في الفقه الإسلامي دليل الحاج والمعتمر والزائر
 وهذه صفة القبور الكريمة

وهذه صفة القبور الكريمة

دليل الحاج والمعتمر والزائر

الحج جهة القِبلة
qabr
ثم يرجع إلى موقفه الأَول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتوسل به بحق نفسه ويتشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، فقد ثبت أن الرسول علم الصحابة أن يتوسلوا به إلى الله وهذا من القُرَب إلى الله.
ومن أَحسن ما يقول ما رواه كثير من العلماء عن العتبيّ مستحسنين له قال: كنت جالسًا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابيّ فقال: السلام عليك يا رسول الله سمعتُ الله يقول:﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64)﴾ [سورة النساء] وقد جئتك مستغفرًا من ذنبي مستشفعًا بك إلى ربي ثم أَنشأ يقول:
يا خيرَ مَنْ دُفِنَتْ بالقاع أعظُمُهُ * * * * * فطابَ من طيبهن القاعُ والأكمُ
نفسي فداءٌ لقبـرٍ أَنتَ ساكنُهُ * * * * * فيه العفافُ وفيه الـجودُ والكرمُ
أَنت الشفيعُ الذي تُرْجَى شفاعَتُهُ * * * * * عند الصراط إذا مـَا زَلَّتِ القَدَمُ
وصاحباكَ فلا أنســاهُمَا أبدًا * * * * * مِنّي السلامُ عليكمُ ما جرى القلمُ
قال: ثم انصرف فغلبتني عيناي فرأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: يا عتبيُّ الْحَقِ الأعرابيّ وبشّرْه أنَّ الله تعالى قد غفر له.
ثم يأتي الروضةَ فيكثر فيها من الدعاء والصلاة فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي"، ويقف عند المنبر ويدعو.
وقد جاء عن ابن عمر وغيره من السلف رضي الله عنهم الاقتصار جدًّا فكان ابن عمر يقول: "السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أَبا بكر، السلام عليك يا أَبتاه"، وعن مالك رحمه الله تعالى أَنه كان يقول: "السلام عليك أَيها النبي ورحمة الله وبركاته".
ثم إن كان قد أَوصاه أحد بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقل: السلام عليك يا رسول الله من فلان ابن فلان، أو فلان ابن فلان يسلم عليك يا رسول الله أو نحو هذا من العبارات، ثم يتأخر إلى صوب يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر رضي الله عنه لأن رأسه عند منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: "السلام عليك يا أبا بكر صفيَّ رسول الله وثانيه في الغار جزاك الله عن أمة نبيه صلى الله عليه وسلم خيرًا"، ثم يتأخر إلى صوب يمينه قدر ذراع للسلام على عمر رضي الله عنه فيقول: "السلام عليك يا عمر أعز الله بك الإسلام جزاك الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيرًا".
(الثامنة) يستحب أن يخرج كل يوم إلى البقيع خصوصًا يوم الجمعة ويكون ذلك بعد السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا انتهى إليه قال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد، اللهم اغفر لنا ولهم". ويزور القبور الظاهرة فيه كقبر إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعثمان، والعباس، والحسن بن علي، وعلي ابن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد وغيرهم، ويختم بقبر صفية رضي الله عنها عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في الصحيح في فضل قبور البقيع وزيارتها أحاديث كثيرة.
(التاسعة) يستحب أن يزور قبور الشهداء بأحد وأفضله يوم الخميس وابتداؤه بحمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ويبكر بعد صلاة الصبح بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(العاشرة) يستحب استحبابًا متأكدًا أن يأتي مسجد قُباء وهو في يوم السبت أولى، ناويًا التقرب بزيارته والصلاة فيه للحديث الصحيح في كتاب الترمذي وغيره عن أُسيد بن ظهير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجد قُباء كعمرة"، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قُباء راكبًا وماشيًا فيصلي فيه ركعتين"، وفي رواية صحيحة: "كان يأتيه كل سبت".
(الحادية عشر) يستحب أن يأتي بئر أريس التي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تفل فيها وهي عند مسجد قُباء فيشرب من مائها ويتوضأ منه.
(الثانية عشر) يستحب أن يأتي ما بقي من المشاهد بالمدينة وكانت نحو ثلاثين موضعًا يعرفها أهل المدينة فليقصد ما قدر عليه منها وكذا يأتي الآبار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ منها ويغتسل، فيشرب ويتوضأ وهي سبعة ءابار.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إِذا قَفَلَ من حج أو عمرة كبَّرَ على كل شرَفٍ ثلاثَ تكبيرات ثم يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير، ءايبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده"، رواه البخاري ومسلم.
ومن خصَّ مشروعية زيارة قبره لغير القاصد بالسفر وحرَّم السفر لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم وادعى أنه سفر معصية لا تقصر فيه الصلاة فلا يجوز العمل بكلامه، بل يجب نبذه والإعراض عنه.
وقد استدلوا بحديث: "لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى" لتحريم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والجواب: أن أحدًا من السلف لم يفهم هذا الفهم بل زيارة قبر الرسول سنّة سواء كانت بسفر أو بغير سفر كسكان المدينة، والحنابلة قد نصّوا كغيرهم على كون زيارة قبر النبي سنّة سواء قصدت بالسفر لأجلها أو لم تقصد بالسفر لأجلها.
وأما الحديث فمعناه الذي فهمه السلف والخلف أنه لا فضيلة زائدة في السفر لأجل الصلاة في مسجد إلا السفر إلى هذه المساجد الثلاثة، لأن الصلاة تضاعف فيها إلى مائة ألف وذلك في المسجد الحرام وإلى ألف وذلك في مسجد الرسول وإلى خمسمائة وذلك في المسجد الأقصى. فالحديث المراد به السفر لأجل الصلاة، ويبين ذلك ما رواه الإمام أحمد ابن حنبل في مسنده من طريق شهْر بن حَوْشَب من حديث أبي سعيد مرفوعًا: "لا ينبغي للمَطيّ أن تشد رحاله إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا" وهذا الحديث حسَّنه الحافظ ابن حجر، وهو مبيّن لمعنى الحديث السابق، والحديث يفسر الحديث، قال الحافظ العراقي في ألفيته في مصطلح الحديث:
وَخَيْرُ مَا فَسَّرتَهُ بالوارِدِ
قال الحافظ أبو زرعة العراقي: "(الحادية عشرة) استدل به على أنه لو نذر إتيان مسجد المدينة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لزمه ذلك لأنه من جملة المقاصد التي يؤتى لها ذلك المحل بل هو أعظمها، وقد صرح بذلك القاضي ابن كج من أصحابنا فقال: عندي إذا نذر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لزمه الوفاء وجهًا واحدًا ولو نذر أن يزور قبر غيره فوجهان. وللشيخ تقي الدين بن تيمية هنا كلام بشع عجيب يتضمن منع شد الرحل للزيارة وأنه ليس من القرب بل بضد ذلك، ورد عليه الشيخ تقي الدين السبكي في شفاء السَّقام فشفى صدور المؤمنين. وكان والدي رحمه الله يحكي أنه كان معادلا للشيخ زين الدين عبد الرحيم بن رجب الحنبلي في التوجه إلى بلد الخليل عليه السلام فلما دنا من البلد قال - أي ابن رجب -: نويت الصلاة في مسجد الخليل ليحترز عن شد الرحل لزيارته على طريقة شيخ الحنابلة ابن تيمية، قال - أي الحافظ العراقي -: فقلت: نويت زيارة قبر الخليل عليه السلام، ثم قلت له: أما أنت فقد خالفت النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" وقد شددت الرحل إلى مسجد رابع، وأما أنا فاتبعت النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قال: "زوروا القبور"، أفقال إلا قبور الأنبياء؟ قال: فبهت، قلت: ويدل على أنه ليس المراد إلا اختصاص هذه المساجد بفضل الصلاة فيها وأن ذلك لم يَرِد في سائر الأسفار" اهـ.
فائدة: يستحب طلب الاستغفار من الحاج لما رواه الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم اغفرْ للحاجّ ولمن استغفر له الحاجّ".
فائدة أخرى: يسن أن يقول في رجوعه من سفر الحج: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير، ءايبونَ عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدقَ وعده. ونَصَرَ عبده وهزم الأحزاب وحده.
هذا ءاخر الكتاب، والحمد لله أوَّلا وءاخرًا، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد خير خلقه وعلى سائر النبيين والمرسلين أَجمعين، والله نسأل خاتمة الخير لنا ولسائر أَحبابنا، وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.