واعلم أن الكفرَ ثلاثةُ أبوابٍ: إمّا تشبيهٌ، أو تكذيبٌ، أو تعطيلٌ.
أحدُها التشبيهُ: أي تشبيهُ الله بخلْقِه كمن يصفُه بالحدوثِ أو الفناءِ أو الجسمِ أو اللونِ أو الشكلِ أو الكمّية أي مِقدار الحَجْم أما ما ورَد في الحديثِ "إن الله جميلٌ" فليس معناهُ جميلَ الشكلِ وإنّما معناهُ جميلُ الصّفاتِ أو محسنٌ.
ثانيها التكذيبُ: أي تكذيبُ ما وردَ في القرءانِ الكريم أو ما جاءَ به الرسولُ صلى الله عليه وسلم على وجهٍ ثابتٍ وكان مما عُلِم من الدين بالضرورةِ كاعتقادِ فَنَاءِ الجنّةِ والنار، أو أن الجنةَ لذاتٌ غيرُ حسّيةٍ وأنّ النارَ ءالامٌ معنويّةٌ، أو إنكارِ بعثِ الأجسادِ والأرواح معًا أو إنكارِ وجوب الصلاةِ أو الصيامِ أو الزكاةِ، أو اعتقادِ تحريمِ الطّلاق أو تحليلِ الخمرِ وغيرِ ذلك ممّا ثبتَ بالقطعِ وظهرَ بين المسلمين.
وهذا بخلافِ من يَعتقدُ بوجوبِ الصلاةِ عليه مثلا لكنه لا يصلي فإنه يكونُ عاصيًا لا كافرًا كمن يعتقدُ عَدمَ وجوبِها عليهِ.
ثالثُها التعطيلُ: أي نفيُ وجودِ الله وهو أشدُّ الكفرِ.
وحكمُ من يُشبّهُ الله تعالى بخلقِهِ التكفيرُ قطعًا.
والسَّبِيلُ إلى صَرفِ التَّشبِيهِ اتباعُ هذِهِ القَاعِدَةِ القَاطِعَةِ: "مَهْما تَصَوَّرتَ ببَالِكَ فَالله بِخِلافِ ذَلِكَ" وَهِيَ مُجمَعٌ عَلَيها عِندَ أهلِ الحَقّ، وهي مَأخُوذَةٌ مِن قَولِهِ تَعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ (11)﴾ [سورة الشورى].
ومُلاحَظَةُ مَا رُويَ عن الصّدّيقِ (شِعرٌ من البَسِيْط)
العَجْزُ عَنْ دَرَكِ الإدْرَاكِ إدْرَاكُ والبَحثُ عنْ ذَاتِه كُفرٌ وإشراكُ1
وقولِ بَعْضِهم: لا يَعْرفُ الله على الحقِيقَةِ إلا الله تعالى.
ومَعرِفتُنا نحنُ بالله تَعالى لَيْسَتْ عَلى سَبِيْلِ الإحَاطَةِ بلْ بمَعْرِفَةِ مَا يَجِبُ لله تَعَالى كوُجُوبِ القِدَم لَهُ، وتَنْزيهِهِ عَمَّا يَستحيلُ علَيه تَعالى كاسْتِحالةِ الشّريكِ لهُ وما يجوزُ في حقّه تعالى كَخلْقِ شَىءٍ وتركِه.
قالَ الإمامُ الرفاعيُّ 2 3 : "غايةُ المعْرفةِ بالله الإيقانُ بوجُودِه تعالى بلا كيفٍ ولا مَكانٍ".
------------------