في الحديث الشريف كتاب ذكر الموت
 بيان أقسام الكفر

بيانُ أقسامِ الكُفرِ

كتاب ذكر الموت

ذكر_الموت واعلَمْ يا أخِي المسلمَ أنَّ هناكَ اعتِقاداتٍ وأفعالًا وأقوالًا تَنقُضُ الشهادَتينِ وتوقِعُ في الكُفرِ، لأنَّ الكفرَ ثلاثةُ أنواعٍ: كفرٌ اعتقاديٌ، وكفرٌ فِعلِيٌّ، وكفرٌ قَوليٌّ، وذلكَ باتِّفاقِ المذاهبِ الأربعةِ كالنوويِّ وابنِ المقريِّ من الشافعيةِ وابنِ عابدينَ منَ الحنفيَّةِ والبُهوتيِّ منَ الحنابلَةِ والشيخِ محمدِ علِّيشٍ منَ المالكيَّةِ وغيرِهِم.

الكفرُ الاعتِقادِيُّ: ومكانُهُ القلبِ، قالَ تَعالى: ﴿إنَّما المؤمِنونَ الذينَ ءامَنوا باللهِ ورَسولِهِ ثم لم يَرتابوا﴾ الحُجُرات/15، أي لم يَشُكُّوا والشكُّ مكانُهُ القَلبُ، ومنَ الكفرِ الاعتِقادِيِّ نَفيُ صِفةٍ مِن صِفاتِ اللهِ تَعالى الواجِبةِ له إجماعًا، أو اعتِقادُ أنَّهُ نورٌ بمَعنَى الضوءِ أو أنَّهُ روحٌ أو جِسمٌ أو له شَكلٌ أو صورَةٌ أو هَيئَةٌ أو اعتِقادُ أنَّهُ يَحويهِ مَكانٌ والعِياذُ باللهِ تَعالى، قالَ تَعالى: ﴿ليسَ كمِثلِهِ شَىءٌ وهو السميعُ البَصيرُ﴾ الشورى/11، وقالَ الشيخُ عبدُ الغَنيُّ النابلسيُّ: "مَنِ اعتقَدَ أنَّ اللهَ مَلَأ السماواتِ والأرضَ أو أنهُ جِسمٌ قاعِدٌ فوقَ العَرشِ فهوَ كافرٌ وإن زَعمَ أنهُ مسلِمٌ"، وقالَ سيدُنا علِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رضِيَ اللهُ عنهُ: "إنَّ اللهَ خلَقَ العرشَ إظهارًا لقُدرتِهِ ولم يتخِذْهُ مَكانًا لذاتِهِ".
فيجِبُ اعتِقادُ أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لا يُشبِهُ شَيئًا منَ المخلوقاتِ ولا بأَيِّ وَجهٍ منَ الوجوهِ، قالَ الإمامُ أحمدُ بنُ حَنبل: "مَهما تصوَّرتَ بِبالِكَ فاللهُ بخِلافِ ذلك".

الكفرُ الفِعلِيُّ: ومَكانُهُ الجوارحُ، قالَ اللهُ تَعالى: ﴿لا تَسجُدوا للشمسِ ولا للقَمَرِ﴾فُصِّلَت/37، ومنَ الكفرِ الفِعليِّ إلقاءُ المصحَفِ في القاذوراتِ، قالَ ابنُ عابدينَ: "ولَو لَم يقصِدْ الاستِخفافَ، لأنَّ فِعلَهُ يدُلُّ على الاستِخفافِ"، أو الدوسُ على المصحَفِ عَمدًا والعياذُ باللهِ تَعالى، وتَعليقُ شِعارِ الكفرِ على نفسِهِ من غيرِ ضَرورَةٍ فإنْ كانَ بنِيَّةِ التبَرُّكِ أو التعظيمِ أو الاستِحلالِ فإنَّهُ يكفُرُ.
كذلك منَ الكفرِ الفِعليِّ السجودُ لصَنمٍ وهو ما اتُّخِذَ من دونِ اللهِ إن كانَ من حَديدٍ أو خَشبٍ أو حجَرٍ أو غيرِ ذلك، فمَن سجَدَ لصنَمٍ اعتِقادًا أو بغيرِ اعتِقادٍ فقد كفَرَ، كذلك الذي يَسجُدُ للشمسِ أو للقَمرِ.
وكذا يكفُرُ مَن يَسجُدُ لأيِّ مَخلوقٍ ءاخَرَ لعِبادَتِهِ؛ أما مَن يَسجُدُ لملِكٍ أو نَحوِهِ على وَجهِ التحِيَّةِ لا على وجهِ العِبادةِ له فلا يَكفُرُ لكنَّهُ حَرامٌ في شرعِ نَبيِّنا محمدٍ على الإطلاقِ، وكانَ جائزًا في شَرائعَ مَن قبلَهُ منَ الأنبياءِ السجودُ للإنسانِ على وَجهِ التعظيمِ(1).
ودَليلُ تَحريمِهِ في شرعِ سيدِنا محمدٍ قولُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمعاذِ بنِ جبلٍ رضِيَ اللهُ عنه حينَ قَدِمَ منَ الشامِ فسجَدَ له قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ما هذا؟" قالَ: يا رسولَ اللهِ رأيتُ أهلَ الشامِ يَسجُدونَ لبَطارِقَتِهِم(2) وأساقِفَتِهم وأنتَ أولَى بذلكَ فقالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: "لا تفعَلْ، لو كُنتُ ءامرًا أحدًا أن يسجُدَ لأحَدٍ لأمَرتُ المرأةَ أن تسجُدَ لزَوجِها" هذا الحديثُ رَواهُ ابنُ حِبانَ وابنُ ماجَه وغيرُهُما.

الكُفرُ القَوليُّ(3): ومَكانُهُ اللسانُ، قالَ اللهُ تَعالى: ﴿ولَئِنْ سألتَهُم ليَقولُنَّ إنَّما كُنّا نَخوضُ ونلعَبُ قُلْ أبِاللهِ وءاياتِهِ ورَسولِهِ كُنتُم تَستَهزِءونَ لا تَعتَذِروا قد كَفرتُم بعدَ إيمانِكُم﴾ التوبة/65، وقالَ تَعالى: ﴿ولَقد قالوا كلِمةَ الكفرِ وكَفروا بعدَ إسلامِهِم﴾ التوبة/74، وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أكثَرُ خَطايا ابنِ ءادَمَ مِن لِسانِهِ" رواهُ الطبرانيُّ بإسنادٍ صَحيحٍ من حديثِ ابنِ مَسعودٍ، وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ستَكونُ فِتنٌ كَقِطعِ الليلِ المظلِمِ يُصبِحُ المرءُ فيها مُؤمِنًا ويُمسِي كافِرًا ويُمسِي مؤمِنًا ويصبِحُ كافِرًا يَبيعُ دينَهُ بِعرَضٍ منَ الدنْيا قَليل" رَواهُ مسلمٌ.

ومنَ الأمثلَةِ على الكفرِ القَوليِّ كمَن يَقولُ (أُخْت ربِّكَ)، أو (ابْن اللهِ)، فهذا يقعُ في الكفرِ ولو لم يعتَقِدْ أنَّ للهِ أختًا أو ابنًا لأنَّهُ شتَمَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ. وكذا يَكفرُ مَن يقولُ لزَوجتِهِ (أنتِ أحَبُّ إليَّ منَ اللهِ) والعياذُ باللهِ تَعالى. ويَكفُرُ مَن يقولُ (يَلعَن ربَّكَ)، وكذا يكفرُ مَن يقولُ (يَلعَن دينَكَ)، أو يقولُ:(فُلانٌ زاحَ ربِّي)، وكذلك يكفرُ مَن يقولُ (خَوَتَ ربِّي)، ويكفُرُ مَن يقولُ (عايَف الله) أي كَرِهتُ اللهَ والعياذُ باللهِ تَعالى. ويكفُرُ مَن يقولُ ( اللهُ يَظلِمُكَ) قالَ تَعالى: ﴿وما ربُّكَ بظَلَّامٍ للعَبيدِ﴾ ويكفُرُ مَن يقولُ (اللهُ يأكُلُك)، ويكفرُ مَن يقولُ (يَلعَن سماءَ رَبِّكَ)، لأنهُ استَخَفَّ باللهِ تَعالى.
ويكفرُ مَن يقولُ عن الجنةِ (خَشخاشَة الصبيانِ)، أو يقولُ عن النارِ: (غدًا نتَدَفَّأُ علَيها) فهذا استِخفافٌ بما عظَّمَ اللهُ.
ويكفرُ مَن يقولُ (أكونَ قوّادًا إن صَلَّيتُ)، ويَكفرُ مَن يقولُ (صُمْ وصَلِّ تَركَبُكَ القِلَّةُ)، أو يقولُ والعياذُ باللهِ تَعالى (ما أصَبتُ خَيرًا منذُ صَلَّيتُ)، وكذا يكفُرُ مَن شًتمَ نبيًّا منَ الأنبياءِ أو مَلَكًا منَ الملائكَةِ.
وكذا يَكفرُ مَن قالَ لكافِرٍ جاءَهُ لِيُسْلِمَ (اذهَبْ فاغتَسِلْ ثم أسْلِمْ) لأنَّهُ رضِيَ لهُ البقاءَ على الكفرِ تلكَ اللحظةَ(4)، لأنَّ الرِّضا بالكفرِ كُفرٌ والغُسلُ ليسَ شَرطًا في صحةِ الإسلامِ.

وقد عَدَّ كثيرٌ منَ الفُقهاءِ كالفَقيهِ الحنَفِيِّ بَدرِ الرشيدِ(5) والقاضِي عِياضِ المالكِيِّ أشياءَ كثيرةً ينبَغِي الاطلاعُ علَيها فإنَّ مَن لم يَعرِفِ الشرَّ يقَع فيه.

ويجِبُ على مَن وقَعَ في الكفرِ العودُ فورًا إلى الإسلامِ بالنطقِ بالشهادَتينِ، والإقلاعُ عمّا وقعَتْ به الردَّةُ، ويجبُ عليه الندمُ على ما صَدرَ منه والعَزمُ على أن لا يعودَ لمثلِهِ، ولا ينفَعُهُ قولُ أستغفِرُ اللهَ قبلَ التشهُّدِ بل ينفَعُهُ بعد التشهدِ.
قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أمِرتُ أن أقاتِلَ الناسَ حتى يَشهدوا أن لا إلهَ إلَّا اللهُ ويؤمِنوا بي وبما جِئتُ به فإذا فَعَلوا ذلك عَصَموا منِّي دِماءَهُم وأموالَهُم إلا بحَقِّها وحِسابُهم على اللهِ" رَواهُ مسلمٌ.
قالَ ابنُ نجيمٍ الحَنفيُّ في كتابِ البحرِ الرائقِ ما نصُّهُ: "إنَّ المرتَدَّ لا ينفَعُهُ الإتيانُ بالشهادَةِ على وجهِ العادَةِ ما لم يرجِعْ عمَّا قالَ.
ونَقلَ ابنُ المنذرِ الإجماعَ(6) في كتابِهِ الإجماعِ ما نصُّهُ: "لا يَصِحُّ الدخولُ في الإسلامِ إلا بالنطقِ بالشهادَتينِ".
وفي نهايةِ المحتاجِ على شرحِ المنهاجِ(7) لشمسِ الدينِ الرملِيِّ ما نصُّهُ: "ولا بُدَّ في صحَّةِ الإسلامِ منَ النطقِ بالشهادَتينِ ولو بالعجَميةِ ولو أحسَنَ العَربيَّةَ".
--------------------

(1) في شرعِ سيدِنا يعقوبَ كان جائزًا سجودُ التحيةِ ولكن هذا الحكمُ نُسِخَ
(2) البطارقةُ هم القُوَّادُ في ذلك الزمَنِ
(3) إنَّ ما سيُذكَرُ في بيانِ القولِ الكُفريِّ من تَعدادِ الكلِماتِ بالعاميةِ وغيرِها من المكفراتِ هو لمسيسِ الحاجةِ، حيث إنه كثُرَ استِعمالُها بين السفهاءِ، فوجبَ علَينا تحذيرُهم بالنصِ عليها.
(4) نقلَ ذلك في كتابِ الاقناعِ في حلِ ألفاظِ أبي شُجاع لمحمدِ الشربينيِ الخطيب ( الجزء الأول / صحيفة 61 ) طبعة دار الفكر
(5) ألَّفَ رسالةً سمّاها رسالةً في ألفاظِ الكفر. ِ
(6) باب المرتد (صحيفة : 111 ) الطبعة الأولى 1993 مؤسسة الكتب الثقافية ِ
(7) ) الجزء السابع / صفحة 419