مناسبات إسلامية مصيبة المسلمين بموت سيّد المرسلين
 اليومُ الأخيرُ منْ حياتِهِ صلى الله عليه وسلم

اليومُ الأخيرُ منْ حياتِهِ صلى الله عليه وسلم

مصيبة المسلمين بموت سيد المرسلين

قَالَ الصحابيُّ الجليل أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الذي كان خادمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَا هُمْ فِي صلاةِ الْفَجْرِ مِن يَوْمِ الاثْنَيْنِ (وهو اليوم الذي تُوفّي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم) وَأَبُو بَكْرٍ يُصلي لَهُمْ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي صُفُوفِ الصلاةِ ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ (أي رجع) لِيَصِلَ الصَّفَّ وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ أَن يَخْرُجَ إِلَى الصلاةِ فَقَالَ أَنَسٌ: وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَن يَفْتَتِنُوا فِي صلاتِهِمْ فَرَحًا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا صلاتَكُمْ ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ، فَتُوفّي من يومه. رواه البخاري.
وفي رواية يقول أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: "لَمّا كَانَ يَوْمُ الاثْنَيْنِ الّذِي قَبَضَ اللّهُ فِيهِ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إلَى النّاسِ (أي إلى الصحابة) وَهُمْ يُصلونَ الصّبْحَ فَرَفَعَ السّتْرَ وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ عَلَى بَابِ عَائِشَةَ فَكَادَ الْمُسْلِمُونَ يُفْتَنُونَ فِي صلاتِهِمْ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَأَوْهُ فَرَحًا بِهِ وَتَفَرّجُوا، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ صلى الله عليه وسلم أَن اثْبُتُوا عَلَى صلاتِكُمْ، قَالَ (أي أنس رضي الله عنه) فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سُرُورًا لما رَأَى مِنْ هَيْئَتِهِمْ فِي صلاتِهِم، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ هَيْئَةً مِنْهُ تِلْكَ السّاعَةَ، قَالَ (أي أنس): ثُمّ رَجَعَ وَانْصَرَفَ النّاسُ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَفْرَقَ (برئ) مِن وَجَعِهِ فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أَهْلِهِ بِالسُّنْح (وهو مِن منازل بني الحارث من الخزرج، ومَنَازلُ بني الحارثَ كانتْ في الشمال والشمال الشرقي مِنَ المسجد النبوي الشريف).
أمّا عَن كيفية حالة وفاته صلى الله عليه وسلم فقد قالت السيدة الجليلة عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ مِن نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي (والمراد أنه صلى الله عليه وسلم مَاتَ ورأسه بين حَنَكها وصدرها رضي الله عنها) ثم تابعت السيدة الجليلة عائشة كلامها فقالتْ رضي الله عنها: دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (أخو عائشة) وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ ءاخُذُهُ لَكَ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَن نَعَمْ، فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ وَقُلْتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ، فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَن نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ فَأَمَرَّهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ عليه الصلاةُ والسلامُ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ ويَقُولُ: "لا إِلَه إِلا اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "اللهمَّ أعني على سكرات الموت" ثم نَصَب يده صلى الله عليه وسلم وجَعَلَ يَقُولُ "فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى" (أي جبريل وميكائيل) حَتَّى قُبِضَ (أي مات صلى الله عليه وسلم وقُبِضَتْ روحهُ الشريفة) وَمَالَتْ يَدُهُ عليه الصلاة والسلام.
وأخبرت السيدة الجليلة عائشة رضي الله عنها أَنَّهَا: سَمِعَت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ أَن يَمُوتَ وَهُوَ مُسْنِدٌ إِلَيَّ ظَهْرَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ" رواه البخاري ومسلم.
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أيضًا قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لا يَمُوتُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ يَقُولُ: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} [سورة النساء] فَظَنَنْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ، رواه البخاري ومسلم.
وَفِي رِوَايَة صَحَّحَها ابْن حِبَّانَ: فَقَالَ - أي النبيّ صلى الله عليه وسلم -: "أَسْأَل اللَّه الرَّفِيق الْأَعْلَى الْأَسْعَد مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيل".
فائدة: الرفيقُ الأعلى جبريلُ وميكائيلُ عليهما السلام وليس الله تعالى، وقد فسره بذلك الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم فقال: "الرفيقُ الأعلى جبريلُ وميكائيل"، وبعض الناس يظنون أن الرفيق الأعلى معناه الله وهذا غلط وإن فهموا منه معنى الصحبة فهذا كفر والعياذ بالله، وأما إن فهموا من كلمة الرفيق الأعلى الله الرحيم فهذا ما فيه كفر، فالله تبارك وتعالى لا يوصف بأوصاف المخلوقات.
فائدة: ما يقوله بعض الناس أنّ جبريل عليه السلام لما جاء للرسول صلى الله عليه وسلم قُبَيل وفاته قال له: هذا ءاخر عهدك بالدنيا وءاخر عهدي بها فهو كلام غير صحيح، بل قد ينزل جبريل عليه السلام على بعض الأولياء ليس للوحي بل للفائدة للنفحة والتبريك والتنشيط على العبادة. ولمّا ماتَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وعلمتْ بنبإ موته ابنته الجليلة فاطمة الزهراء أم الحسنين رضي الله عنهم قالتْ والحزن يعتصر فؤادها: "يا أبتاهُ أَجَابَ ربًّا دَعَاهُ، يا أبتاهُ مَنْ جنّة الفردوس مَأواهُ، يا أبتاه إلى جبريل ننعاهُ".
وعن مصباح التوحيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لما رُمِسَ (أي دُفِنَ) رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جَاءَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ الله عَنهَا فوقَفَتْ على قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم وأخذَتْ قَبْضَةً مِن تُرَابِ القَبْرِ وَوَضَعَتْ علَى عَيْنِهَا وَبَكَتْ، وأنشَأَتْ تَقُولُ:
مَاذَا عَلَى مَن شَمَّ تُربةَ أحمدٍ ***** أن لا يَشَمَّ مَدى الزمانِ غَوالِيَا(1)
صُبَّتْ عليَّ مصائبٌ لَوْ أَنَّهَا ***** صُبَّتْ عَلَى الأيَّامِ عُدْنَ ليَاليَا
رواه ابن عساكر في التحفة.
فائدة: أفضل نساء العالمين مريمُ ابنة عمران أمّ النبيّ عيسى المسيح عليه السلام، ثم فاطمة عليها السلام بنت النبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم خديجة بنت خويلد زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم ءاسية بنت مزاحم زوجة فرعون موسى، ثم السيدة الجليلة عائشة بنت أبي بكر الصديق زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن.
قَالَ أَبُو سَعِيد فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّار بِسَنَدٍ جَيِّد: "وَمَا نَفَضْنَا أَيْدِينَا مِن دَفْنه حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبنَا"، يُرِيد أَنَّهُمْ وَجَدُوهَا تَغَيَّرَتْ عَمَّا عَهِدُوهُ فِي حَيَاته مِنَ الْأُلْفَة وَالصَّفَاء وَالرِّقَّة لِفِقْدَانِ مَا كَانَ يَمُدّهُمْ بِهِ مِنَ التَّعْلِيم وَالتَّأْدِيب.
-------------

1- غواليا جمع غالية وهي أخلاط مِنَ الطيب وهي من أنفس الطيب وأحسنه.

مصيبة المسلمين بموت سيّد المرسلين

قائمة مصيبة المسلمين