في العقيدة الإسلامية كتاب إجابة الداعي إلى بيان اعتقاد الإمام الرفاعي
 التصوف مبني على الكتاب والسنة

التصوف مبني على الكتاب والسنة

بيان اعتقاد الإمام الرفاعي

التصوَّفُ مَبنِيٌّ على الكتابِ والسنَّةِ كما قالَ سيِّدُ الطائِفَةِ الصوفيَّةِ الجُنَيدُ البَغدادِيُّ رضِيَ اللهُ عنه: "طريقُنا هذا مَضبوطٌ بالكِتابِ والسنَّةِ، إذ الطريقُ إلى اللهِ تَعالى مَسدودٌ على خَلقِهِ إلَّا على المقَتَفينَ ءاثارَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" اهـ، وقالَ الشيخُ تاجُ الدينِ السُّبكيُّ: "ونَرَى أنَّ طريقَ الشيخِ الجُنيدِ وصَحبِهِ مقوَّمٌ"اهـ، وقالَ سَهلُ التُّستَريُّ رضِيَ اللهُ عنه: "أصولُ مَذهبِنا _ يَعني الصوفيَّةَ _ ثلاثةٌ: الاقتِداءُ بالنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الأخلاقِ والأفعالِ، والأكلُ منَ الحَلالِ، وإخلاصُ النيَّةِ في جميعِ الأفعالِ" اهـ، وقالَ الشيخُ أبو الحَسنِ الشاذِليِّ رضِيَ اللهُ عنه: "ليسَ هذا الطريقُ بالرهبانِيَّةِ ولا بأكلِ الشعيرِ والنخالَةِ، وإنَّما هو بالصبرِ على الأوامِرِ واليَقينِ في الهدايةِ قالَ تَعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [سورة السجدة/24] اهـ. وقالَ سيدُنا الإمامُ الكبيرُ أحمدُ الرفاعيُّ رضيَ اللهُ عنه للقُطبِ أبي إسحاقَ إبراهيمَ الأعزبِ رضيَ اللهُ عنه: "ما أخَذَ جدُّكَ طَريقًا للهِ إلَّا اتباعَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإنَّ مَن صحَّت صُحبتُهُ مع سِرِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اتَّبعَ ءادابَهُ وأخلاقَهُ وشَريعتَهُ وسُنَّتَهُ، ومَن سقطَ من هذه الوجوهِ فقَد سلَكَ سبيلَ الهالِكين" اهـ، وقالَ أيضًا: "واعلَمْ أنَّ كلَّ طريقةٍ تخالفُ الشريعةَ فهيَ زَندقَةٌ" اهـ، وقالَ رضيَ اللهُ عنه أيضًا: "الصوفيُّ هو الفَقيهُ العاملُ بعِلمِه" اهـ.
وقد حكَى العارفُ باللهِ الشعرانيُّ في مقدمةِ كتابِهِ الطبقاتِ إجماعَ القومِ على أنَّه لا يصلحُ للتصدُّرِ في طريقِ الصوفيةِ إلَّا مَن تبحَّرَ في عِلمِ الشريعةِ وعلمِ مَنطوقِها ومَفهومِها وخاصِّها وعامِّها وناسِخِها ومَنسوخِها، وتبحَّرَ في لُغةِ العربِ حتى عرفَ مَجازاتِها واستِعاراتِها وغيرَ ذلك.
والحكمةُ في هذا الإجماعِ الذي حكاهُ الشعرانيُّ ظاهرةٌ لأنَّ الشخصَ إذا تصَدَّرَ للمَشيَخَةِ والإرشادِ اتخذَهُ المريدونَ قُدوةً لهم ومرجِعًا يرجعونَ إليه في مسائلِ دينِهِم، فإذا لم يكُنْ مُتقِنًا لعلمِ الشرعِ متَبحِّرًا فيه قد يُضِلُّ المريدينَ بفَتواهُ فيُحِلُّ لهم الحرامَ ويحرِّمُ عليهم الحلالَ وهو لا يشعرُ، أيضًا فإنَّ أغلبَ البِدعِ القَبيحةِ والخُرافاتِ إنما دخلَت في الطريقِ بسببِ كثيرٍ منَ المشايخِ الذين تصَدَّروا بغيرِ علمٍ ونصَّبوا أنفسَهُم للإرشادِ من غيرِ أن يكونوا مُستحقِّيَن لهذا المنصبِ الجليلِ، ولذلك تجِدُ الكثيرَ من المنتَسِبينَ إلى التصوفِ اليومَ وإلى طرقِ أهلِهِ قد أعماهُم الجهلَ فيظنّونَ أنَّهم بمجردِ أخذِهِم لطريقةٍ صوفيةٍ معينةٍ يرتَقونَ إلى أعالي الدرجاتِ، وبمجردِ قراءتِهِم للأورادِ يَصلونَ إلى مَقامِ الإرشادِ، وفي نفسِ الوقتِ يُهمِلونَ تعلُّمَ العلومِ الشرعيةِ الضروريةِ وتطبيقَها، فيتَخبَّطونَ في الجهلِ والفسادِ وهم يَحسَبونَ أنهم يُحسِنونَ صُنعًا، ويُدخِلونَ في طريقِ القومِ البدعَ الفاسدةَ والفَتاوى الشاذَّةَ والأقوالَ الضالَّةَ التي ما أنزلَ اللهُ بها من سُلطانٍ ويزعمونَ أنَّ هذا من الأسرارِ التي لا يَطلِعُ عليها إلا أهلُ الباطنِ ولا يفهَمُها أهلُ الشريعةِ الذين هم أهلُ الظاهرِ، وإذا قدَّمَ لهم شخصٌ نصيحةً يقولونَ: أنتُم أهلُ الظاهرِ ونحنُ أهلُ الباطنِ لا تَفهَمونَ هذا، فلذلك سمّاهُم أهلُ العلمِ والصوفيةُ الصادقونَ بالمتَصوِّفَةِ أي أدْعياءِ التصوفِ، ويكفِي في الردِّ عليهم قولُ الإمامِ الرفاعيِّ: "كلُّ طريقةٍ تخالفُ الشريعةَ فهي زَندقَةٌ"، وقالَ رضِيَ اللهُ عنه: "شَيِّدوا أركانَ هذه الطريقةِ المحمديةِ بإحياءِ السنَّةِ وإماتَةِ البِدعةِ" اهـ، وقالَ: "كلُّ الآدابِ مُنحصِرةٌ في مُتابعةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قولًا وفِعلًا وحالًا وخُلُقًا، فالصوفيُّ ءادابُهُ تدلُّ على مَقامِهِ، زِنوا أقوالَهُ وأفعالَهُ وأحوالَهُ وأخلاقَهُ بميزانِ الشرعِ" اهـ، وقال: "أيُّها الصوفيُّ لِمَ هذه البطالَة؟ صِرْ صوفِيًا حتى نقولَ لك: أيُّها الصوفيُّ" اهـ. وقال: "لا تقولوا كما يقولُ بعضُ المتصوفَةِ: نحنُ أهلُ الباطِنِ وهُم أهلُ الظاهِرِ، هذا الدينُ الجامِعُ باطنُهُ لُبُّ ظاهِرِهِ، وظاهِرُهُ ظَرفُ باطنِهِ لولا الظاهرُ لما بطنَ، لَولا الظاهرُ لما كانَ الباطنُ ولما صَحَّ، القلبُ لا يقومُ بِلا جسدٍ بل لولا الجسَدُ لفَسدَ، والقلبُ نورُ الجسدِ. هذا العلمُ الذي سماهُ بعضُهم بعلمِ الباطنِ هو إصلاحُ القلبِ" ثم قالَ: "فإذا تعيَّنَ لك أنَّ الباطنَ لُبُّ الظاهرِ والظاهرَ ظرفُ الباطنِ ولا فرقَ بينَهما ولا غَنًى لكِلَيهِما عن الآخَرِ، فقُلْ: نحنُ من أهلِ الظاهرِ وكأنَّك قلتَ ومن أهلِ الباطنِ. أيُّ حالةٍ باطنَةٍ للقَومِ لم يأمُرْ ظاهرُ الشرعِ بعَملِها؟ أيُّ حالةٍ ظاهرةٍ لم يأمُرْ ظاهرُ الشرعِ بإصلاحِ الباطنِ لَها" اهـ.
فعلَى ما ذكرَ يتبَيَّنُ أنَّ كلَّ بِدعةٍ تَراها في الطرقِ السائرةِ فلَكَ أن تَعرِضَ ما تراهُ وتسمَعُهُ فيها منَ البِدعِ القوليةِ أو الفعليةِ على قواعدِ الشرعِ فإن لم توافِقْهُ فانبُذْها، قالَ السيدُ أحمدُ الرفاعيُّ: "كلُّ حقيقةٍ ردَّتْها الشريعةُ فهيَ زَندقَةٌ، إذا رأيتُم شَخصًا تربَّعَ في الهواءِ فلا تلتَفِتوا إليه حتى تنظُروا حالَهُ عند الأمرِ والنهيِ" اهـ، أي يوزنُ أفعالُهُ وأقوالُهُ بميزانِ الشرعِ فإن لم يوافِقْها فيُترَكُ، وقال رضيَ اللهُ عنه: "سَلِّمْ للقَومِ أحوالَهم ما لَم يُخالِفوا الشرعَ، فإن خالَفوا الشرعَ فكُنْ مع الشرعِ" اهـ.

إجابة الداعي إلى بيان
اعتقاد الإمام الرفاعي