الْوَاجِبَاتُ الْقَلْبِيَّةُ
بَعْدَمَا تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُعَامَلاتِ وَمِنْهَا النِّكَاحُ وَالنَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ شَرَعَ فِي الْكَلامِ عَلَى وَاجِبَاتِ الْقَلْبِ فَقَالَ (فَصْلٌ) فِي بَيَانِ الْوَاجِبَاتِ الْقَلْبِيَّةِ وَهِيَ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ.
(مِنَ الْوَاجِبَاتِ الْقَلْبِيَّةِ الإِيْمَانُ بِاللَّهِ) أَيِ الإِيْمَانُ الْجَازِمُ بِوُجُودِهِ تَعَالَى عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ وَهُوَ مَعَ الإِيْمَانِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآتِي ذِكْرُهُ أَصْلُ الْوَاجِبَاتِ، (وَ) الإِيْمَانُ (بِمَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ) مِنَ الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَالأَخْبَارِ بِأَنَّهَا حَقٌّ (وَالإِيْمَانُ بِرَسُولِ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا (وَبِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنَ الأَحْكَامِ وَالأَخْبَارِ، (وَالإِخْلاصُ وَهُوَ الْعَمَلُ بِالطَّاعَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ) أَيْ أَنْ يُخْلِصَ النِّيَّةَ مِنْ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا عِنْدَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَحْمَدَةَ النَّاسِ وَالنَّظَرَ إِلَيْهِ بِعَيْنِ الاِحْتِرَامِ، (وَالنَّدَمُ عَلَى الْمَعَاصِي) أَيْ أَنْ يَسْتَشْعِرَ فِي قَلْبِهِ النَّدَمَ لأِنَّهُ عَصَى اللَّهَ وَهَذَا وَاجِبٌ فِي الْمَعَاصِي كُلِّهَا سَوَاءٌ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ صَغِيرَةً أَمْ كَبِيرَةً، (وَالتَّوَكُّلُ) أَيِ الاِعْتِمَادُ (عَلَى اللَّهِ) وَحْدَهُ (وَالْمُرَاقَبَةُ لِلَّهِ) وَهِيَ اسْتِدَامَةُ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْقَلْبِ بِحَيْثُ يَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى أَدَاءِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ وَتَرْكِ مَا حَرَّمَهُ، (وَالرِّضَا عَنْ) تَقْدِيرِ (اللَّهِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ لَهُ وَتَرْكِ الاِعْتِرَاضِ) عَلَيْهِ فِي شَىْءٍ مِمَّا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ سَوَاءٌ كَانَ حُلْوًا أَمْ مُرًّا، (وَتَعْظِيمُ شَعَائِرِ اللَّهِ) بِأَنْ يُنْزِلَهَا الْمَنْزِلَةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا لا دُونَهَا وَلا يَسْتَهِينَ بِهَا بِإِنْزَالِهَا دُونَ الْمَنزِلَةِ الَّتِى أَمَرَ اللهُ بِهَا، (وَالشُّكْرُ عَلَى نِعَمِ اللَّهِ) الشُّكْرَ الْوَاجِبَ (بِمَعْنَى عَدَمِ اسْتِعْمَالِهَا فِي مَعْصِيَةِ) الْمُنْعِمِ، (وَالصَّبْرُ) وَهُوَ حَبْسُ النَّفْسِ وَقَهْرُهَا عَلَى مَكْرُوهٍ تَتَحَمَّلُهُ أَوْ لَذِيذٍ تُفَارِقُهُ وَهُوَ أَقْسَامٌ ثَلاثٌ أَوَّلُهَا الصَّبْرُ (عَلَى أَدَاءِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ) كَالصَّلاةِ (وَ) ثَانِيهَا (الصَّبْرُ عَنْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى) كَالصَّبْرِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ النَّظَرَ إِلَيْهِ وَعَنِ الزِّنَى (وَ) ثَالِثُهَا (الصَّبْرُ عَلَى مَا ابْتَلاكَ اللَّهُ بِهِ) مِنَ الْمَصَائِبِ وَالْبَلايَا بِمَعْنَى عَدَمِ الاِعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ أَوِ الدُّخُولِ فِيمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، (وَبُغْضُ الشَّيْطَانِ) أَيْ كَرَاهِيَّتُهُ وَالشَّيطَانُ هُوَ الكَافِرُ مِنَ الجِنِّ أَبُوهُمُ الأَكبَرُ إِبلِيسُ، (وَبُغْضُ الْمَعَاصِي) لأِنَّ اللَّهَ ذَمَّهَا وَحَرَّمَ عَلَيْنَا فِعْلَهَا، (وَمَحَبَّةُ اللَّهِ) بِتَعْظِيمِهِ التَّعْظِيمَ الْوَاجِبَ وَالتَّذَلُّلِ لَهُ غَايَةَ التَّذَلُّلِ، (وَمَحَبَّةُ كَلاَمِهِ) أَيِ الْقُرْءَانِ بِالإِيْمَانِ بِهِ، (وَ) مَحَبَّةُ (رَسُولِهِ) مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَعْظِيمِهِ التَّعْظِيمَ اللاَّزِمَ وَمَحَبَّةُ سَائِرِ إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ (وَ) مَحَبَّةُ (الصَّحَابَةِ) مِنْ حَيْثُ الإِجْمَالُ بِمَعْنَى تَعْظِيمِهِمْ فَإِنَّهُمْ أَنْصَارُ دِينِ اللَّهِ وَلا سِيَّمَا السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْهُمْ وَالصَّحَابَةُ جَمعُ صَحَابِىٍ وَهُوَ مَنْ إِجتَمَعَ مُؤمِنًا بِالنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ العَادَةِ وَمَاتَ عَلىَ ذَلِكَ (وَ) مَحَبَّةُ (الآلِ) وَهُمْ أَزْوَاجُهُ وَأَقْرِبَاؤُهُ الْمُؤْمِنُونَ وَذَلِكَ لِمَا خُصُّوا بِهِ مِنَ الْفَضْلِ وَقَرَابَةِ أَفْضَلِ خَلْقِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَ) مَحَبَّةُ (الصَّالِحِينَ) لأَنَّهُم أَحْبَابُ اللَّهِ لِمَا لَهُمْ مِنَ الْقُرْبِ إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ الْكَامِلَةِ.