الْمُعْجِزَةُ

بسم الله الرحمن الرحيم

اعْلَمْ أَنَّ السَّبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ النَّبِيِّ الْمُعْجِزَةُ.
الشَّرْحُ بِالْمُعْجِزَةِ يُعْرَفُ النَّبِيُّ فَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَكَانَتْ لَهُ مُعْجِزَةٌ، وَمَعْنَى الْمُعْجِزَةِ الْعَلامَةُ الشَّاهِدَةُ الَّتِي تَشْهَدُ أَنَّ هَذَا الإِنْسَانَ الَّذِي يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ إِنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَأَنَّهُ صَادِقٌ، وَقَدْ أُعْطِيَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى قِيلَ إِنَّ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي حَصَلَتْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بَيْنَ الأَلْفِ وَالثَّلاثَةِ ءَالافٍ عَدَدًا، وَأَعْظَمُ الْمُعْجِزَاتِ مُعْجِزَةُ الْقُرْءَانِ الْكَرِيمِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "مَا أَعْطَى اللَّهُ نَبِيًّا مُعْجِزَةً إِلَّا وَأَعْطَى مُحَمَّدًا مِثْلَهَا أَوْ أَعْظَمَ مِنْهَا" [انْظُرْ ءَادَابَ الشَّافِعِيِّ وَمَنَاقِبَهُ]. فَمَنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ شَيْئًا مِنْ مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ يَكُونُ مُقَصِّرًا تَقْصِيرًا كَبِيرًا.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهِيَ أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ.
الشَّرْحُ أَيْ هِيَ أَمْرٌ مُخَالِفٌ وَمُنَاقِضٌ لِلْعَادَةِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَأْتِي عَلَى وَفْقِ دَعْوَى مَنِ ادَّعَوِا النُّبُوَّةَ.
الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ الْخَارِقَ يُوَافِقُ دَعْوَى ذَلِكَ النَّبِيِّ فَمَا لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لِلدَّعْوَى لا يُسَمَّى مُعْجِزَةً كَالَّذِي حَصَلَ لِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ مِنْ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى وَجْهِ رَجُلٍ أَعْوَرَ فَعَمِيَتِ الْعَيْنُ الأُخْرَى فَإِنَّ هَذَا الَّذِي حَصَلَ مُنَاقِضٌ لِدَعْوَاهُ وَلَيْسَ مُوَافِقًا.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: سَالِمٌ مِنَ الْمُعَارَضَةِ بِالْمِثْلِ.
الشَّرْحُ أَيْ لا يَسْتَطِيعُ الْمُكَذِّبُونَ أَنْ يَفْعَلُوا مِثْلَهُ، فَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَقَارَنَ دَعْوَاهُ خَارِقٌ ثُمَّ ادَّعَى ءَاخَرُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَيْسَ بِنَبِيٍّ وَأَظْهَرَ خَارِقًا مِثْلَهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الأَوَّلَ لَيْسَ بِنَبِيٍّ.
تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ الْمُعْجِزَةُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مَقْرُونَةً بِالتَّحَدِّي وَإِنَّمَا مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ صَالِحَةً لِلتَّحَدِّي.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَمَا كَانَ مِنَ الأُمُورِ عَجِيبًا وَلَمْ يَكُنْ خَارِقًا لِلْعَادَةِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزَةٍ. وَكَذَلِكَ مَا كَانَ خَارِقًا لَكِنَّهُ لَمْ يَقْتَرِنْ بِدَعْوَى النُّبُوَّةِ كَالْخَوَارِقِ الَّتِي تَظْهَرُ عَلَى أَيْدِي الأَوْلِيَاءِ أَتْبَاعِ الأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعْجِزَةٍ بَلْ يُسَمَّى كَرَامَةً.
الشَّرْحُ الَّذِي يَتَّبِعُ النَّبِيَّ بِصِدْقٍ اتِّبَاعًا تَامًّا يُؤَدِّي الْوَاجِبَاتِ وَيَجْتَنِبُ الْمُحَرَّمَاتِ وَيُكْثِرُ مِنَ النَّوَافِلِ الأَمْرُ الْخَارِقُ الَّذِي يَظْهَرُ عَلَى يَدِهِ يُقَالُ لَهُ كَرَامَةٌ وَلا يُقَالُ لَهُ مُعْجِزَةٌ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لا يَدَّعِي أَنَّهُ نَبِيٌّ وَإِلَّا لَمَا حَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ الْخَوَارِقُ، وَكُلُّ كَرَامَةٍ تَحْصُلُ لِهَذَا الْوَلِيِّ فَهِيَ مُعْجِزَةٌ لِلنَّبِيِّ الَّذِي يَتَّبِعُهُ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكَذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الْمُعْجِزَةِ مَا يُسْتَطَاعُ مُعَارَضَتُهُ بِالْمِثْلِ كَالسِّحْرِ فَإِنَّهُ يُعَارَضُ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ.
الشَّرْحُ السِّحْرُ لا يُسَمَّى مُعْجِزَةً لِأَنَّ السِّحْرَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ سَاحِرٌ ءَاخَرُ مِثْلَهُ، أَمَّا الْمُعْجِزَةُ لا يَسْتَطِيعُ الْمُعَارِضُونَ أَنْ يَفْعَلُوا مِثْلَهَا، أَمَّا غَيْرُ الْمُعَارِضِينَ مِنْ أَتْبَاعِ الأَنْبِيَاءِ كَالأَوْلِيَاءِ هَؤُلاءِ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُظْهِرُوا أَمْرًا يُشْبِهُ الْمُعْجِزَةَ لِأَنَّ هَؤُلاءِ لا يُعَارِضُونَ النَّبِيَّ بَلْ يُصَدِّقُونَهُ وَيَتَّبِعُونَهُ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْمُعْجِزَةُ قِسْمَانِ قِسْمٌ يَقَعُ بَعْدَ اقْتِرَاحٍ مِنَ النَّاسِ عَلَى الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَقِسْمٌ يَقَعُ مِنْ غَيْرِ اقْتِرَاحٍ.
الشَّرْحُ بَعْضُ الأَنْبِيَاءِ مُعْجِزَاتُهُمْ تَظْهَرُ عِنْدَمَا يَطْلُبُ مِنْهُمُ النَّاسُ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ، وَبَعْضٌ مِنْ دُونِ اقْتِرَاحٍ يَظْهَرُ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنْ دُونِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ أَحَدٌ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَالأَوَّلُ نَحْوُ نَاقَةِ صَالِحٍ الَّتِي خَرَجَتْ مِنَ الصَّخْرَةِ. اقْتَرَحَ قَوْمُهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا مَبْعُوثًا إِلَيْنَا لِنُؤْمِنَ بِكَ فَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ نَاقَةً وَفَصِيلَهَا فَأَخْرَجَ لَهُمْ نَاقَةً مَعَهَا فَصِيلُهَا أَيْ وَلَدُهَا ]روي أنهم اقترحوا تعيين خروج الناقة من تلك الصخرة فروي أن الجبل تمخض كالحامل وانصدع الحجر، وخرجت منه ناقة بفصيلها، روي وأنها خرجت عُشراء ووضعت بعد خروجها. ينظر تفسير ابن عطية (185/3)[ فَانْدَهَشُوا فَآمَنُوا بِهِ.
الشَّرْحُ إِنَّ مِمَّا جَاءَ فِي قِصَّةِ قَوْمِ صَالِحٍ أَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَالِحٍ أَنْ يُظْهِرَ لَهُمْ مُعْجِزَةً وَهِيَ أَنْ يُخْرِجَ لَهُمْ نَاقَةً مَعَهَا وَلَدُهَا مِنَ الصَّخْرَةِ فَأَخْرَجَ لَهُمْ ثُمَّ حَذَّرَهُمْ أَنْ يَتَعَرَّضُوا لَهَا، وَكَانَ مِمَّا امْتُحِنَ بِهِ قَوْمُ صَالِحٍ أَنْ جَعَلَ الْيَوْمَ الَّذِي تَرِدُ فِيهِ نَاقَةُ صَالِحٍ الْمَاءَ لا تَرِدُ مَوَاشِيهِمُ الْمَاءَ وَكَانَتْ هَذِهِ النَّاقَةُ تَكْفِيهِمْ بِحَلِيبِهَا فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَتَآمَرَ تِسْعَةُ أَشْخَاصٍ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يَقْتُلُوهَا فَقَتَلُوهَا وَبَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ نَزَلَ بِهِمُ الْعَذَابُ فَمَحَاهُمْ قَالَ تَعَالَى ﴿فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [سُورَةَ فُصِّلَتْ].
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَاذِبًا فِي قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ لَمْ يَأْتِ بِهَذَا الأَمْرِ الْعَجِيبِ الْخَارِقِ لِلْعَادَةِ الَّذِي لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُعَارِضَهُ بِمِثْلِ مَا أَتَى بِهِ، فَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ وَلا يَسَعُهُمْ إِلَّا الإِذْعَانُ وَالتَّصْدِيقُ لِأَنَّ الْعَقْلَ يُوجِبُ تَصْدِيقَ مَنْ أَتَى بِمْثِلِ هَذَا الأَمْرِ الَّذِي لا يُسْتَطَاعُ مُعَارَضَتُهُ بِالْمِثْلِ مِنْ قِبَلِ الْمُعَارِضِينَ، فَمَنْ لَمْ يُذْعِنْ وَعَانَدَ يُعَدُّ مُهْدِرًا لِقِيمَةِ الْبُرْهَانِ الْعَقْلِيِّ.

مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي حَصَلَتْ لِمَنْ قَبْلَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي حَصَلَتْ لِمَنْ قَبْلَ مُحَمَّدٍ عَدَمُ تَأْثِيرِ النَّارِ الْعَظِيمَةِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ حَيْثُ لَمْ تُحْرِقْهُ وَلا ثِيَابَهُ.
الشَّرْحُ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَرَادَ مِنْهُ قَوْمُهُ أَنْ يَتْرُكَ دِينَهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ وَيَتَّبِعَ دِينَهُمُ الْبَاطِلَ لِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ فَأَبَى فَأَضْرَمُوا لَهُ نَارًا عَظِيمَةً مَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قُوَّتِهَا أَنْ يَقْتَرِبُوا مِنْهَا فَقَذَفُوهُ إِلَيْهَا بِالْمِنْجَنِيقِ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَلَّمَهُ فَكَانَتِ النَّارُ بَرْدًا وَسَلامًا عَلَيْهِ فَلَمْ تُحْرِقْهُ وَلا ثِيَابَهُ وَإِنَّمَا أَحْرَقَتِ الْقَيْدَ الَّذِي قَيَّدُوهُ بِهِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمِنْهَا انْقِلابُ عَصَا مُوسَى ثُعْبَانًا حَقِيقِيًّا ثُمَّ عَوْدُهَا إِلَى حَالَتِهَا بَعْدَ أَنِ اعْتَرَفَ السَّحَرَةُ الَّذِينَ أَحْضَرَهُمْ فِرْعَوْنُ لِمُعَارَضَتِهِ وَأَذْعَنُوا فَآمَنُوا بِاللَّهِ وَكَفَرُوا بِفِرْعَوْنَ وَاعْتَرَفُوا لِمُوسَى بِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا جَاءَ بِهِ.
الشَّرْحُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لِسَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ انْقِلابُ عَصَاهُ ثُعْبَانًا حَقِيقِيًّا وَذَلِكَ لَمَّا تَحَدَّى فِرْعَوْنُ سَيِّدَنَا مُوسَى، فَجَمَعَ فِرْعَوْنُ سَبْعِينَ سَاحِرًا مِنْ كِبَارِ السَّحَرَةِ الَّذِينَ عِنْدَهُ فَأَلْقَوِا الْحِبَالَ الَّتِي فِي أَيْدِيهِمْ فَخُيِّلَ لِلنَّاسِ أَنَّهَا حَيَّاتٌ تَسْعَى، فَأَلْقَى سَيِّدُنَا مُوسَى بِعَصَاهُ فَانْقَلَبَ الْعَصَا ثُعْبَانًا حَقِيقِيًّا أَكَلَ تِلْكَ الْحِبَالَ الَّتِي رَمَاهَا السَّحَرَةُ فَعَرَفَ السَّحَرَةُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ السِّحْرِ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ لا يَسْتَطِيعُونَ مُعَارَضَتَهُ بِالْمِثْلِ فَقَالُوا ءَامَنَّا بِرَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ، فَغَضِبَ فِرْعَوْنُ لِأَنَّهُمْ ءَامَنُوا قَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ وَتَرَكُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ فَهَدَّدَهُمْ فَلَمْ يَرْجِعُوا عَنِ الإِيـمَانِ بِرَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ فَقَتَلَهُمْ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمِنْهَا مَا ظَهَرَ لِلْمَسِيحِ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَذَلِكَ لا يُسْتَطَاعُ مُعَارَضَتُهُ بِالْمِثْلِ فَلَمْ تَسْتَطِعِ الْيَهُودُ الَّذِينَ كَانُوا مُولَعِينَ بِتَكْذِيبِهِ وَحَرِيصِينَ عَلَى الِافْتِرَاءِ عَلَيْهِ أَنْ يُعَارِضُوهُ بِالْمِثْلِ. وَقَدْ أَتَى أَيْضًا بِعَجِيبَةٍ أُخْرَى عَظِيمَةٍ وَهِيَ إِبْرَاءُ الأَكْمَهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ مُعَارَضَتَهُ بِالْمِثْلِ مَعَ تَوَفُّرِ الطِّبِّ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ، فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ فِي كُلِّ مَا يُخْبِرُ بِهِ مِنْ وُجُوبِ عِبَادَةِ الْخَالِقِ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ إِشْرَاكٍ بِهِ وَوُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ فِي الأَعْمَالِ الَّتِي يَأْمُرُهُمْ بِهَا.
الشَّرْحُ سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي ظَهَرَتْ عَلَى يَدَيْهِ إِحْيَاءُ الْمَوْتَى، وَالَّذِي حَصَلَ أَنَّهُ كَانَ مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ مَحْمُولًا عَلَى النَّعْشِ يَذْهَبُونَ بِهِ فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى سَيِّدُنَا الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يُحْيِيَهُ فَأَحْيَاهُ اللَّهُ، رَأَى الْيَهُودُ ذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ قَالُوا لَهُ أَنْتَ سَاحِرٌ.
وَكَذَلِكَ كَانَ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ إِبْرَاءُ الأَكْمَهِ أَيِ الَّذِي وُلِدَ أَعْمَى، فَقَدْ كَانَ يُؤْتَى لَهُ بِالأَعْمَى فَيَمْسَحُ لَهُ عَلَى وَجْهِهِ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ فَيَتَعَافَى.
وَكُلُّ هَذِهِ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ هَؤُلاءِ الأَنْبِيَاءِ وَمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ وُجُوبِ الإِيـمَانِ بِاللَّهِ وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ إِشْرَاكٍ بِهِ وَوُجُوبِ طَاعَتِهِمْ فِيمَا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِهِ. فَظَهَرَ بُطْلانُ قَوْلِ بَعْضِ الْمُلْحِدِينَ فِي هَذَا الْعَصْرِ إِنَّ مَا أَتَى بِهِ مُحَمَّدٌ وَعِيسَى مِنَ الْمُعْجِزَاتِ هُوَ تَخْدِيرٌ لِأَفْكَارِ النَّاسِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ السِّحْرِ، وَبُطْلانُ هَذَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ السِّحْرَ يُعَارَضُ بِالْمِثْلِ وَهَذَا الَّذِي يُظْهِرُهُ اللَّهُ عَلَى أَيْدِي الأَنْبِيَاءِ مِنَ الْخَوَارِقِ لا يُعَارَضُ بِالْمِثْلِ مِنْ قَبِيلِ السَّحَرَةِ، إِنَّمَا كَلامُ هَذَا الْمُلْحِدِ تَمْوِيهٌ عَلَى ضُعَفَاءِ الْعُقُولِ لِأَنَّ هَؤُلاءِ الْعَوَامَّ لا يَعْرِفُونَ الْمَعْنَى الْفَارِقَ بَيْنَ السِّحْرِ وَالْمُعْجِزَةِ.