الإسْراءُ ثَبتَ بنَصّ القُرءانِ والحديثِ1 الصَّحيح فيَجبُ الإيمانُ بأنَّه صلى الله عليه وسلم أسْرَى الله به ليلا من مكةَ إلى المسجدِ الأقصى.
وأمَّا المعْراجُ فقدْ ثبتَ بنَصّ الأحَاديثِ2 . وأمَّا القرءانُ فلم ينُصَّ عليهِ نصًّا صَريحًا لا يَحتمِلُ تأويْلا لكنَّهُ وردَ فيه مَا يَكَادُ يَكُونُ نَصًّا صَرِيحًا.
فالإسْراءُ قَد جاءَ فيه قَولُه تَعالى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَاتِنَا (1)﴾ [سورة الإسراء].
فإنْ قيلَ قولُه ﴿وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)﴾ يحتَمِلُ أن يكونَ رؤيةً منامِيَّةً، قلْنَا هذَا تأويلٌ ولا يَسُوغُ تأْويلُ النَّصّ أي إخراجُهُ عن ظَاهرِهِ لغيرِ دليلٍ عَقليّ قاطِعٍ أو سَمْعِيّ ثابتٍ كما قالَهُ الرَّازِيُّ في "المحْصُولِ"3 وغيرُهُ من الأصوليينَ. ولَيْسَ هنَا دليلٌ على ذلكَ.
وقَد روى مُسْلمٌ4 عن أنس بن مَالكٍ رضيَ الله عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال "أُتِيتُ بالبُراقِ5 وهوَ دابَّةٌ أبيَضُ طَويلٌ فَوقَ الحمارِ ودُوْنَ البَغْلِ يضَعُ حافِرَهُ عندَ منتَهَى طرْفِهِ6 ، قالَ: فركِبْتُه حتّى أتيتُ بيتَ المقْدِسِ فَربَطتُهُ بالحلَقَةِ التي يَربِطُ بها الأنبياءُ، قال: ثم دخَلْتُ المسجِدَ فَصلَّيتُ فيه ركْعتينِ، ثمَّ خَرجْتُ فجاءَني جبريلُ عليه السلام بإناءٍ من خَمرٍ7 وإنَاءٍ منْ لَبَنٍ8 فاختَرتُ اللّبَنَ، فقالَ جبريلُ عليه السلامُ: "اختَرْتَ الفِطْرَةَ9 قال: ثمّ عَرَجَ بنَا إلى السَّماءِ" إلى ءاخِرِ الحديثِ.
وفي الحديثِ دَليلٌ على أنَّ الإسْراءَ والمعْراجَ كانَا في ليلةٍ واحدةٍ برُوْحِهِ وجَسَدِهِ يقَظَةً إذْ لم يَقلْ أحَدٌ إنَّهُ وَصَلَ إلى بَيْتِ المقْدِسِ ثُمَّ نَامَ.
------------------