في الفقه الإسلامي كتاب عمدة الراغب في مختصر بغية الطالب - فقه
 فصلٌ في الطَّلاق

فصلٌ في الطَّلاق

كتاب عمدة الراغب في الطهارة والصلاة

al3omdafilFiqh الطلاق معرفة أحكامه مهمّة جدًّا لأنّ كثيرين من الناس يحصل منهم طلاقُ زوجاتهم ولا يدرون أنّهن طَلَقْن فيعاشرونهنّ بالحرام.
والطلاق قسمان صريح وكناية فالصريح ما لا يحتاج إلى نيّة فيقع الطلاق به سواء نوى أو لم ينوِ وهو خمسة ألفاظ الطلاق والفِراق والسَّراح والخلع ولفظ المفاداة من الخلع1 واللفظُ الخامس قول الشخص نعم في جواب من أراد منه أن يطلِّق زوجته الآن2
والكناية هو ما لا يكون طلاقًا إلا بنيّة كقوله "اعْتَدِّي" ، "اخْرُجِي" ، "سَافِرِي"، "تَسَتَّـرِي"، "لا حَاجَةَ لِـي فِيكِ"، "أَنْتِ وَشَأنُكِ"، "سَلامٌ عَلَيكِ"، لأن هَذِهِ الأَلفَاظَ تَـحْتَمِلُ الطَّلاقَ وَغَيـرَهُ احْتِمَالا قَرِيبًا، فإن أتى بالصريح وقع الطلاق نوى به الطلاق أم لم ينوِ ، وإن أتى بألفاظ الكناية فلا يقع الطلاق إلا أن ينوي باللفظ الطلاق وتكون النيّة مقرونة بأوّل الكناية3.
والطلاق إن كان ثلاثًا بلفظ واحد أو في أوقات متفرّقة حتى لو قال أنتِ طالق ونوى به الثلاث فهو طلاقٌ ثلاثٌ لا تحل له بعده حتى تنكح زوجًا غيره بعد عدّة منه ويدخلَ بها ثم يطلقَها وتنقضيَ العدة منه فمن قال لزوجته أنتِ طالقٌ ثلاثًا طَلَقَت ثلاثًا وإن قال «أنتِ طالق أنتِ طالق أنتِ طالق» ولم ينوِ بتكرار اللفظ تأكيد الطلقة الواحدة فهو طلاقٌ ثلاث، وإن نوى بتكرار اللفظ تأكيدَ الطلقة الواحدة وهي الأولى فلا يُعدُّ طلاقًا ثلاثًا بل يعدُّ طلاقًا واحدًا. وكثير من الناس يجهلون هذا فيرجعون إلى زوجاتهم إذا أوقعوا طلاقًا ثلاثًا بلفظ واحد يظنُّون أنّه طلاق واحد وأنّه يجوز لهم أن يرتجعوهن قبل مضيّ العدة بلا عقد جديد أو بعد مضي العدة بتجديد العقد فهؤلاء يعاشرون أزواجهم بالحرام.
ولا فرق في الطلاق بين أن يكون مُنَجَّزًا وبين أن يكون معلّقًا على شىء فإذا قال أنتِ طالق إن دخلت دار فلان أو إن فعلت كذا فدخَلَتْ أو فَعَلتْ ذلك الشىء وقع الطلاق، فإن كان قال إن دخلتِ دار فلان فأنتِ طالق بالثلاث فدخلت كان ثلاثًا فتحرم عليه فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره. ولا يجوز إلغاء هذا الطلاق4، ولا عبرة برأي أحمد بن تيمية الذي خرق به الإجماع في قوله إنّ الطلاق المعلّق المحلوف به لا يقع مع الحِنْثِ وليس عليه إلا كفّارة اليمين فرأيُ ابنِ تيميةَ هذا خلافُ الإجماع، وقد نقل الإجماعَ على هذا الحكمِ الفقيهُ المحدّث الحافظ الثقة الجليل محمّد بن نصر الْمَرْوَزي5 6 وجماعةٌ غيره7.
ثمَّ الطلاق إمّا جائز سنّيٌّ وإما بدعيٌّ وإما لا ولا. فالطلاق السنيُّ هو ما خلا عن الندم واستعقب الشروعَ في العدّة وكان بعد الدخول وهي ممن عدّتها بالأقراء8 فكان في طهر لم يطأها فيه ولا في حيض قبله. وأما البدعي فهو أن يطلِّق بعد الدخول في حيض أو نفاس أو في طهر وَطِئَها فيه ولم يظهر بها حمل. وهذا الطلاق حرامٌ ومع حرمته فإنه يقع. وإنّما كان طلاق الحائض والنفساء بدعيًّا لأنها تتضرّر بطول مدة الانتظار. وأمّا الطلاق في طهر وطئ فيه فإنه يؤدي إلى الندم عند ظهور الحمل لأن الإنسان قد يطلّق الحائل دون الحامل وعند الندم قد لا يمكنه التدارك فيتضرّر هو والولد. وأما طلاق لا ولا أي الذي لا يسمى سنيًّا ولا بدعيًّا فهو أن يطلّقها قبل الدخول أو غيرَ بالغة أو ءايسةً أو حاملاً منه.
ولا فرق بين طلاق الجِدّ وطلاق الهَزْل لقوله صلى الله عليه وسلم «ثلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النكاحُ والطلاقُ والرجعةُ» رواهُ أبو داود في السنن9
فإذا حصل النكاح بشروطه وكان الولي والزوج مازحين ثبت النكاح، وكذلك الطلاق فإن كان الزوج والزوجة مازحين أو جادَّين أو أحدهما جادًّا والآخر مازحًا كأن طلبت الزوجة الطلاق بجدّ وهو أوقعه بمزح فقد ثبت الطلاق10. وإن كان الطلاق واحدًا أو اثنين تصح الرجعة قبل انتهاء العدة11 بقول أرجعتك إلى نكاحي ونحوه فإن انتهت العدّة قبل أن يرتجعها لا تحلُّ له إلا بعقد جديد بوليّها وشاهدين مسلمين عدلين. والجِدّ خلاف الهَزْلِ وهو بكسر الجيم
-------------

1- كأن يقول لها افدي نفسك مني بكذا فتقول فديت نفسي فإن هذا خلع.
2- قال في إعانة الطالبين قوله (فوائد) أي تتعلق بالطلاق قوله (ولو قال) أي أجنبي (لآخر) أي زوج قوله (أطلقت زوجتك) مقول القول قوله (ملتمسًا الإنشاء) حال من فاعلِ قالَ أي قال ذلك حال كونه ملتمسًا من الزوج أي طالبًا منه إنشاء الطلاق وإحداثه لأنه استفهام واستعمال الاستفهام في الطلب تجوُّزٌ لا حقيقة كما هو ظاهر قوله (فقال) أي الزوج مجيبًا له (نعم أو إي) بكسر الهمزة وسكون الياء أي أو جَيْر وقوله (وقع) أي الطلاق وقوله (وكان صريحًا) أي في إيقاع الطلاق وذلك لأن كلمة الجواب قائمة مقام طلقتها وهو صريح فما قام مقامه مثله اﻫ
3- قال في إعانة الطالبين أي وإن عزبت في ءاخرها استصحابًا لحكمها في باقيها وخرج بقوله (أولها) ءاخرُها فلا يكفي اقتران النية به لأن انعطافها على ما مضى بعيد اﻫ وهذا ما رجحه كثيرون واعتمده الإسنوي والشيخ زكريا ورجح في أصل الروضة الاكتفاء بالمقارنة لبعض اللفظ ولو لآخره ورجح في المنهاج اشتراط الاقتران بكل اللفظ.
4- وفي صحيح البخاري باب إذا قال لامرأته وهو مكره هذه أختي فلا شىء عليه قال وقال نافع طلق رجل امرأته ألبتة إن خرجت فقال ابن عمر إن خرجت فقد بتت منه وإن لم تخرج فليس بشىء اﻫ
5- هو شيخ الإسلام أبو عبد الله المروزي الفقيه. ولد سنة اثنتين ومائتين ببغداد ونشأ بنيسابور ورحل رحلة طويلة استقر بعدها بسمرقند وتوفي فيها. سمع يحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه ويزيد بن صالح وصدقة بن الفضل وشيبان بن فروخ وسعيد بن عمرو الأشعثي ومحمد بن عبد الله بن نمير وهشام بن عمار وأممًا سواهم. وبرع في هذا الشأن وذكر الخطيب أنه حدث عن عبدان بن عثمان المروزي وقال كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة فمن بعدهم. روى عنه أبو العباس السراج وأبو حامد بن الشرقي وأبو عبد الله بن الأخرم وأبو النضر محمد بن محمد الفقيه ومحمد بن إسحاق السمرقندي وخلق سواهم. مات في المحرم سنة أربع وتسعين ومائتين بسمرقند وله اثنتان وتسعون سنة وما ترك بعده مثله.
انظر تذكرة الحفاظ والأعلام.
6- في اختلاف العلماء.
7- كابن عبد البر في الاستذكار.
8- أي بالأطهار.
9- سنن أبي داود، باب ما جاء فيمن يحدث نفسه بطلاق امرأته.
10- قال الأنصاري في شرح الروض فصل يقع طلاق الهازل وعتقه وكذا نكاحه وسائر تصرفاته ظاهرًا وباطنًا فلا يُدَيَّن كأن قالت له في معرض الدَلال أو الاستهزاء طلقني فقال طلقتك وذلك لأنه أتى باللفظ عن قصد واختيار وعدم رضاه بوقوعه لظنه أنه لا يقع لا أثر له اﻫ
11- وهي ثلاثة أطهار للحرة التي تحيض وثلاثة أشهر للحرة التي لا تحيض وللحامل حتى تضع حملها.