في الحديث الشريف كتاب ذكر الموت
 باب الثبات على الإيمان

بابُ الثَّباتِ على الإيمانِ

كتاب ذكر الموت

ذكر_الموت يقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ في القرءانِ الكريمِ: ﴿يا أيُّها الذينَ ءامَنوا اتَّقوا اللهَ ولتَنظُرْ نفسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ واتَّقوا اللهَ إنَّ اللهَ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ﴾ الحَشر/ 18، ويقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿واعبُدْ ربَّكَ حتى يأتِيَكَ اليَقينُ﴾ الحِجر/ 99، أي الموتُ، ويقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها الذين ءامَنوا اتَّقوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ ولا تمُوتُنَّ إلَّا وأنتُم مُسلِمونَ﴾آل عِمران/ 102. أما بَعدُ.

يجبُ على كلَّ مسلمٍ حِفظُ إسلامِهِ وصونُهُ عمَّا يُفسِدُهُ ويُبطِلُهُ ويَقطعُهُ وهو الرِّدَةُ والعياذُ باللهِ تَعالى، وقد كثُرَ في هذا الزمانِ التساهُلُ في الكلامِ حتى إنهُ يخرُجُ من بعضِهِم ألفاظًا تُخرِجُهُم عن الإسلامِ ولا يرَونَ ذلك ذَنبًا فَضلًا عن كونِهِ كُفرًا، وذلك مِصداقُ قولِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّ العبدَ ليتَكلَّمُ بالكلِمةِ لا يَرى بها بأسًا(1) يَهوِي بها في النارِ سَبعينَ خَريفًا"(2) رَواهُ الترمِذيُّ، أي أنَّ الإنسانَ قد يتكلَّمُ بالكلمةِ لا يَراها ضارَّةً له يَستوجِبُ بها النزولَ في قَعرِ جَهنَّمَ وهو مسافَةُ سبعينَ عامًا وذلك محَلُّ الكفارِ. وفي مَعناهُ حديثٌ رَواهُ البخاريُّ ومسلمٌ: "إنَّ العبدَ لَيَتكلَّمُ بالكلمةِ ما يتَبيَّنُ فيها يَهوِي بها في النارِ أبعدَ ممّا بينَ المشرِقِ والمغرِبِ"(3).

وهذا الحديثُ دليلٌ على أنهُ لا يُشترطُ في الوقوعِ في الكفرِ مَعرفةُ الحُكمِ ولا انْشِراحُ الصدرِ ولا اعتِقادُ مَعنَى اللفظِ، وكذلك لا يُشترطُ في الوقوعِ في الكفرِ عدمُ الغَضبِ كما أشارَ إلى ذلك النوَويُّ، قالَ: "لو غَضِبَ رجُلٌ على ولدِهِ أو غُلامِهِ فضرَبَهُ ضَربًا شَديدًا فقالَ له رجلٌ: ألَستَ مُسلِمًا؟ فقالَ: لا، متَعمِّدًا كَفرَ(4)"، وقالَهُ غيرُهُ مِن حَنفِيَّةٍ وغيرِهِم.

أما قولُ اللهِ تَعالى: ﴿ولكنْ مَّنْ شَرحَ بالكُفرِ صَدرًا فعَليهِم غَضَبٌ منَ اللهِ﴾ النحل/106، فهذا ورَدَ في الْمُكرَهِ على كلمةِ الكُفرِ فإنهُ لا يكفُرُ إن كانَ نطقُهُ بالكفرِ بدونِ انشِراحِ صَدرٍ لذلكَ الكُفرِ، وإنَّما يكفُرُ هذا المكرَهُ إن انشَرَحَ صدرُهُ حالةَ النطقِ بالكفرِ لِما قالَهُ منَ الكفرِ، كما جاءَ عن رسولِ اللهِ أنهُ قالَ لعَمَّارِ بنِ ياسِرٍ: "هل كُنتَ شارِحًا صدرَكَ حينَ قُلتَ ما قُلتَ أم لا؟ فقالَ: لا (5)".

فالضميرُ في قولِهِ تَعالى: ﴿ولكِنْ مَّن شرَحَ﴾ يعودُ إلى المكرَهِ الذي انشرَحَ صدرُهُ حينَ النطقِ فهذا الذي يَكفُرُ.
--------------------

(1) أي لا يعتبرُها معصيةً
(2) أي سبعينَ عامًا
(3) قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ العسقلاني في تفسيرِهِ الحديثَ المذكور: "وذلك ما كانَ استخفافًا باللهِ أو بشريعتِهِ".
(4) أي ليسَ سبقَ لِسانٍ إنما بإرادتِهِ واختيارِهِ.
(5) رواه الإمامُ ابنُ المنذرِ في كتابِهِ الإشرافِ