في العقيدة الإسلامية كتاب الصراط المستقيم
 التَّبَركُ بآثارِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم

التَّبَركُ بآثارِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم

الصراط المستقيم

الصراط_المستقيم اعْلَم أنَّ الصّحابةَ رضوانُ الله عليهم كانوا يتبَرَّكونَ بآثار النَّبي صلى الله عليه وسلم في حياتِه وبعدَ مَماتِه ولا زالَ المسلمونَ بعدَهُم إلى يومِنا هذا على ذلكَ، وجوازُ هذا الأمرِ يُعرَفُ مِن فِعلِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وذلكَ أنّه صلى الله عليه وسلم قَسَمَ شَعَرهُ حينَ حَلَقَ في حَجَّةِ الودَاعِ وأظفَارَهُ.
أمّا اقتسَامُ الشَّعر فأخرجَهُ البخاريُّ1 ومسلِمٌ2 من حديثِ أنَسٍ، ففي لفظِ مسلمٍ أنهُ قال لمَّا رَمَى صلى الله عليه وسلم الجمْرَةَ ونَحَرَ نُسُكَهُ وحلَقَ ناولَ الحالِقَ شِقَّهُ الأيمنَ فحلَقَ ثمَّ دَعَا أبا طلحةَ الأنصاريَّ فأعطاهُ ثمَّ ناولَهُ الشِّقَّ الأيْسَرَ فقال: "احْلِق"، فحلَقَ فأعطاهُ أبا طلحةَ فقالَ: "اقسِمْهُ بينَ النَّاسِ". وفي روايةٍ لمسلم أيضًا3 "فبدأَ بالشّقّ الأيْمَنِ فوزَّعَهُ الشّعْرَةَ والشَّعرَتينِ بين النَّاسِ" ثم قالَ بالأيْسَرِ فصنَعَ مثلَ ذلكَ ثم قال: "هاهُنا أبو طلحةَ"فدفعَهُ إلى أبي طلحةَ.وفي روايةٍ أُخرى لمسلمٍ4 أيضًا أنّه عليه الصلاةُ والسلامُ قال للحَلاقِ"ها"،وأشارَ بيدِهِ إلى الجانبِ الأيْمَنِ فقسَمَ شعَرَهُ بينَ مَن يليْهِ، ثم أشارَ إلى الحلاقِ إلى الجانبِ الأيْسَرِ فحلَقَهُ فأعْطاهُ أُمَّ سُلَيْم، فمعنَى الحديثِ أنّهُ وزَّعَ بنَفْسِه بَعْضًا بينَ النّاسِ الذينَ يَلُونَهُ وأعْطَى بعضًا لأبي طلحةَ ليوزّعَهُ في سائرِهم وأعْطَى بعضًا أمّ سُلَيم ففيهِ التبَرُّكُ بآثارِ الرسولِ، فقد قَسمَ صلى الله عليه وسلم شعرَهُ ليتَبرَّكُوا به وليسْتَشفِعُوا إلى الله بما هو منهُ ويتقرَّبوا بذلكَ إليهِ، قسمَ بينَهُم ليكونَ برَكةً باقيةً بينَهُم وتَذْكِرَةً لهم. ثم تَبِعَ الصَّحابةَ في خُطَّتِهم في التبرّكِ بآثارِهِ صلى الله عليه وسلم من أَسْعَدَهُ الله وتوارَدَ ذلكَ الخَلَفُ عن السَّلَفِ.
وأمَّا اقتِسامُ الأظْفارِ فأخرجَ الإمامُ أحمدُ في مُسْنَدِه5 أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قلَّمَ أظفَارَهُ وقسَمَها بينَ النّاس، ومعلومٌ أنَّ ذلكَ لم يكن ليأكُلَها الناسُ بل ليتبرَّكُوا بها.
أمّا جُبَّتُه صلى الله عليه وسلم فقد أخْرَجَ مسلمٌ في الصّحيح6 عن مَوْلَى أسْماءَ بنتِ أبي بكرٍ قال "أخرجَتْ إلينا جُبَّةً طيالِسَةً كِسْروانيّة لها لَبِنَةُ دِيْبَاج وفَرجَاهَا مكفُوفينِ7 ، وقالت هذهِ جُبَّةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كانت عندَ عائشةَ، فلمّا قُبِضَتْ قَبضتُها وكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يلبَسُهَا فنحنُ نغسِلُها للمرضَى نَستَشْفِي بها"، وفي روايةٍ8 "نغسِلُها للمريض مِنّا".
وعن حنظلَةَ بنِ حَذْيَم قالَ "وفَدْتُ معَ جَدّي حَذْيَم إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالَ يا رسولَ الله إنَّ لي بنينَ ذوي لِحًى وغيرَهُم وهذا أصغرُهم فأدْناني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومَسَحَ رأسي، وقال باركَ الله فيكَ، قال الذَّيَّالُ فلَقد رأيتُ حَنظلَةَ يُؤتَى بالرَّجلِ الوَارمِ وجهُهُ أو الشاةِ الوارمِ ضَرعُها فيقولُ بسمِ الله على مَوضعِ كفّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فيمسَحُه فيذهبُ الورَمُ"، رواهُ الطبرانيُّ في الأوسطِ والكبيرِ بنحوِه9 ، وأحمدُ10 في حديثٍ طويلٍ ورجالُ أحمدَ ثقاتٌ11 .
وعن ثابتٍ قالَ "كنتُ إذا أتيتُ أنَسًا يُخبَرُ بمَكاني فأَدخلُ عليه فآخذُ بيدَيه فأقبِلُهما وأقولُ بأبي هاتانِ اليَدانِ اللَّتانِ مسَّتا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأُقَبّلُ عَينيه وأقولُ بأبي هاتانِ العَيْنانِ اللّتانِ رأتا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم". رواه أبو يَعْلَى12 ورجالُه رجالُ الصّحيح غيرُ عبد الله بن أبي بكر المَقدِميّ وهو ثقةٌ13 .
وعن داودَ بنِ أبي صالحٍ قالَ "أقْبَلَ مَروانُ14 يومًا فوَجَد رَجُلا واضِعًا وجْهَه على القبرِ فقالَ أتَدْرِي ما تَصْنَعُ، فأقْبَلَ عليهِ فإذَا هو أبو أيّوب15 فقال نعم جئتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ولم ءاتِ الحَجر سمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لا تَبْكُوا على الدّيْنِ إذا ولِيَهُ أهْلُهُ ولكن ابكُوا عليهِ إذا ولِيَهُ غيرُ أَهْلِه"16 رواه أحمدُ17 والطبرانيُّ في الكبيرِ والأوسطِ18 .
وروى البيهقيُّ في دلائلِ النُّبوةِ19 والحاكمُ في مُستَدْرَكِهِ20 وغيرُهما بالإسنادِ أن خالدَ بنَ الوليدِ فَقَدَ قَلَنْسُوَةً له يومَ اليَرْمُوكِ فقالَ اطلبُوها، فَلَم يجِدُوها، ثمَّ طلبُوها فوجَدُوها، فقال خالدٌ "اعتمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فحلَقَ رأسَهُ فابتَدَرَ الناسُ جوانِبَ شَعَرِهِ فسَبَقْتُهُم إلى نَاصيتِهِ فجعَلْتُها في هذهِ القلَنسُوَةِ فلَمْ أشهدْ قِتالا وهي معي إلا رُزِقتُ النَّصْرَ". وهذه القصةُ صحيحة كما ذكرَ ذلك الشيخُ حبيبُ الرحمن الأعظميّ في تعليقهِ على المطالبِ العاليةِ21 فقال "قال البوصيري22 رواه أبو يعلى بسندٍ صحيحٍ23 وقال الهيثميُّ24 رواهُ الطبرانيُّ وأبو يعلى بنحوهِ ورجالُهما رجالُ الصحيحِ" اهـ.
فلا التفاتَ بعدَ هذا إلى دَعوَى مُنكري التوسلِ والتبركِ بآثارِهِ الشريفةِ صلى الله عليه وسلم.
------------------

1 ) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الوضوء: باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان.
2 ) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الحج: باب بيان أن السنة يوم النحر أن يرمي.
3 ) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الحج: باب بيان أن السنة يوم النحر أن يرمي.
4 ) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الحج: باب بيان أن السنة يوم النحر أن يرمي.
5 ) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/43).
6 ) صحيح مسلم" كتاب اللباس والزينة: باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة غلى الرجال والنساء.
7 ) قال النووي في شرح مسلم (14/44): "كذا وقع في جميع النسخ "وفرجيها مكفوفين" وهما منصوبان بفعل محذوف أي ورأيت فرجيها مكفوفين"، ووقع عند أحمد في مسنده (6/348) لفظ: "وفرجاها مكفوفان".
8 ) رواه أحمد في مسنده (6/347).
9 ) المعم الأوسط (3/269) والمعجم الكبير (4/16). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/211): "رواه أحمد ورجاله ثقات".
10 ) رواه أحمد في مسنده (5/67-68).
11 ) قاله الهيثمي في مجمع الزوائد (9/408).
12 ) أخرجه أبو بعلى في مسنده (6/211).
13 ) قاله الحافظ الهيثمي في المجمع (9/325).
14 ) يعني مروان بن الحكم وكان حاكمًا على المدينة من قبل معاوية، ولم ير رسول الله كما قال البخاري.
15 ) واسمه خالد بن زيد.
16 ) معناه أنت من غير أهله يا مروان، لست أهلاً لتولي الأمر.
17 ) رواه أحمد في مسنده (5/422)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/245): "رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط وفيه كثير من زيد وثقه أحمد وغيره وضعفه النسائي وغيره".
18 ) المعجم الكبير (4/189) والمعجم الأوسط (1/145).
19 ) دلائل النبوة (6/249).
20 ) المستدرك (3/299) وسكت عليه الحاكم، وقال الذهبي "منقطع".
21 ) انظر الكتاب (4/90).
22 ) إتحاف الخيرة المهرة (7/271).
23 ) مسند أبي يعلى (13/106).
24 ) مجمع الزوائد (9/349).

الصراط المستقيم

قائمة الصراط المستقيم