في العقيدة الإسلامية كتاب إجابة الداعي إلى بيان اعتقاد الإمام الرفاعي
فصل في بيان فضل الطريقة الرفاعية

فصل في بيان فضل الطريقة الرفاعية

بيان اعتقاد الإمام الرفاعي

ليُعلمْ أنَّ الطريقةَ الرفاعيةَ هي أفضلُ الطرقِ، فهي كسائرِ الطرقِ الصحيحةِ تأمُرُ بالتمسُّكِ بالشريعةِ الإسلاميةِ وإصلاحِ الباطنِ ونبذِ البِدعِ السيئةِ، وللرفاعيةِ مزيةٌ على البقيةِ بمزيدِ تمَسُّكٍ بما ذكَرنا، فقد كانَ شيخُ هذه الطريقةِ الإمامُ أحمدُ الرفاعيُّ فقيهًا محدِّثًا شافعِيًا مُفسرًا أثنَى عليه الإمامُ أبو القاسمِ عبدُ الكريمِ الرافعيُّ إمامُ الشافعيةِ المعروفُ بِوفورِ العلمِ والزهدِ والكرامةِ، وغيرُهُ كالحافظِ السيوطِيِّ والديرينيِّ وغيرِهِم خلقٌ كثيرٌ. وقد ذكرَ الشيخُ عبدُ الوهابِ الشعرانيُّ أنَّ المشايخَ من أهلِ عَصرِهِ _ يعني الرفاعيَّ _ أجمَعوا على أنَّه أجلُّ المشايخِ قدرًا، ويقولُ الإمامُ الرافعيُّ: "وانتهَت إليه الرياسةُ في علومِ الشريعةِ وفنونِ القَومِ وخدمةِ الأئمةِ والفقهاءِ والملوكِ والخلفاءِ، وانعقدَ عليه إجماعُ الطوائفِ وقالَ بتقدُّمِهِ على جميعِ رجالِ عصرِهِ الموافقِ والمخالفِ" اهـ.
ومَن طالعَ كتبَ الإمامِ الرفاعيِّ رضيَ اللهُ عنه وجدَها مليئةً بالحَثِّ على التمسُّكِ بالشريعةِ والحضِّ على تعلمِ العلومِ الشرعيةِ، قال رضِيَ اللهُ عنه في كتابِهِ البرهانِ المؤيَّد: "أيْ سادَة عَظِّموا شأنَ الفقهاءِ والعلماءِ كتعظيمِ شأنِ الأولياءِ والعُرفاءِ فإنَّ الطريقَ واحدٌ، وهؤلاءِ وارِثُو ظاهرِ الشريعةِ وحملةُ أحكامِها الذين يعلِّمونَها للناسِ وبها يصِلُ الواصِلونَ إلى اللهِ، إذ لا فائدةَ بالسعيِ والعملِ على الطريقِ المغايرِ للشرعِ" اهـ. وقالَ: "أيْ سادَة تقولونَ قالَ الحارثُ، قالَ أبو يزيد، قال الحلّاجُ، ما هذا الحالُ قبل هذه الكلماتِ؟ قولوا: قالَ الشافعيُّ، قال مالكٌ، قال أحمدُ، قال نُعمانُ"، "شيِّدوا دَعائمَ الشريعةِ بالعلمِ والعملِ"، "أشياخُ الطريقةِ وفرسانُ مَيادينَ الحقيقةِ يقولونَ لكُم: خُذوا بأذيالِ العلماءِ"، "لا تَقطَعوا الوصلَةَ مع العلماءِ جالِسوهُم، خُذوا عنهم"، "اجعَلوا الأمرَ بالمعروفِ والنهيَّ عن المنكرِ دينَكُم"، "أيْ سادَة إنَّ نهايةَ طريقِ الصوفيةِ نهايةُ طريقِ الفقهاءِ، ونهايةَ طريقِ الفقهاءِ نهايةُ طريقِ الصوفيةِ"، "والطريقةُ هي الشريعةُ والشريعةُ هي الطريقةُ والفرقُ بينَهما لفظِيٌّ"، "وما أرَى الصوفيَّ إذا أنكَرَ حالَ الفقيهِ إلا ممكورًا، ولا الفقيهَ إذا أنكرَ حالَ الصوفيِّ إلا مَبعودًا".
ومن مَزايا هذه الطريقةِ أيضًا مكافحةُ عقيدةِ الوحدةِ وعقيدةِ الحلولِ أكثر من غيرِها من الطرقِ، وقد أخذَ أهلُها ذلك عن شيخِ الطريقةِ الإمامِ الرفاعيِّ ثم اتَّبعَهُ كلُّ خلفاءِ طريقتِهِ إلى هذا العصرِ فلهُم بذلك فضلٌ على غيرِهِم، رَوى الإمامُ الحافظُ أبو القاسمِ الرافعيُّ رحمَهُ اللهُ عن الإمامِ الرفاعيِّ أنه قالَ: "لفظَتانِ ثُلمَتانِ بالدِّينِ، القولُ بالوحدةِ، والشطحُ المجاوزُ حَدَّ التحدثِ بالنعمةِ" اهـ، وقالَ أيضًا: "إيّاكَ والقولَ بالوحدةِ التي خاضَ بها بعضُ المتصوفةِ، إيّاكَ والشطحَ فإنَّ الحجابَ بالذنوبِ أولَى منَ الحجابِ بالكُفرِ     ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ  [سورة النساء/48] اهـ.
وقالَ أحدُ خُلفائِهِ ممن كانَ في القرنِ الثالثَ عشرَ للهجرةِ ما نصُّه: "وحيثُ إنَّ القولَ بالوحدةِ المطلقةِ والحلولِ يؤدِّي إلى الكفرِ والعياذُ باللهِ تَعالى، والشطحاتِ والدَّعاوَى العريضةِ تؤدِّي إلى الفتنةِ وتُزلِقُ بقَدَمِ الرجلِ إلى النارِ فاجتِنابُها واجبٌ وتركُها ضربةُ لازِبٍ، وكل ذلك من طريقِ شيخِنا الإمامِ السيدِ أحمدَ الرفاعيِّ الحسينيِّ رضيَ اللهُ عنهُ وعنّا بِه، وبهذا أمرَ أتباعَهُ وأشياعَهُ، وحَثَّ على ذلك أصحابَهُ وأحزابَه" اهـ.
ومن مَزايا هذه الطريقةِ محاربةُ ومجانبةُ البدَعِ والمحدَثاتِ المذمومةِ في الدِّينِ، قال الإمامُ الرفاعيُّ فيما نقلَهُ الإمامُ الرافعيُّ عنه: "قد ءانَ أوانُ زوالِ هذه المجالسِ ألا فليُخبِرِ الحاضرُ الغائِبَ: مَنِ ابتدَعَ في الطريقِ وأحدثَ في الدينِ وقالَ بالوحدةِ، وكذَبَ مُتعالِيًا على الخلقِ، وشطَحَ مُتكلفًا، وتفكَّهَ بما نقلَ عن القومِ من الكلماتِ المجهولةِ لَدينا، وطابَ كاذِبًا، أو خَلا بامرأةٍ أجنبيةٍ بِلا حُجةٍ شرعيةٍ، وطمحَ نظرُهُ لأعراضِ المسلمينَ وأموالِهِم، وفرَّقَ بين الأولياءِ، وأبغَضَ مُسلمًا بلا وجهٍ شرعيٍ، وأعانَ ظالِمًا، وخذلَ مظلومًا، وكذَّبَ صادقًا، وصدَّقَ كاذبًا، وعملَ بأعمالِ السفهاءِ وقالَ بأقوالِهِم، فليسَ منِّي أنا بَرىءٌ منه في الدنْيا والآخرةِ" اهـ.
وقد اشتَهرَ أتباعُ الشيخِ أحمدَ الرفاعيِّ رضيَ اللهُ عنه بدُخولِ الأفرانِ الحامِيَةِ، ورقودِ بعضِهم في بعضِ جوانبِ الفُرنِ والخبازُ يخبزُ في الجانبِ الآخرِ، ودخولِهِم النارَ العظيمةَ ونحوِ ذلك وكلُّ ذلك يدُلُّ على عظيمِ فضلِ الإمامِ السيدِ أحمدَ الرفاعيِّ رضيَ اللهُ عنه، قالَ الشيخُ السيدُ أبو الهدَى الصياديُّ رحمَهُ اللهُ في كتابِهِ الطريقةِ الرفاعيةِ ما نصُّه: "توفيَ رضيَ اللهُ عنه في أمِّ عَبيدةَ بواسِطِ العراقِ سنةَ ثمانٍ وسبعينَ وخمسمائةٍ راضيًا مَرضِيًا نائبًا نبويّا، وقد جدَّدَ اللهُ به أمرَ الدينِ وأيَّدَ بمِنهاجِهِ مذهَبَ أهلِ الشرعِ المبينِ، وصانَ ببركةِ عزمِهِ وعزيمتِهِ في اللهِ عقائدَ المسلمينَ، وأبرَدَ لأتباعِهِ النيرانَ، وأزالَ لهم فاعليةَ السمومِ، وألانَ لهم الحديدَ، وأذلَّ لهم السباعَ والحيّاتِ والأفاعِي، وأخضعَ لهم طُغاةَ الجِنِّ" اهـ. قالَ المؤرخُ ابنُ خلكان: "ولأتباعِهِ أحوالٌ عجيبةٌ من أكلِ الحيّاتِ وهي حية والنزولِ في التنانِيرِ وهي تتضرمُ بالنارِ فيُطفِئونَها" اهـ. ومن الشاهدِ على ذلك ما جرَى بين الشيخِ تاجِ الدِّينِ الرفاعيِّ أحدِ المشايخِ العارِفينَ وبين هولاكو إذ دخلَ الشيخُ المذكورُ النارَ العظيمةَ هو ومُريدوهُ وما أصابَهم أذًى، وتكرَّرَتِ الحادثةُ مع ابنِ هولاكو الذي أسلَمَ وهو السلطانُ أحمدُ، وهذه القصةُ مشهورةٌ ذكرَها بعضُ المؤرخينَ منهُم الشيخُ كمالُ الدِّينِ محمدُ بنُ عليٍ السراجُ الرفاعيُّ القرشيُّ الشافعيُّ في كتابِهِ "تُفاحُ الأرواحِ".
ومن مَزايا هذه الطريقةِ الحثُّ على التخلُّقِ بالأخلاقِ الكريمةِ والمزايا الحسنةِ، وقد اشتهرَ مشايخُ هذه الطريقةِ بمزيدِ التواضُعِ والانكِسارِ عن غيرِهِم من أهلِ الطرقِ، وهذا شأنُ شيخِ الطريقةِ الإمامِ الرفاعيِّ حيثُ يذكرُ أنهُ طرقَ كلَّ الأبوابِ فرأى على الكلِّ ازدِحامًا عظيمًا فجاءَ من بابِ الذلِّ والانكِسارِ فرءاهُ خالِيًا فعكَفَ عليه، وله كلمةٌ مشهورةٌ وهي: "رجالُ هذه الطائفةِ خيرٌ منِّي، أنا حميدُ اللاشِ، أنا اللاشُ اللاشُ" اهـ.
وقد وصفَهُ الإمامُ الرافعيُّ بقولِه: " كانَ رضيَ اللهُ عنه مُتمكِّنًا في الدِّينِ سهلًا على المسلمينَ، صعبًا على الضالِّين، هَينًا لَينًا هَشًّا بَشًّا، لينَ العَريكةِ، حسنَ الخَلقِ، كريمَ الخُلقِ، حُلوَ المكالمةِ، لطيفَ المعاشرةِ، لا يملُّهُ جليسُهُ، ولا ينصرفُ عن مجالِسِهِ إلا لعبادَةٍ، حَمولًا للأذَى، وَفيًّا إذا عاهدَ، صَبورًا على المكارِهِ، جَوادًا من غيرِ إسرافٍ، مُتواضعًا" اهـ.
هؤلاءِ هُم الرفاعيةُ فمَن عرَفَهم عَرفهُم، ومَن جَهِلَهُم فليراجِعْ كتبَ الإمامِ الرفاعيِّ ومناقبَ خلفائِهِ وسيرَتَهُم، فإنَّهم أهلُ علمٍ ودينٍ، نفَعَنا اللهُ بهِم.
وقد ذكرَ الحافظُ ابنُ الملقِنِ الشافعيُّ (1) في أواخرِ كتابِهِ طبقاتِ الأولياءِ قصيدةً في مدحِ الرفاعيةِ فقال:
إنَّ الرفاعيينَ أصحابَ الوَفا                               والجودِ للعافي الملمِ المزملي
كَم فيهم مِن عارِفٍ ذِي همَّة                              أو صادِقٍ عن عزمِهِ لم يفشَل
-------------

(1) وهو مؤلفُ الكتابِ المشهورِ "البدرِ المنيرِ في تخريجِ أحاديثِ الشرحِ الكَبير".

إجابة الداعي إلى بيان
اعتقاد الإمام الرفاعي