في العقيدة الإسلامية كتاب إجابة الداعي إلى بيان اعتقاد الإمام الرفاعي
 ترجمة الإمام الرفاعي رضي الله عنه

ترجمة الإمام الرفاعي (1) رضي الله عنه

بيان اعتقاد الإمام الرفاعي

اسمُهُ ونسَبُهُ:
هو الإمامُ العارفُ باللهِ الفَقيهُ الشافعيُّ الأشعريُّ الشيخُ أحمدُ بنُ عليِّ بنِ يَحيى نقيب البَصرةِ المهاجِر من المغربِ ابنِ السيدِ ثابتِ بنِ الحازمِ وهو عليٌّ أبو الفوارسِ ابنُ السيدِ أحمدَ بنِ عليِّ بنِ الحسنِ رفاعَةَ الهاشميِّ المكيِّ ابنِ السيدِ المهديِّ بنِ أبي القاسمِ محمدِ بنِ الحسنِ رئيسِ بغدادَ ابنِ السيدِ الحسينِ الرضِي ابنِ السيدِ أحمدَ الأكبرِ بنِ موسى الثاني بنِ إبراهيمَ المرتَضَى ابنِ الإمامِ موسَى الكاظِمِ ابنِ الإمامِ جعفرٍ الصادقِ ابنِ الإمامِ محمدٍ الباقِرِ ابنِ الإمامِ زينِ العابِدينَ عليٍّ الأصغرِ ابنِ الإمامِ الشهيدِ الحُسينِ ابنِ الإمامِ أميرِ المؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رضيَ اللهُ عنه وعنهُم أجمَعين.
أما نسبُهُ لأمِّهِ فإنَّه يتصِلُ بالصحابيِّ الجليلِ أبي أيوبَ الأنصاريِّ، وأما نسَبُ أمِّهِ لأمِّها فإنهُ يتصِلُ بالسيدِ الإمامِ الحسينِ رضِيَ اللهُ عنه، قالَ الشيخُ الإمامُ عبدُ الكريمِ الرافعيُّ في سوادِ العَينين:
نسب قلادته الفخيمة كلها                        حتى الرسول فرائد وعصائم
وقالَ الشيخُ أحمدُ بنُ جلالٍ اللاريُّ في جلاءِ الصدَى:
نسب توارث كابر عن كابر                        كالرمح أنبوب على أنبوب
وقد تشرَّفَ بذكرِ نسبِهِ الطاهرِ جَمٌّ غَفيرٌ من الأكابرِ ورصَّعوا بذكرِ سيادَتِهِ صفائحَ الدفاتِرِ، وأفرَدَ لنسبِهِ الشريفِ جمعٌ كبيرٌ منَ المشايخِ، وزيَّنَ بعضُهُم كتبَهُ بذِكرِ نسَبِهِ مِنهم: الشيخُ برهانُ الدِّينِ عليٌّ الحلبيُّ القاهريُّ صاحبُ السيرةِ النبويةِ، والحافظُ الزبيديُّ، والشيخُ عبدُ العزيزِ الديرينيُّ، والشريفُ النسّابَةُ نقيبُ النقباءِ شرفُ الدِّينِ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحسينيُّ في مشكاةِ الأنوارِ، والنسابةُ ابنُ الأعرجِ الحسينيُّ في بحرِ الأنسابِ، والنسابةُ ابنُ ميمون نظامُ الدِّينِ الواسطيُّ في مشجرِهِ، والعلامةُ محمدُ الموصليُّ وغيرُهم خلقٌ كثيرٌ.

مولِدُهُ ونَشأتُهُ:
قَدِمَ أبوهُ العراقَ وسكنَ البطائحَ بقريةٍ اسمُها أمُّ عبيدَةَ، فتزوجَ بفاطمةَ أختِ القطبِ الشيخِ منصورٍ البطائحيِّ الزاهدِ ورُزِقَ منها أولادًا أعظمُهم قدرًا وأرفعُهُم ذِكرًا السيدُ أحمدُ الرفاعيُّ الكبيرُ.
ولِدَ رضِيَ اللهُ عنهُ في المحرَّمِ سنَةَ اثنَتَي عشرةَ وخمسمائةٍ ونشَأ في حِجرِ خالِهِ فأدَّبَهُ وهذَّبَهُ، وتلقَّى عن خالِهِ الطريقةَ وعِلمَ التصوُّفِ ولبسَ خِرقته وأخذَ عنه علومَ الشريعةِ، وتفَقَّهَ على الشيخِ أبي الفَضلِ عليٍّ الواسطيِّ المعروفِ بابنِ القارِي، وعن جماعةٍ من أعيانِ الواسِطيينَ منهم خالُهُ الصوفيُّ الشيخُ أبو بكرٍ الواسطيُّ شقيقُ الشيخِ منصورٍ المذكور. وانتَهت إليه الرياسةُ في علومِ الشريعةِ وفنونِ القومِ وانعقدَ عليه اجماعُ الطوائفِ، واعترفَ رجالُ وقتِهِ بعلُوِّ قدمِهِ ورفعةِ مَرتبَتِه.

ثناءُ العلماءِ علَيه:
أثنَى عليه الكثيرُ منَ العلماءِ والفقهاءِ والمحدِّثينَ، وأفرِدَتِ التآليفُ في ذكرِ مَناقبِهِ، وممَّن أثنَى عليه القاضِي أبو شجاعٍ الشافعيُّ صاحبُ المتنِ المشهورِ في الفِقهِ الشافعيِّ، فقد ذكَرَ الإمامُ الرافعيُّ ما نصُّه: "حدَّثَني الشيخُ الإمامُ أبو شجاعٍ الشافعيُّ فيما رواهُ قائِلًا: كانَ السيدُ أحمدُ الرفاعيُّ رضيَ اللهُ عنه عَلَمًا شامِخًا، وجبلًا راسِخًا، وعالِمًا جليلًا، محدِّثًا فَقيهًا، مُفسِّرًا ذا رواياتٍ عالياتٍ، وإجازاتٍ رَفيعاتٍ، قارئًا مُجَوِّدًا، حافِظًا مُجيدًا، حجةً رحلةً، مُتمَكنًا في الدينِ" إلى أن قالَ: "أعلمُ أهلِ عصرِهِ بكتابِ اللهِ وسنَّةِ رسولِهِ، وأعملُهُم بِها، بَحرًا من بحارِ الشرعِ، سَيفًا من سيوفِ اللهِ، وارِثًا أخلاقَ جدِّهِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" اهـ.
وقالَ الشيخُ المؤرخُ أبو الحسنِ المعروفُ بابنِ الأثيرِ: "وكانَ صالحًا ذا قَبولٍ عظيمٍ عند الناسِ، وعندَهُ من التلامذةِ ما لا يُحصَى" اهـ، ووصفَهُ المؤرخُ الفقيهُ صلاحُ الدينِ الصفدِيُّ بالزاهدِ الكبيرِ سلطانِ العارفينَ في زمانِه.
أما الذهبيُّ فقد افتَتحَ ترجمتَهُ بقولِه: "الإمامُ القُدوةُ العابدُ الزاهدُ، شيخُ العارِفينَ" اهـ وترجمَهُ ترجمةً حافلةً في تاريخِهِ، ووصفَهُ الإمامُ الجليلُ شافعيُّ عصرِهِ عبدُ الكريمِ الرافعيُّ بالشيخِ الأكملِ والغوثِ المبَجَّلِ، وقالَ الشيخُ المحدِّثُ الجليلُ عبدُ السميعِ الهاشميُّ الواسِطيُّ: "كان السيدُ أحمدُ ءايةً من ءاياتِ اللهِ" اهـ، وقال فيه شيخُهُ الشيخُ منصورٍ البَطائحِيُّ: "وزَنتُهُ بجميعِ أصحابِي وبي أيضًا فرجَحَنا جَميعًا" اهـ، وقال فيه العلَّامةُ الفقيهُ اللغويُّ صاحبُ القاموسِ المحيطِ:
أبا العَلمَينِ أنتَ الفردُ لكِن                      إذا حُسِبَ الرجالُ فأنتَ حِزب
وقد بشَّرَ به قبلَ ولادَتِهِ أكابرُ الأولياءِ منهم الشيخُ الكبيرُ تاجُ العارفينَ أبو الوَفا، والشيخُ نَصرُ الهمامانيُّ، والشيخُ أحمدُ بنُ خميسٍ، والشيخُ أبو بكرٍ النجاريُّ الأنصاريُّ، والشيخُ منصورٌ البطائحيُّ وغيرُهم خلقٌ كثيرٌ.
وقد وصفَهُ المؤرخُ ابنُ خَلكانَ بقولِه: "كان رجُلًا صالحًا، فَقيهًا شافعيَ المذهَبِ" اهـ، وقال فيه المؤرخُ ابنُ العِمادِ: "الشيخُ الزاهدُ القُدوةُ" اهـ، وذكرَهُ ابنُ قاضِي شَهبةَ في طبقاتِ الشافعيةِ وعدَّهُ من فُقهائِهِم، وأدخَلَهُ كذلك الإمامُ الحجةُ المفسِّرُ الحافظُ المؤرخُ تاجُ الدينِ السبكِيُّ في عدادِ الفُقهاءِ الشافعيةِ فذَكرَهُ في طبقاتِ الشافعيةِ ووصفَهُ بقولِه: "الشيخُ الزاهِدُ الكبيرُ أحدُ أولياءِ اللهِ العارِفينَ والساداتِ المشمِّرينَ أهلِ الكراماتِ الباهِرات". وممن أثنَى عليه أيضًا الشيخُ الوليُّ الكبيرُ الإمامُ الغوثُ عبدُ القادرِ الجِيلانيُّ رضيَ اللهُ عنه. وقال الشيخُ عبدُ الوهابِ الشعرانيُّ: "هو الغوثُ الأكبرُ والقُطبُ الأشهرُ أحدُ أركانِ الطريقِ وأئمةِ العارِفينَ الذين اجتمَعَتِ الأمَّةُ على إمامَتِهِم واعتِقادِهِم" اهـ.

تلاميذُهُ:
تخرَّجَ على يدَيهِ رضيَ اللهُ عنه الآلافٌ منَ التلامذةِ، وسلكَ عليه العديدُ من العلماءِ والفقهاءِ والمحدِّثينَ فانتَفعَ به خلقٌ كثيرٌ ولا نستَطيعُ إحصاءَهُم في هذه الورقاتِ فمَن منَّا يستطيعُ إحصاءَ النجومِ، وقد اتفَقَ المؤرخونَ ورجالُ الطبقاتِ وأصحابُ كتبِ الرقائقِ على ذلك. وممن تخرجَ على يدَيهِ الشيخُ الفقيهُ الشافعيُّ أبو شُجاعٍ صاحبُ المتنِ المشهورِ في الفِقهِ الشافعيِّ، والإمامُ المعمّرُ محمدُ بنُ عبدِ السميعِ الهاشميُّ الواسطيُّ، والشيخُ الحجةُ عمرُ أبو الفرجِ عزُّ الدينِ الفاروثيُّ الواسطيُّ، والفقيهُ بقيةُ الصالحينَ أبو زكريّا يحيى بنُ يوسفَ العسقلانيُّ الحنبليُّ، والإمامُ الكبيرُ أبو الفتحِ الواسِطيُّ، والشيخُ العارفُ أبو المعالي بدرٌ العاقوليُّ، والشيخُ الكبيرُ حسنُ القَطَنانيُّ المعروفُ بالشيخِ حسنِ الراعِي، والإمامُ الجليلُ جمالُ الدينِ الخطيبُ، والشيخُ الوليُّ الكبيرُ إبراهيمُ الأعزبُ الرفاعيُّ، والشيخُ يعقوبُ الكرازُ الواسطيُّ، والإمامُ العارفُ باللهِ حياةُ بنُ قيسٍ الحرانيُّ، والشيخُ العارفُ باللهِ إبراهيمُ بنُ محمدٍ بنِ إبراهيمَ الكازرونيُّ صاحبُ شِفاءِ الأسقامِ، والشيخُ الحجةُ عمادُ الدينِ الزَّنجيُّ، والشيخُ الفقيهُ عبدُ المحسنِ الواسِطيُّ ابنُ شيخِه عليٍّ الواسطيٍّ، والشيخُ تقيُّ الدينِ الواسطيُّ، والشيخُ صالحُ بنُ بكرانَ، والشيخُ منصورٌ البطائحيُّ الصغيرُ، والشيخُ جعفرُ الخزاعيُّ المغربيُّ، والشيخُ الوليُّ الشهيرُ سعدٌ البرزبانيُّ، والشيخُ أبو بكرٍ خطيبُ السعديةِ العلَّامةُ الشهيرُ، والشيخُ عليُّ بنُ نعيمٍ المشهور، والشيخُ عمرُ الهرويُّ، وأمثالُهُم كثيرٌ رضيَ اللهُ عنهُم أجمَعين.

وقد قيلَ في مَدحِهِ:
أبو العَلَمَينِ الغَوثُ ذو القدمِ التي                           على إثرِها الأفرادُ للهِ تَذهَبُ
عصابتُهُ زُهر النجومِ وإنهم                              متى غابَ منهم كَوكبٌ لاحَ كوكبُ

ما أُلِّفَ في حَقِّهِ:
ألَّفَ العديدُ منَ السادةِ العلماءِ كتبًا مُفردةً في الثناءِ عليه وذِكرِ مَحاسِنِهِ ومناقِبِهِ ونذكرُ مِنها "تِرياقُ المحبينَ في سيرةِ سلطانِ العارِفين" للحافِظِ تقيِّ الدينِ أبي الفرجِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عبدِ المحسِنِ الواسطيِّ الشافعيِّ مُحدِّثِ واسِطَ، و"النجمُ الساعِي في مَناقِبِ القطبِ الكبيرِ الرفاعيِّ" لأبي بكرِ بنِ عبدِ اللهِ العَيدَروسِ العدنيِّ، و"سوادُ العينينِ في مناقبِ الغوثِ أبي العلمينِ" للإمامِ الحافظِ عبدِ الكريمِ بنِ محمدٍ الرافعيِّ شافعيِّ عصرِهِ، و"غايةُ التحريرِ في نَسبِ قطبِ العصرِ وغَوثِ الزمانِ سيدِنا أحمدَ الرفاعيِّ" للشيخِ المفسرِ المحدثِ عبدِ العزيزِ الديرينيِّ الشافعيِّ، و"جَلاءُ الصدَى في مناقبِ إمامِ الهُدَى السيدِ أحمدَ الرفاعيِّ" للشيخِ أحمدَ بنِ جلالٍ اللاريِّ المصريِّ الحنفيِّ، و"الشرَفُ المحتمُ فيما مَنَّ اللهُ به على وليِّهِ السيدِ أحمدَ الرفاعيِّ مِن تَقبيلِ يَدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" للحافظِ جلالِ الدينِ السيوطيِّ، و"رَوضةُ الناظِرينَ" للعارفِ باللهِ الوتريِّ، و"النفحةُ المسكيَّةُ" للحافِظِ الصوفيِّ عزِّ الدينِ أحمدَ الفاروثيِّ، و"الوظائِفُ الأحمديَّةُ" للشيخِ القطبِ أحمدَ عزِّ الدينِ الصيادِ، و"إجابةُ الداعِي في مَناقبِ الإمامِ الرفاعيِّ" للبرزَنجيِّ، و"شفاءُ الأسقامِ في سيرةِ غَوثِ الأنامِ" للشيخِ إبراهيمَ بنِ محمدٍ الكازرونيِّ، و"ربيعُ العاشِقينَ" للشيخِ جمالِ الدينِ الحداديِّ، و"الدرَّةُ الساميَةُ في معرفةِ فَضائلِ سُلوكِ الطريقةِ الرفاعيةِ" للشيخِ أحمدَ بنِ محمدِ بنِ خميسٍ الحضرميِّ، و"بُغيةُ الطالِبينَ" للحافظِ المتقِنِ قاسمِ بنِ أحمدَ الواسطيِّ الشافعيِّ، و"قُرَّةُ العَينِ في مناقبِ أبي العَلَمَينِ" للشيخِ الإمامِ العارفِ باللهِ تقيِّ الدينِ عليِّ بنِ المباركِ بنِ الحسنِ بنِ أحمدَ بنِ باسويهِ الواسطيِّ، وغيرَ ذلك منَ المؤلَّفاتِ.

مؤلَّفاتُهُ:
تركَ رضيَ اللهُ عنه العديدَ منَ المؤلفاتِ إلَّا أنَّ أكثرَها لم يَصِلْ إلينا وقد فُقدَت بعد دخولِ التَّتارِ إلى بغدادَ، ومن مؤلفاتِهِ نذكرُ ما يلِي:
1_ مَعاني بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، وهو كتابٌ في التفسيرِ على طريقةِ القَومِ.
2_ تفسيرُ سورةِ القَدرِ.
3 _ شرح ُكتابِ التنبيهِ للشيرازيِّ، في الفِقهِ الشافعِي.
4_ الطريقُ إلى اللهِ، في التصَوّف.
5_ البَهجةُ، في التصوَفِ.
6_ الحكمُ، في التصوفِ والمواعِظ.
7_ حالةُ أهلِ الحَقيقةِ مع اللهِ، وهو أربعونَ حَديثًا بالإسنادِ المتصِلِ ألقاها السيدُّ أحمدُ الرفاعيُّ في أربعينَ مَجلِسًا جمَعَها الفقيهُ الشافعيُّ أبو شجاعٍ الشافعي.
8 _ البرهانُ المؤيدُ، وهو من أشهرِ كتبِهِ، وقد وصفَهُ الإمامُ الرافعيُّ بقولِه: "هو الكتابُ الجليلُ الذي عزَّ شأنُ سَبكِهِ عن المثيلِ الذي جمعَهُ من مجالسِ وعظِهِ ودوَّنَهُ شيخُ الإسلامِ شرفُ الدينِ ابنُ الشيخِ عبدِ السميعِ الهاشميُّ العباسيُّ الواسطيُّ نفعَنا اللهُ بهم أجمَعينَ" اهـ.
وقد جمعَ كلماتِهِ الحكَميةَ المحدثُ الشيخُ عبدُ العظيمِ ابنُ عبدِ القَويِّ بنِ أحمدَ المنذريُّ في كتابٍ سمَّاهُ "المجالِسَ الأحمَديَةَ" أوردَ فيه ما قالَهُ سيدُنا أحمدُ الرفاعيُّ رضيَ اللهُ عنه في كلِّ مجلسٍ على الغالبِ بِعَينِه.
وكذا جمعَ الشيخُ إبراهيمُ الراوي الرفاعيُّ البغداديُّ كتابًا ذكرَ فيه أحزابَ وأورادَ السيدِ أحمدَ رضيَ اللهُ عنه وأسماهُ "كتابَ السيَرِ والمساعِي".

وفاتُهُ:
توفيَ رضيَ اللهُ عنه ونفَعَنا به يومَ الخميسِ الثاني والعشرينَ من جمادَى الأولَى سنةَ ثمانٍ وسبعينَ وخمسمائةٍ في أمِّ عَبيدةَ، ودُفنَ في قبةِ جدِّهِ لأمِّهِ الشيخِ يَحيى الكبيرِ النجاريِّ الأنصاريِّ وله منَ العمرِ ستةٌ وستونَ سنةً وستةُ أشهرٍ وأيامٍ، وكانَ ءاخرُ كلامِهِ لا إلهَ إلَّا اللهُ محمَّدٌ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.

أخلاقُهُ وسيرتُهُ:
كانَ رضيَ اللهُ عنه غنيَّ النفسِ، حسنَ المعاشرةِ، دائمَ الإطراقِ، كثيرَ الحِلمِ، كاتِمًا للسِّرِّ، حافظًا للعهدِ، كثيرَ الدعاءِ للمُسلمينَ، هَيّنًا لَيّنًا، يصِلُ مَن قطعَهُ، ويعطِي مَن منَعَهُ، ويَعفو عمَّن ظلَمَهُ، ويحسنُ مُجاورةَ مَن جاورَهُ، ويُطعِمُ الجائعَ، ويُكسِي العريانَ، ويعودُ المريضَ، ويشيِّعُ الجنائزَ، ويجالِسُ الفقراءَ، ويواكِلُ المساكينَ، ويصبرُ على الأذَى، ويبذُلُ المعروفَ، إن مُنِعَ صبَرَ، ويحثُّ على فعلِ الخيرِ ويُرشدُ إلى مكارمِ الأخلاقِ، ويقبلُ عُذرَ المعتذِرِ له، حزنُهُ أكثرُ من فرحِهِ، إذا مشَى في الطريقِ لا ينظرُ إلا موضِعَ قدَمِهِ، يأخذُ بأيدي العُمْي ويقودُهُم، ويتردَّدُ في الليلِ إلى أبوابِ المساكينِ، ويحملُ لهم الطعامَ ولا يعرِّفُهُم بنفسِهِ، كانَ لليتيمِ كالأبِ، وله مَناقبُ كثيرةٌ وهي كما قالَ الحافظُ المؤرخُ الحجةُ تاجُ الدينِ السبكيُّ: "لو أرَدنا استيعابَ فضائلِهِ لضاقَ الوقتُ"، وقالَ أيضًا: "ومَناقبُهُ أكثرُ من أن تُحصَرَ".
ورَوى الرافعيُّ أيضًا بالإسنادِ أنَّ بِنتًا تُسمَّى فاطمةَ الحداديةَ وُلدَت حَدباءَ ولما كبرَت وءانَ أوانُ مَشيِها فإذا بِها عرجاءُ ثم سقطَ شعرُ رأسِها لعاهَةٍ، ففي يومٍ من الأيامِ حضرَ السيدُ أحمدُ الرفاعيُّ رضيَ اللهُ عنه الحداديةَ فاستقبلَهُ أهلُها والعرجاءُ فاطمةُ بينَ الناسِ مع النساءِ وبناتُ الحداديةِ يستَهزِئنَ بها، فلمّا أقبَلَت على سيدِنا أحمدَ قالَت: أي سيِّدي أنتَ شَيخي وشيخُ والدَتي وذُخرِي أشكُو إليكَ ما أنا فيه لعلَّ اللهَ ببركَةِ ولايتِكَ وقرابَتِكَ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن يُعافيَني مما أنا فيه فقَد زهقَت روحِي من استِهزاءِ بناتِ الحداديةِ، فأخذَتهُ الشفقةُ عليها وبِكَى رحمةً لحالِها ثم ناداها: ادنِي منِّي، فدَنَت منه فمَسَحَ بيدِهِ المباركةِ على رأسِها وظهرِها ورِجلَيها فنبَتَ بإذنِ اللهِ شَعرُها وذهَبَ احْدِيدابُها وتقوَّمَت رِجلاها وحَسُنَ حالُها.

سنَدُ الطريقةِ العَليَّةِ الرفاعيةِ
أخذَ رضيَ اللهُ عنه طريقةَ القومِ عن الشيخِ عليٍّ الواسطيِّ القاريِّ، وهو أخذَها عن الشيخِ أبي الفضلِ بنِ كافحٍ، عن الشيخِ غلامِ بنِ تَركانَ، عن الشيخِ أبي عليٍّ الروذباريِّ، عن الشيخِ عليٍّ العجميِّ، عن الشيخِ أبي بكرٍ الشبليِّ، عن الشيخِ أبي القاسمِ الجنيدِ البغداديِّ سيدِ الطائفَتَينِ، عن خالِهِ الشيخِ سَريٍّ السقطيِّ، عن الشيخِ أبي محفوظٍ معروفٍ الكرخيِّ، عن الشيخِ داودَ الطائيِّ، عن الشيخِ حبيبٍ العجَميِّ، عن الشيخِ الحسنِ البِصريِّ، عن سيدِنا ومَولانا أميرِ المؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضِيَ اللهُ عنه وعنهُم أجمعينَ، عن النبيِّ الأعظمِ والرسولِ الأكرمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وأخذَ رضيَ اللهُ عنه أيضًا الطريقةَ ولبسَ الخرقةَ من خالِهِ الشيخِ منصورٍ البطائحيِّ المعروفِ بالبازِ الأشهَبِ، وهو أخذَ عن خالِهِ الشيخِ أبي منصورٍ الطيِّبِ، عن ابنِ عمِّهِ الشيخِ أبي سعيدٍ يحيى النجاريِّ الواسطيِّ الأنصاريِّ، عن الشيخِ أبي عليٍّ القرمزيِّ، عن الشيخِ أبي القاسمِ السندوسيِّ الكبيرِ، عن الشيخِ أبي محمدٍ رويمٍ البغداديِّ، عن الشيخِ الجُنيدِ البغداديِّ، عن الشيخِ سَريٍّ السقطيِّ، عن الشيخِ معروفٍ الكرخيِّ، عن الإمامِ عليِّ بنِ موسَى الرِّضا، عن أبيهِ الإمامِ موسَى الكاظِمِ، عن أبيهِ الإمامِ جعفرٍ الصادقِ، عن أبيهِ الإمامِ محمدٍ الباقرِ، عن أبيهِ الإمامِ عليٍّ زينِ العابدينَ، عن أبيهِ الإمامِ السبْطِ الشهيدِ الحُسينِ، عن أبيه الإمامِ أميرِ المؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنه وعنهُم أجمَعينَ، عن النبيِّ المصطَفَى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
ولهذهِ الطريقةِ الجليلَةِ الرفاعيةِ فُروعٌ عظيمةٌ معروفةٌ في البلادِ الإسلاميةِ، ومآثرُ رجالِها شهيرةٌ، وبركاتُهُم كثيرةٌ، وقد صحَّ أنَّ خُلفاءَ السيدِ أحمدَ الرفاعيِّ رضيَ اللهُ عنه وخُلفاءَهُم بلَغَت عدَّتُهُم مائةً وثمانينَ ألفًا حالَ حياتِهِ نَفعَنا اللهُ بهِ وبهِم أجمَعينَ.
-------------

(1) راجع ترجمته في : وفيات الأعيان 1/،171 الوافي بالوفيات 7/،219 سير الذهبي 21/،77 الكامل في التاريخ 11/،492 العبر 4/،233 شذرات الذهب 4/،259 مرءاة الزمان 8/،037 طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/،5 طبقات الشافعية للسبكي 4/،14 النجوم الزاهرة 6/92.

إجابة الداعي إلى بيان
اعتقاد الإمام الرفاعي