِهِ.).
الشرح يجب على الزوجة طاعة الزوج فيما هو حقّ له عليها من الاستمتاع وما يتعلّق به إِلا فيما حرّمه الشرع من أمور الاستمتاع فلا يجب عليها أن تطيعه في الاستمتاع المحرم كأن كانت حائضًا أو نفساء وأراد أن يجامعها بل يحرم عليها، ولا يجب عليها أيضًا طاعته في الجماع إذا كانت لا تطيق الوطىء لمرضٍ. ويجب عليها أن تتزيّن له إن طلب منها ذلك وأن تترك ما يُعَكِّرُ عليه الاستمتاعَ من الروائح الكريهة كرائحة الثوم والبصل والسيجارة إن كان يتأذى بها10. ويجب عليها أن لا تصوم النفل وهو حاضر إلا بإذنه، أمّا الواجب كرمضان فإنها تصومه رضي أو لَم يرضَ لأن الله أحقّ أن يُطاع وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» رواه الترمذيّ11.
ويجب عليها أن لا تأذن لأحد في دخول بيته إلا بإذنه، ولا يجوز لها أن تخرج من بيته من غير ضرورة إلا بإذنه، فأمّا الخروج لضرورة فهو جائز وذلك كأن أرادت أن تستفتي أهل العلم فيما لا تستغني عنه وكان الزوج لا يكفيها ذلك فإنها تخرج بدون رضاه، وهذا شاملٌ لمعرفة ما هو من أصول العقيدة وما هو من الأحكام كأمور الطهارة كمسائل الحيض فإن لها تشعبًا. ومن الضرورة أن تخشى اقتحامَ فَجَرةٍ في المنـزل الذي أسكنها فيه أو انهدامَهُ.
-------------