قال المؤلف رحمه الله (فصلٌ)
الشرح أن هذا فصل معقود لبيان ما يجب على أولياء الصبيان والصبيات وغير ذلك.
قال المؤلف رحمه الله (يجبُ على وليِّ الصبيِّ والصبيَّةِ المُمَيّزَيْنِ أنْ يأمرَهُمَا بالصلاةِ ويعلّمَهُمَا أحكامَها بعدَ سبعِ سنينَ قمرية)
الشرح أنه يجب على وليّ الصبي والصبية أمرهما بالصلاة بعد سبع سنين قمرية أي بعد تمام سبع سنين1 على الفور إن حصل التَّمْييز وذلك بأن يَفْهَم الخطابَ وَيَرُدَّ الجوابَ2.
وبعضهم فسَّر التمييز بالاستقلال بالأكل والشرب والاستنجاء3. ويكون الأمر بالصلاة بعد تعليم أحكامها وأمورها فإن تعليمهما أمورَها بعد سبع سنين واجب ويكون الأمر بالصلاة بتشديد وليس بطريقة لا تشعرهما بأهمية أداء فرائض الصلوات4. والصبي يؤمر بالقضاء كما يؤمر بالأداء5 وكذلك يؤمر بقضاء الصوم إن كان يطيقه6.
قال المؤلف رحمه الله (ويضربَهُما على تركها بعد عشرِ سنين كصومٍ أطاقاه.)
الشرح يجب على الأب والأم ضربُ الصبيِّ والصبيَّة على تركِ الصّلاة بعْدَ عشر سنين7 والصيامُ الذي يطيقه الصبيُّ والصَّبيّة كذلك يجب على الآباء والأمهات الأمرُ به لسبعٍ وضربُهما عليه بعد إكمال عشر سنين. والعبرةُ بالسنينَ القمريّةِ لا بالسنينَ الشَّمْسِيَّةِ أَمَّا إن كانا لا يطيقان الصيام فلا يجب الأمر بالصيام. وهذا الضرب يُشْتَرَط أن يكون غيْرَ مُبَرِّح8 أي غير مؤدٍّ إلى الهلاك لأنَّ الضَّرْبَ المؤدِّيَ للهلاك حرامٌ على الولي.
قال المؤلف رحمه الله (ويجبُ عليهِ9 أيضًا تَعْليمُهُمَا مِنَ العقائدِ والأحكام يجبُ كذا ويحرمُ كذا ومشروعيةَ السواك والجماعة)
الشرح من الواجب على الأبوين نحوَ أولادِهما تعليمُ الصبيّ والصبية ما يجب عليهما بعد البلوغ أي من أمور الدين الضروريّة التي يشترك في معرفتها الخاصُّ والعامُّ وهو ما كان من أصولِ العقيدة10 من وجود الله ووَحدانيته وقِدَمِهِ وبقائه وقيامه بنفسه ومخالفته للحوادث في الذات والصفات أي أنه لا يشبه شيئًا من المخلوقات لا يشبهُ الضوءَ والظلام والإنسان والنبات والجمادات من الكواكب وغيرها، وأنه ليس جسمًا وأَنَّ لله قدرةً وإرادةً وسمعًا وبصرًا وعلمًا وحياةً وكلامًا و أَنَّ مُحمَّدًا عبدُ الله ورسوله وأَنَّه خاتمُ الأنبياء وأَنَّه عربيٌّ وأنّه وُلِدَ بمكّة وهاجرَ إلى المدينةِ ودفن فيها وأَنَّ الله أرسل أنبياء أولهم ءادمُ وأنَّه أنـزل كُتبًا على الأنبياء وأَنَّ لله ملائكةً وأنّه سيفني الجن والإِنس والملائكة وكلَّ ذي روح ثم يُعادون إلى الحياة وأنَّ الإنس والجن يُجْزَوْنَ بعد ذلك على حسناتهم بالنعيم المقيم وعلى سيئاتهم بالعذاب الأليم وأنَّ الله أعدَّ للمؤمنين دارًا يتنعّمون فيها تُسمّى الجنة وللكافرين دارًا يتعذبون فيها تسمّى جهنم وأنَّ الكافرَ حرامٌ عليه الجنة وأن كل من لا يؤمن بالله وبرسوله محمد كافر وما أشبه ذلك. وكذلك تعليمهم حرمة السرقة والكذب ولو مزحًاَ وحرمة الزنى وهو إدخال الذكر في فرج المرأة غير زوجته وأمته واللواطِ وهو إدخال الذكر في الدبر أي دبر غير زوجته وأمته11 وتعليمهم حرمة الغيبة والنميمة وضربِ المسلم ظلمًا ونحوَ ذلك من الأمور الظاهرة12. وكذلك تعليمهم أن استعمال السواك سنةٌ وأن الشرع أمر بصلاة الجماعة وما أشبه ذلك، قال ابن الجوزي في كتابه الحث على حفظ العلم في باب الإعلام بما ينبغي تقديمه من المحفوظات "أولُ ما ينبغي تقديمه مقدمة في الاعتقاد تشتمل على الدليل على معرفة الله سبحانه ويُذكر فيها ما لا بد منه ثم يُعرَّف الواجباتِ ثم حِفظُ القرءان ثم سماعُ الحديث" اﻫ
قال المؤلف رحمه الله (ويجبُ على ولاةِ الأمرِ قتلُ تاركِ الصلاةِ كسلاً إن لم يتب)
الشرح يجب على إمام المسلمين والسلطانِ الذي ولاه الإمامُ والقاضي أن يقتل تارك الصلاة كسلاً بعد إنذاره13 أنّه إن ترك الظهر مثلاً إلى أن تغيبَ الشمسُ يقتله فإذا لم يصلّها حتى غربت الشمس وجب عليه أن يقتلَه14 ويكون هذا القتلُ كفّارةً أي تطهيرًا له لأنه مسلم حيث إنه لا يُنْكرُ فرضيةَ الصلاة وأَمَّا تاركها جُحُودًا فهو مرتَدٌّ فيطالبه السلطان بالرجوع إلى الإسلام فإن رَجَعَ وإلا قَتَلَهُ لكفره لا لِلْحَدِّ. وقوله إنْ لم يَتُبْ أراد به أنّه إن تاب قبل أن يُقتل تُرك من القتل15.
قال المؤلف رحمه الله (وحكمُهُ أَنَّهُ مسلمٌ)
الشرح أنَّ الذي يترك الصلاة كسلاً إذا قتله الإمام أو نائبه حَدًّا لتطهيره يُجْرَى عليه أحكام المسلمين فيجب تجهيزه بالغَسل والتكفين والصلاة عليه والدفن16. وَلا يجوز قتله لغير الإمام وَمَنْ فَوَّضَ إليه الإمامُ الأَمْرَ. ومعنى قتله حدًا لتطهيره أنّ الله لا يُعذّبُه على هذا الذنب الذي أُقيم عليه الحد فيه وهذا الحكم في كل الحدود لقوله عليه الصلاة والسلام «الحدود كفارات» رواه البيهقي17 وروى البخاري ما يعطي معناه18.
قال المؤلف رحمه الله (ويجبُ على كلِّ مسلمٍ أمرُ أهلِهِ بِالصلاةِ)
الشرح المراد بهذا الوجوبُ الكفائيُّ والمرادُ بالأهل زوجتُهُ وأولاده ومن في معناهم19 فهذا إن كان عالِمًا بنفسه فيجب عليه أن يُعَلِّمَهُمْ ما يجب عليهم عينًا تعلمه من علم الدين أو يُمَكِّنَهم من التعلُّم عند من يُعَلِّمهم فَيَحْرُم عليه عندئذٍ مَنْعُهُم من الخروج للتعلُّم حتى الزوجةُ لا يجوز للزوج أن يمنعَهَا من الخروج للتعلُّم إذا لم يكن هو عالِمًا بذلك أو كان عالِمًا بذلك لكنه أهمل التعليم ولم يأتها بمن يعلمها. وهذا مأخوذٌ من قول الله تعالى ﴿يا أيها الذين ءامنوا قوا أنفسَكُم وأهلِيْكُم ناراً وقودُها الناسُ والحجارة﴾20 قال سيدنا عليٌّ رضي الله عنه في تفسير هذه الآية علِّمُوا أَنْفُسَكم وأهليكم الخيرَ اﻫ أي أمور الدِّين رواه الحاكم21. فمَنْ تعلَّم لنفسه ضرورياتِ علم الدين وعلّم أهله فقد حَفِظَ نفسَه وأهلَه من نار جهنم ومَنْ لم يَفْعَلْ فقد أهلكَ نفسَه وأهلَه.
قال المؤلف رحمه الله (وكلِّ مَنْ قَدَرَ عليه مِن غيرهم.)
الشرح يجب على المسلم والمسلمة الأمرُ بالمعروف من صلاة وصيامٍ ونحو ذلك من الواجبات مع تعليم من يستطاع تعليمه أحكامَها الضروريةَ إن كانوا لا يعلمون ذلك وجوبًا كفائيًّا في حقِّ غيرِ أهله من سائر المسلمين.
-------------