في العقيدة الإسلامية كتاب إجابة الداعي إلى بيان اعتقاد الإمام الرفاعي
 في تحقيق معنى البدعة

فصل في تحقيق معنى البدعة

بيان اعتقاد الإمام الرفاعي

البدعةُ مَعناها لُغةً: "ما أُحدِثَ على غيرِ مِثالٍ سابِقٍ"، وشَرعًا: "المحدَثُ الذي لم يَنُصَّ عليه القرءانُ الكريمُ ولا جاءَ في السنَّةِ المطهَّرةِ".
وقد قسَّمَ العلماءُ البدعةَ إلى قِسمَينِ، رَوى البيهقيُّ في كتابِ مَناقبِ الشافعيِّ (1) بالإسنادِ المتصِلِ إلى الإمامِ الشافعيِّ رضيَ اللهُ عنه قالَ: "المحدَثاتُ منَ الأمورِ ضَربانِ، أحدُهما ما أُحدِثَ مما يخالِفُ كتابًا أو سُنَّةً أو أثرًا أو إجماعًا، فهذه البدعةُ الضلالةُ، والثانيةُ: ما أحدِثَ من الخيرِ لا خِلافَ فيه لواحدٍ من هذا وهذه محدثةٌ غيرُ مَذمومَةٍ" اهـ.
قال النوويُّ في كتابِ تَهذيبِ الأسماءِ واللغاتِ (2) ما نصُّه: "البدعةُ بكَسرِ الباءِ في الشرعِ هي إحداثُ ما لم يكُنْ في عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهي مُنقسِمةٌ إلى حسنةٍ وقبيحةٍ، قالَ الإمامُ الشيخُ المجمَعُ على إمامتِهِ وجلالَتِهِ وتمكُّنِهِ في أنواعِ العلومِ وبَراعتِهِ أبو محمدٍ عبدُ العزيزِ بنُ عبدِ السلامِ رحمَهُ اللهُ ورضيَ عنه في ءاخرِ كتابِ القواعدِ: البدعةُ منقسِمةٌ إلى واجبةٍ، ومحرمةٍ، ومندوبةٍ، ومكروهةٍ، ومُباحةٍ، قال: والطريقُ في ذلك أن تُعرَضَ البدعةُ على قواعدِ الشريعةِ فإن دخَلَت في قواعدِ الإيجابِ فهي واجبةٌ، أو في قواعدِ التحريمِ فمحرمةٌ، أو الندبِ فمندوبةٌ، أو المكروهِ فمَكروهةٌ، أو المباحِ فمباحةٌ" اهـ، وقد ذكرَ هذا التقسيمَ عددٌ من العلماءِ والفقهاءِ من المذاهبِ الأربعةِ والمحدِّثينَ مِنهم الحافظُ ابنُ حجرٍ في فتحِ البارِي (3).
ويؤيِّدُ ما ذكَرنا ما رواهُ مسلمٌ في صحيحِهِ من حديثِ جريرِ بنِ عبدِ اللهِ البَجَليِّ رضيَ اللهُ عنه أنهُ قال: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "مَن سَنَّ في الإسلامِ سنَّةً حسنةً فلَهُ أجرُها وأجرُ من عملَ بها بعدَه من غيرِ أن ينقُصَ من أجورِهِم شىءٌ، ومَن سَنَّ في الإسلامِ سُنةً سيئةً كان عليه وزرُها ووِزرُ مَن عمِلَ بها من بعدِهِ من غيرِ أن ينقصَ من أوزارِهِم شىءٌ".
ومن البدعِ الحسنةِ الطرقُ التي أحدَثَها بعضُ الصالحينَ كالرفاعيةِ والقادريةِ وغيرِهِما من الطرقِ التي تبلغُ نحوَ أربعينَ طريقةً، وكلُّها طريقُها العملُ بالكتابِ والسنةِ، فهذهِ الطرقُ أصلُها بدعٌ حسنةٌ، ولكن شَذَّ بعضُ المنتسِبينَ إليها وهذا لا يَقدَحُ في أصلِها.
-------------

(1) مناقب الشافعي 1/469.
(2) تهذيب الأسماء واللغات 3/22.
(3) فتح الباري 4/253.

إجابة الداعي إلى بيان
اعتقاد الإمام الرفاعي