دُفِنَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِن وَسَطِ اللّيْلِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ ودُفِنَ في اللَّحْدِ، (واللحد هو الشَّق في جانب القبر) وبُنِيَ عليهِ صلى الله عليه وسلم في لحْدِهِ اللّبنُ (وهو ما يعمل من الطين ويُبْنى به) ثم أهالوا عليه صلى الله عليه وسلم الترابَ، وجُعِلَ قَبْرُهُ الشريف عليهِ الصلاةُ والسلامُ مُسَطَّحًا ورُشَّ عليه الماءُ رشًّا.
وأما الذين نزلوا في قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم من الصحابة وتولَّوْا دفنه فهم: عَمُّهُ العَبَّاسُ بن عبد المطلب وعليُّ بن أبي طالب والفَضْلُ بن العباس وقُثَمُ بن العباس وشُقْرانُ مَوْلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ الصَّحَابيُّ الجليل أَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ الأنصاري البدري رضي الله عنه لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِب كَرَّمَ الله وجهه أثناء دفن النبيّ عليه الصلاة والسلام: "يَا عَلِيّ، أَنْشُدُك اللّهَ وَحَظّنَا مِن رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم" فَقَالَ لَهُ عليٌّ رضي الله عنه: انْزِلْ، فَنَزَلَ مَعَ الْقَوْمِ الذين تَوَلّوْا دَفْنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم تَطْييبًا لخاطر الأنصار ولعظيم فضلهم ومآثرهم في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته.
وَلَمَّا دَفَنَ الصحابةُ الكرام الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم قَالَت السيدة الجليلةُ فاطمةُ بنت النبيّ عليه الصلاة والسلام لأنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلبها يَعْتصر حُزْنًا على فراق أبيها المصطفى صلى الله عليه وسلم: "يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَن تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التُّرَابَ" أي ترموا التراب بأيديكم عليه صلى الله عليه وسلم.
ثم جاءتْ عليها السلام فَوَقَفتْ على قبر أبيها النبيّ المصطفى عليه الصلاة والسلام، ثم قَبَضَتْ مِن تُراب القبر الشريف المبارك الطيّب وَوَضَعتْ منه على عَيْنيها تَبركًا به وتَيَمّنًا، ثم بكتْ بكاءً مريرًا وأنشأتْ تقول حَزينة وكلها شوق إلى أبيها المصطفى عليه الصلاة والسلام:
مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُربةَ أحمدٍ ***** أنْ لا يَشَمَّ مَدى الزمانِ غَوالِيَا(1)
صُبَّتْ عليَّ مَصَائبٌ لَوْ أَنَّهَا ***** صُبَّتْ عَلَى الأيَّامِ عُدْنَ ليَاليَا
-------------