الطلاق معرفة أحكامه مهمّة جدًّا لأنّ كثيرين من الناس يحصل منهم طلاقُ زوجاتهم ولا يدرون أنّهن طَلَقْن فيعاشرونهنّ بالحرام.
والطلاق قسمان صريح وكناية فالصريح ما لا يحتاج إلى نيّة فيقع الطلاق به سواء نوى أو لم ينوِ وهو خمسة ألفاظ الطلاق والفِراق والسَّراح والخلع ولفظ المفاداة من الخلع1 واللفظُ الخامس قول الشخص نعم في جواب من أراد منه أن يطلِّق زوجته الآن2
والكناية هو ما لا يكون طلاقًا إلا بنيّة كقوله "اعْتَدِّي" ، "اخْرُجِي" ، "سَافِرِي"، "تَسَتَّـرِي"، "لا حَاجَةَ لِـي فِيكِ"، "أَنْتِ وَشَأنُكِ"، "سَلامٌ عَلَيكِ"، لأن هَذِهِ الأَلفَاظَ تَـحْتَمِلُ الطَّلاقَ وَغَيـرَهُ احْتِمَالا قَرِيبًا، فإن أتى بالصريح وقع الطلاق نوى به الطلاق أم لم ينوِ ، وإن أتى بألفاظ الكناية فلا يقع الطلاق إلا أن ينوي باللفظ الطلاق وتكون النيّة مقرونة بأوّل الكناية3.
والطلاق إن كان ثلاثًا بلفظ واحد أو في أوقات متفرّقة حتى لو قال أنتِ طالق ونوى به الثلاث فهو طلاقٌ ثلاثٌ لا تحل له بعده حتى تنكح زوجًا غيره بعد عدّة منه ويدخلَ بها ثم يطلقَها وتنقضيَ العدة منه فمن قال لزوجته أنتِ طالقٌ ثلاثًا طَلَقَت ثلاثًا وإن قال «أنتِ طالق أنتِ طالق أنتِ طالق» ولم ينوِ بتكرار اللفظ تأكيد الطلقة الواحدة فهو طلاقٌ ثلاث، وإن نوى بتكرار اللفظ تأكيدَ الطلقة الواحدة وهي الأولى فلا يُعدُّ طلاقًا ثلاثًا بل يعدُّ طلاقًا واحدًا. وكثير من الناس يجهلون هذا فيرجعون إلى زوجاتهم إذا أوقعوا طلاقًا ثلاثًا بلفظ واحد يظنُّون أنّه طلاق واحد وأنّه يجوز لهم أن يرتجعوهن قبل مضيّ العدة بلا عقد جديد أو بعد مضي العدة بتجديد العقد فهؤلاء يعاشرون أزواجهم بالحرام.
ولا فرق في الطلاق بين أن يكون مُنَجَّزًا وبين أن يكون معلّقًا على شىء فإذا قال أنتِ طالق إن دخلت دار فلان أو إن فعلت كذا فدخَلَتْ أو فَعَلتْ ذلك الشىء وقع الطلاق، فإن كان قال إن دخلتِ دار فلان فأنتِ طالق بالثلاث فدخلت كان ثلاثًا فتحرم عليه فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره. ولا يجوز إلغاء هذا الطلاق4، ولا عبرة برأي أحمد بن تيمية الذي خرق به الإجماع في قوله إنّ الطلاق المعلّق المحلوف به لا يقع مع الحِنْثِ وليس عليه إلا كفّارة اليمين فرأيُ ابنِ تيميةَ هذا خلافُ الإجماع، وقد نقل الإجماعَ على هذا الحكمِ الفقيهُ المحدّث الحافظ الثقة الجليل محمّد بن نصر الْمَرْوَزي5 6 وجماعةٌ غيره7.
ثمَّ الطلاق إمّا جائز سنّيٌّ وإما بدعيٌّ وإما لا ولا. فالطلاق السنيُّ هو ما خلا عن الندم واستعقب الشروعَ في العدّة وكان بعد الدخول وهي ممن عدّتها بالأقراء8 فكان في طهر لم يطأها فيه ولا في حيض قبله. وأما البدعي فهو أن يطلِّق بعد الدخول في حيض أو نفاس أو في طهر وَطِئَها فيه ولم يظهر بها حمل. وهذا الطلاق حرامٌ ومع حرمته فإنه يقع. وإنّما كان طلاق الحائض والنفساء بدعيًّا لأنها تتضرّر بطول مدة الانتظار. وأمّا الطلاق في طهر وطئ فيه فإنه يؤدي إلى الندم عند ظهور الحمل لأن الإنسان قد يطلّق الحائل دون الحامل وعند الندم قد لا يمكنه التدارك فيتضرّر هو والولد. وأما طلاق لا ولا أي الذي لا يسمى سنيًّا ولا بدعيًّا فهو أن يطلّقها قبل الدخول أو غيرَ بالغة أو ءايسةً أو حاملاً منه.
ولا فرق بين طلاق الجِدّ وطلاق الهَزْل لقوله صلى الله عليه وسلم «ثلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النكاحُ والطلاقُ والرجعةُ» رواهُ أبو داود في السنن9
فإذا حصل النكاح بشروطه وكان الولي والزوج مازحين ثبت النكاح، وكذلك الطلاق فإن كان الزوج والزوجة مازحين أو جادَّين أو أحدهما جادًّا والآخر مازحًا كأن طلبت الزوجة الطلاق بجدّ وهو أوقعه بمزح فقد ثبت الطلاق10. وإن كان الطلاق واحدًا أو اثنين تصح الرجعة قبل انتهاء العدة11 بقول أرجعتك إلى نكاحي ونحوه فإن انتهت العدّة قبل أن يرتجعها لا تحلُّ له إلا بعقد جديد بوليّها وشاهدين مسلمين عدلين. والجِدّ خلاف الهَزْلِ وهو بكسر الجيم
-------------