كتب ومتون قصص الأنبياء
 دعوة عيسى عليه الصلاة والسلام والكتاب الذي أُنزل عليه وأتباعه المؤمنون

دعوة عيسى عليه الصلاة والسلام والكتاب الذي أُنزل عليه وأتباعه المؤمنون

قصص الأنبياء

قصص_الأنبياء أرسل الله تبارك وتعالى عيسى إلى بني إسرائيل يدعوهم لدين الإسلام وعلّمه التوراة وأنزل عليه كتابًا سماويًّا وهو الإنجيل الذي فيه دعوة إلى الإيمان بالله الواحد الأحد خالق كل شىء وإلى الإيمان بأن عيسى عبد الله ورسوله، وفيه بيان أحكام شريعته، وفيه البشارة بنبي ءاخر الزمان وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وفيه أيضًا تحريم الربا وكل ضار للعقل أو البدن وأكل لحم الخنزير، وفيه الأمر بالصلاة والصيام وغير ذلك من أمور الدين، وكان أصل دعوته شيئين إفرادُ الله بالعبادة والإيمان به أنه نبيه، ولم يسم نفسه ابنا لله ولا سمى الله أبًا له وإنما المذاهب الثلاثة التي هي أصول اختلاف النصارى في عيسى عليه السلام هي من تأليف بولس، وكانت أول كلمة أنطقه الله تعالى بها وهو في المهد ﴿إني عبد الله﴾ حيث اعترف بالعبودية لله تعالى وحده رب كل شىء وخالق كل شىء. ولقد حَذَّر عيسى المسيح عليه السلام قَومَه بني إسرائيل من الكفر والإشراك وبَيَّن لهم أنه من يشرك بالله تعالى فقد حرّم الله تعالى عليه الجنة ومأواه نار جهنم خالدًا فيها أبدًا، قال الله عز وجل: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ [سورة المائدة/72]، أي ليس للكافرين أنصار يحمونهم من عذاب الله في الآخرة.
كان أتباعُ عيسى المسيح عليه السلام الذين صدّقوه واتبعوه وءامنوا به مسلمين مؤمنين، وكان من أتباعه وتلامذته وصفوته وخاصته "الحواريون" الذين كانوا أعوانًا له ينشرون دعوته وشرعه ويعلمون الناس الخير وتعاليم الشرع الحنيف الذي أوحي به إلى عيسى عليه الصلاة والسلام، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ ءامِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ ءامَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ [سورة المائدة/111] وإنما طلبوا شهادة عيسى ابن مريم عليه السلام بإسلامهم تأكيدًا على إيمانهم، لأن الرسل والأنبياء يشهدون يوم القيامة لقومهم وعليهم، وفي هذا دليل أيضًا على أن الإسلام والإيمان متلازمان.
يقول الله تبارك وتعالى في بيان حال عيسى وأمه مريم عليهما السلام: ﴿مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [سورة المائدة/75].
ويقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ [سورة الصف/6].
وقال الله عز وجلّ في بيان الكتاب الذي أنزله على نبيه عيسى ابن مريم عليهما السلام: ﴿وَقَفَّيْنَا عَلَى ءاثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَءاتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [سورة المائدة/46].
وقال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءامَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ [سورة الصف/14]. أولئك أمّة عيسى عليه السلام الصادقون الذين كانوا على هدي نبيهم عيسى عليه السلام وعلى طريقته وتعاليمه حتى بعد رفعه إلى السماء إلى مائتي سنة، ثم بعد ذلك صار عدد المؤمنين منهم ينقصُ شيئًا فشيئا وصار يكثر الذين يعبدون عيسى عليه السلام ويحرّفون ما جاء به من تعاليم سماوية.
فائدة: يروى أن التوراة أنزلت على موسى لست ليال خلون من شهر رمضان، وأنزل الزبور على داود لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان وذلك بعد التوراة بأربعمائة واثنتين وثمانين سنة، وأنزل الأنجيل على عيسى لثماني عشرة ليلة خلت من شهر رمضان بعد الزبور بألف عام وخمسين عامًا، وأنزل الفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم لأربع وعشرين من شهر رمضان.
تنبيه: الرهبانية التي ابتدعها أتباع المسيح عليه الصلاة والسلام ومدحهم الله عليها يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ﴾ [سورة الحديد/27] فالله تبارك وتعالى مدح في هذه الآية الذين كانوا من أمّة عيسى المسلمين المؤمنين المتّبعين لنبيهم عيسى عليه السلام بالإيمان والتوحيد وكانوا صادقين لأنهم كانوا أهل رأفة ورحمة ولأنهم ابتدعوا بدعة حسنة وهي "الرهبانية"، وهذه الرهبانية هي الانقطاع عن الشهوات حتى أنهم انقطعوا عن الزواج رغبة في تجردهم لعبادة خالقهم، فقوله تعالى: ﴿مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ﴾ أي نحن ما فرضناها عليهم إنما هم أرادوا التقرب إلى الله تعالى، فالله تعالى مدح هؤلاء الصادقين من أتباع عيسى عليه السلام على ما ابتدعوا مما لم يُنصَّ لهم عليه في الإنجيل الذي أُنزل على نبيهم عيسى عليه السلام ولا قال لهم المسيح عليه السلام افعلوا هذه الرهبانية وإنما هم أرادوا المبالغة في طاعة الله تعالى والتجرد لعبادته بترك الانشغال بالزواج ونفقة الزوجة والأهل، لذلك كانوا يبنون الصوامعَ وهي البيوت الخفيفة من طين أو من غير ذلك على المواضع المنعزلة عن البلد ليتجردوا لعبادة خالقهم سبحانه وتعالى.
فائدة: بعد رفع عيسى عليه السلام إلى السماء بمائتي سنة حُرّف دينه القويم وحُرّفت معاني الإنجيل الذي أنزل عليه، ثم عمد هؤلاء المحرّفون إلى تحريف ألفاظه فحذفوا منه أغلب الألفاظ، وصار أحدهم يكتب إنجيلا ويقول: هذا هو الإنجيل الأصلي، حتى كثر عددها وبلغت إلى نحو سبعين كتابًا كلها باسم الإنجيل المنزل فجمعهم الملك "قُسطنطين" الذي كان في الأصل وثنيًّا ثم دخل في دين المحرّفين وطلب منهم أن يجمعوا أمرهم، فاتفقوا على أربعة كتب كلها فيها تحريفٌ للإنجيل الأصلي الذي أُنزل على نبي الله عيسى عليه السلام، ثم أحرقوا بقية الكتب وانقسموا نحو سبعين فرقة، قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَىْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [سورة المائدة/68]. ثم بعد ذلك صار المسلمون من أتباع عيسى يفرون بدينهم إلى الجبال يعبدون الله تعالى وحده، ومع مرور الأيام قلّوا حتى لم يبق منهم أحد بعد ذلك لا في الجبال ولا في المدن وهذا قبل بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وقد مدح الله تعالى في القرءان الأولين من ترهبوا مع التوحيد والإيمان على شريعة عيسى وذم الآخرين الذين قلدوهم على غير ما كانوا عليه في الحقيقة فقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ ءامَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [سورة الحديد/27].

قصص الأنبياء

قائمة قصص الأنبياء