الخُلْعُ بضم الخاء من الخَلْع بفتحها وهو لغةً النـزعُ لأنَّ كلاً من الزوجين لباس الآخر فكأنه بمفارقة الآخر نَزَعَ لباسَه.
وهو ثابت قبل الإجماع بقوله تعالى ﴿فإن طِبْنَ لكم عن شىء منه نَفْسًا فَكُلُوْه هنيئاً مريئًا﴾1 وبقوله صلى الله عليه وسلم في امرأة ثابتِ ابنِ قيس «اقبل الحديقةَ وطلّقها تطليقة» رواه البخاري2 والنسائي3.
واختُلِفَ في الخُلع هل هو طلاق أو فسخ، ومشهورُ مذهب الشافعيّ الجديد أنّه طلاق وفي كتاب أحكام القرءان للشافعي وهو من كتبه الجديدة أنّه فسخٌ وهو مذهبه القديم. وهو مكروه إلا عند الشقاق أو خوفِ تقصيرٍ من أحدهما في حقّ الآخر أو كراهة الزوجة للزوج أو كراهته إيّاها لزناها أو نحوه كترك الصلاة أو للتخلّص من وقوع الثلاث أو الثنتين بالفعل فيما لو حلف بالطلاق ثلاثًا أو اثنتين على فعل ما لا بد منه.
وتعريفه شرعًا أنّه فُرقةٌ بعوضٍ مقصودٍ راجعٍ لجهةِ الزوج
وأركانه خمسة أحدها ملتزِم للعوض إن كان زوجة أو غيرها4 والثاني البُضْع والثالث العوض والرَّابع الصيغة والخامس الزوج.
ثمّ على القول بأنّ الخلع فسخ يصلح لمن يريد الخلاص من وقوع الطلاق المعلّق إن كان ثلاثًا أو أقلَّ كأن قال إن كلّمتِ فلانًا أو دخلتِ دارَ فلانٍ أو خرجتِ بدون إذني فأنتِ طالق ثلاثًاً فإذا كان الزوج لا يريد أن يقع الطلاق المعلّق خالعها بغير قصد الطلاق بل بقصد الفسخ أي حَلِّ النكاح فتصير الزوجة بالخلع بائنًا فلو فعلت بعد ذلك المحلوف عليه5 لم يقع الطلاق به ثم يَعْمَلُ عقدًا جديدًا بطريق وليّها أي الوليّ الخاص أو غيره إن لم يتيسّر العقد من طريق الولي الخاص كأن يجري الحاكم العقد فيكون في حكم الولي الخاص الأصلي وهذا الْمَخْلَص المذكور لا يتأتّى على مشهور مذهب الشافعيّ لكن يصح على القول القديم وعلى قول قاله الشافعي في كتاب أحكام القرءان كما تقدم فلا بأس بالعمل به، فينبغي إرشاد من يُخشى منه أن يعاشر المرأة بالحرام بعد وقوع المعلّق به إلى هذا المخلص لأنّ كثيرين يعدلون إلى المعاشرة بالحرام بعد وقوع الطلاق المعلق الذي هو ثلاث من دون أن يتزوجها زوج غيره. وبعضهم يَعدِلُون إلى طريق لا ينفعهم وهو أنّهم يتّفقون مع شخص يُجْرَى له عليها العقد بعد وقوع الثلاث ثمّ يشترطون عليه أن لا يجامعها ويحتجُّون بأن بعض المجتهدين من التابعين يجيز ذلك، وذلك المجتهد يشترط أن لا يكون الزوج الثاني يقصد بذلك إحلالها للأول6، فهؤلاء الذين يُرشدون النّاس إلى هذا الأمر الفاسد يغشُّون النّاس الذين يقصدونهم للاستفتاء لأنّهم لم يوافقوا ذلك المجتهد بل كان عملهم هذا حرامًا عند جميع المجتهدين فلا وافقوا الجمهور ولا وافقوا هذا المجتهد الذي شذّ. قال بعض أكابر الحنفيّة وهو صَدْرُ الشريعة فيمن أخذ بقول ذلك المجتهد «مَنْ فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» اﻫ وإنما لم يُعتبر قولُ هذا المجتهد لأنّه خالف حديثًا صحيحًا باتّفاق علماء الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم «أتريدين أن ترجعي إلى رِفَاعةَ لا تَحِلِّين له حتى تذوقي عُسَيْلَته ويذوقَ عُسَيْلَتك» أي لا يحلّ لك أن ترجعي للزوج الأول7 إلا بعد أن يجامعَك هذا الثاني، وهذا حديث صحيح ثابت مشهور رواه البخاري8 فالفتوى بخلافه لا عبرة بها لأن المجتهد إذا خالف قوله نصًّا قرءانيًا أو حديثًا يُعَدُّ دليلاً باتفاقٍ لا يُقلَّد في اجتهاده ولو كان قاضيًا قضى بذلك وجب على غيره من القضاة أن يَنْقُضَ حكمَهُ. نسأل الله أن يثبّتنا على سبيلٍ وسُنَّة.
-------------