مختارات من إملاءاته
عَوْدُ الرُّوحِ إِلَى الْجَسَدِ فِي الْقَبْرِ
بسم الله الرحمن الرحيم
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ عَوْدُ الرُّوحِ إِلَى الْجَسَدِ فِي الْقَبْرِ كَحَدِيثِ الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ الَّذِي رَوَاهُ الْحَاكِمُ [فِي الْمُسْتَدْرَكِ] وَالْبَيْهَقِيُّ [فِي شُعَبِ الإِيـمَانِ] وَأَبُو عُوَانَةَ وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا »مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ« رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَعَبْدُ الْحَقِّ الإِشْبِيلِيُّ وَصَحَّحَهُ [انْظُرِ الِاسْتِذْكَارَ وَالأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ].
الشَّرْحُ نَحْنُ نُؤْمِنُ بِمَا وَرَدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَوْ لَمْ نَكُنْ نَسْمَعُ رَدَّ السَّلامِ مِنَ الْمَيِّتِ لِأَنَّ اللَّهَ حَجَبَ عَنَّا ذَلِكَ، وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ حَدِيثٌ طَوِيلٌ فِيهِ: »وَيُعَادُ الرُّوحُ إِلَى جَسَدِهِ«، أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ [عَزَاهُ لَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْحَاوِي لِلْفَتَاوَى وَلَمْ نَعْثَرْ عَلَيْهِ فِي النُّسْخَةِ الْمَطْبُوعَةِ مِنَ التَّمْهِيدِ] وَالِاسْتِذْكَارِ وَصَحَّحَهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ [قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الْحَاوِي صَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ].
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ رُجُوعَ الرُّوحِ إِلَى الْبَدَنِ كُلِّهِ وَذَلِكَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَوْ إِلَى بَعْضِهِ. وَيَتَأَكَّدُ عَوْدُ الْحَيَاةِ فِي الْقَبْرِ إِلَى الْجَسَدِ مَزِيدَ تَأَكُّدٍ فِي حَقِّ الأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّهُ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »الأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ« صَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَقَرَّهُ الْحَافِظُ [ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ حَيَاةِ الأَنْبِيَاءِ وَأَنَّهُ صَحَّحَهُ ثُمَّ أَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ].
الشَّرْحُ عَوْدُ الرُّوحِ إِلَى الْجَسَدِ ثَابِتٌ فِي حَقِّ كُلِّ الأَشْخَاصِ الصَّالِحِينَ وَالطَّالِحِينَ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الأَنْبِيَاءِ فَأَقْوَى، فَقَدْ صَحَّ حَدِيثُ: »الأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ« هَذَا ثَابِتٌ لِكُلِّ نَبِيٍّ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ قَدْ يَحْصُلُ لِبَعْضِهِمْ لَكِنَّهُ لَيْسَ عَامًّا، كَمَا حَصَلَ لِلتَّابِعِيِّ الْجَلِيلِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ فَقَدْ شُوهِدَ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ يُصَلِّي.
وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ أَهْوَالِ الْقُبُورِ: »رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ [فِي حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ] بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بنُ الصِّمَّةِ الْمُهَلَّبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الَّذِينَ كَانُوا يَمُرُّونَ بِالْحَفَرِ [فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ: حَفَرُ أَبِـي مُوسَى، وَهِيَ رَكَايَا أَحْفَرَهَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ عَلَى جَادَّةِ الْبَصْرَةِ إِلَى مَكَّةَ] بِالأَسْحَارِ قَالُوا: كُنَّا إِذَا مَرَرْنَا بِجَنَبَاتِ قَبْرِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْنَا قِرَاءَةَ الْقُرْءَانِ.
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ يَسَارِ بنِ حُبَيْشٍ [فِي حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ: شَيْبَانُ بنُ جسِر] عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَنَا وَالَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَدْخَلْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ لَحْدَهُ وَمَعِي حُمَيْدٌ وَرَجُلٌ غَيْرُهُ فَلَمَّا سَوَّيْنَا عَلَيْهِ اللَّبِنَ سَقَطَتْ لَبِنَةٌ فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهَا مِنْ قَبْرِهِ فَإِذَا بِهِ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ فَقُلْتُ لِلَّذِي مَعِي: أَلا تَرَاهُ؟ قَالَ: اسْكُتْ، فَلَمَّا سَوَّيْنَا عَلَيْهِ التُّرَابَ وَفَرَغْنَا أَتَيْنَا ابْنَتَهُ فَقُلْنَا لَهَا: مَا كَانَ عَمَلُ ثَابِتٍ، قَالَتْ: وَمَا رَأَيْتُمْ، فَأَخْبَرْنَاهَا، فَقَالَتْ: كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ خَمْسِينَ سَنَةً فَإِذَا كَانَ السَّحَرُ قَالَ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَعْطَيْتَ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ الصَّلاةَ فِي قَبْرِهِ فَأَعْطِنِيهَا، فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَرُدَّ ذَلِكَ الدُّعَاءَ« اهـ.
وَرَوَى [فِي كِتَابِ أَهْوَالِ الْقُبُورِ] أَيْضًا عَنْ سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: »خَرَجْتُ أَسِيرُ وَحْدِي فَمَرَرْتُ بِقُبُورٍ مِنْ قُبُورِ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِذَا رَجُلٌ قَدْ خَرَجَ عَلَيَّ مِنْ قَبْرٍ مِنْهَا يَلْتَهِبُ نَارًا وَفِي عُنُقِهِ سِلْسِلَةٌ مِنْ نَارٍ وَمَعِي إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ فَلَمَّا رَءَانِي قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ اسْقِنِي يَا عَبْدَ اللَّهِ صُبَّ عَلَيَّ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَعَرَفَنِي أَوْ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ [أَيْ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنْ يَقُولُوا لِمَنْ لا يَعْرِفُونَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَوْ يَا أَخَا الْعَرَبِ]، إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الْقَبْرِ وَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لا تَسْقِهِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ قَالَ: فَأَخَذَ السِّلْسِلَةَ فَاجْتَذَبَهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ قَالَ: وَءَاوَانِيَ اللَّيْلُ إِلَى مَنْزِلِ عَجُوزٍ إِلَى جَانِبِ بَيْتِهَا قَبْرٌ وَقَالَ: سَمِعْتُ هَاتِفًا يَهْتِفُ بِاللَّيْلِ يَقُولُ: بَوْلٌ وَمَا بَوْلٌ شَنٌّ وَمَا شَنٌّ فَقُلْتُ لِلْعَجُوزِ: وَيْحَكِ مَا هَذَا فَقَالَتْ: زَوْجٌ لِي وَكَانَ لا يَتَنَزَّهُ مِنَ الْبَوْلِ فَأَقُولُ لَهُ وَيْحَكَ إِنَّ الْبَعِيرَ إِذَا بَالَ تَفَاجَّ [أَيْ بَاعَدَ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ] فَكَانَ لا يُبَالِي قَالَتْ: وَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: اسْقِنِي فَإِنِّي عَطْشَانُ قَالَ: عِنْدَكَ الشَّنُّ وَشَنٌّ لَنَا مُعَلَّقٌ فَقَالَ: يَا هَذَا اسْقِنِي فَإِنِّي عَطْشَانُ السَّاعَةَ أَمُوتُ، قَالَ: عِنْدَكَ الشَّنُّ قَالَتْ: وَوَقَعَ الرَّجُلُ مَيِّتًا، قَالَتْ: فَهُوَ يُنَادِي مِنْ يَوْمِ مَاتَ »بَوْلٌ وَمَا بَوْلٌ شَنٌّ وَمَا شَنٌّ«، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ فِي سَفَرِي فَنَهَى عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يُسَافِرَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ« اهـ.
فَصْلٌ وَأَمَّا مَا شُوهِدَ مِنْ نَعِيمِ الْقَبْرِ وَكَرَامَةِ أَهْلِهِ فَكَثِيرٌ أَيْضًا وَقَدْ سَبَقَ فِي الْبَابِ الأَوَّلِ وَالرَّابِعِ بَعْضُ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الرِّقَّةِ وَالْبُكَاءِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُكَيْنِ بنِ مِسْكِينٍ أَنَّ وَرَّادًا الْعَجْلِيَّ لَمَّا مَاتَ فَحُمِلَ إِلَى حُفْرَتِهِ نَزَلُوا لِيَدْفِنُوهُ فِي حُفْرَتِهِ فَإِذَا اللَّحْدُ مَفْرُوشٌ بِالرَّيْحَانِ فَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الرَّيْحَانِ فَمَكَثَ سَبْعِينَ يَوْمًا طَرِيًّا لا يَتَغَيَّرُ يَغْدُو النَّاسُ وَيَرُوحُونَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَأَخَذَهُ الأَمِيرُ وَفَرَّقَ النَّاسَ خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ فَفَقَدَهُ الأَمِيرُ مِنْ مَنْزِلِهِ لا يَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَ اهـ.
وَالْكَافِرُ يُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ الْجَنَّةِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ النَّارِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [فِي صَحِيحَيْهِمَا] عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ »إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ إِذَا انْصَرَفُوا أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولانِ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ؟ فَأَمّا الْمُؤْمِنُ - أَيِ الْكَامِلُ - فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا. وَأَمَّا الْكَافِرُ أَوِ الْمُنَافِقُ فَيَقُولُ لا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِ، فَيُقَالُ لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ«.
الشَّرْحُ الْمُسْلِمُ غَيْرُ الشَّهِيدِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مِثَالُ النَّارِ وَمِثَالُ الْجَنَّةِ فِي الْقَبْرِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا فَيَعْرِفُ فَضْلَ الإِسْلامِ حِينَ ذَلِكَ مَعْرِفَةً عِيَانِيَّةً كَمَا كَانَ يَعْرِفُ فِي الدُّنْيَا مَعْرِفَةً قَلْبِيَّةً. وَأَمَّا الْكَافِرُ مِنْ أَتْبَاعِ فِرْعَوْنَ فَيُؤْخَذُ إِلَى مَكَانٍ يَرَى مِنْهُ جَهَنَّمَ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ يُعْرَضُ عَلَيْهِمْ مِثَالُ مَقْعَدِهِمْ فِي الآخِرَةِ مِنْ جَهَنَّمَ. وَأَمَّا شَهِيدُ الْمَعْرَكَةِ فَإِنَّ رُوحَهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَوْرًا وَيَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَيَشْرَبُ مِنْ أَنْهَارِهَا فِي مُنْطَلَقٍ غَيْرِ الْمَكَانِ الَّذِي يَتَبَوَّأُهُ فِي الآخِرَةِ.
وَمَعْنَى: »لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ «أَيْ لا عَرَفْتَ، وَإِنَّمَا قِيلَ وَلا تَلَيْتَ لِتَأْكِيدِ الْمَعْنَى لِأَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ »حَسَنٌ بَسَنٌ« وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِتَأْكِيدِ الْمَعْنَى ثُمَّ إِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَضْرِبَانِهِ بِهَذِهِ الْمِطْرَقَةِ ضَرْبَةً لَوْ ضُرِبَ بِهَا الْجَبَلُ لَانْدَكَّ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ مِنْ بَهَائِمَ وَطُيُورٍ إِلَّا الإِنْسَ وَالْجِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ حَجَبَ عَنْهُمْ ذَلِكَ.
وَلَفْظُ الإِشَارَةِ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ: »مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ« لَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ يَكُونُ ظَاهِرًا مَرْئِيًا مُشَاهَدًا وَإِنَّمَا هَذِهِ الإِشَارَةُ تُسَمَّى إِشَارَةً لِلْمَعْهُودِ الذِّهْنِيِّ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فَتَّانَيِ الْقَبْرِ فَقَالَ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَتُرَدُّ عَلَيْنَا عُقُولُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ »نَعَمْ كَهَيْئَتِكُمُ الْيَوْمَ«، قَالَ فَبِفِيهِ الْحَجَرُ.
الشَّرْحُ الْفَتَّانُ هُوَ الْمُمْتَحِنُ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ سُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا يَمْتَحِنَانِ النَّاسَ. مُنْكَرٌ مَعْنَاهُ هَذِهِ الْهَيْئَةُ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ هَيْئَتُهُمَا تَخْتَلِفُ عَنْ سَائِرِ الْمَلائِكَةِ وَعَنِ الإِنْسِ وَالْجِنِّ هَذَا مَعْنَى مُنْكَرٍ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ بَاطِلًا قَالَ تَعَالَى ﴿قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنْكَرُونَ﴾ [سُورَةَ الذَّارِيَات/25] وَسُؤَالُ الْقَبْرِ خَاصٌّ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أَنْ يُسْأَلَ الْمَيِّتُ مَاذَا تَقُولُ فِي مُوسَى مَاذَا تَقُولُ فِي عِيسَى وَإِنَّمَا هَذَا زِيَادَةٌ فِي شَرْعِ مُحَمَّدٍ.
وَقَوْلُهُ »أَتُرَدُّ عَلَيْنَا عُقُولُنَا «يَعْنِي عِنْدَ السُّؤَالِ، فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ: »نَعَمْ كَهَيْئَتِكُمُ الْيَوْمَ« أَيْ يَكُونُ الْجَوَابُ مِنَ الْجِسْمِ مَعَ الرُّوحِ، فَقَالَ »فَبِفِيهِ الْحَجَرُ« أَيْ ذَاكَ الْخَبَرُ الَّذِي لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ وَسَكَتَ وَانْقَطَعَ عَنِ الْكَلامِ، مَعْنَاهُ لَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ عَلَى مَا كَانَ يَظُنُّ هُوَ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ لا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ عُقُولُهُمْ فَلَمَّا قَالَ لَهُ الرَّسُولُ بِأَنَّهُ تُرَدُّ عَلَيْهِمْ عُقُولُهُمْ عَرَفَ خَطَأَ ظَنِّهِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَ[أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوِ الإِنْسَانُ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا مُنْكَرٌ وَلِلآخَرِ نَكِيرٌ فَيَقُولانِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ؟ فَهُوَ قَائِلٌ مَا كَانَ يَقُولُ. فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولانِ لَهُ إِنْ كُنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّكَ لَتَقُولُ ذَلِكَ، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ ذِرَاعًا وَيُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، فَيُقَالُ لَهُ نَمْ، فَيَنَامُ كَنَوْمِ الْعَرُوسِ الَّذِي لا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ.
الشَّرْحُ بَعْدَمَا يُدْفَنُ الإِنْسَانُ يَأْتِيهِ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ أَيْ لَوْنُهُمَا لَيْسَ مِنَ السَّوَادِ الْخَالِصِ بَلْ مِنَ الأَسْوَدِ الْمَمْزُوجِ بِالزُّرْقَةِ وَهَذَا يَكُونُ أَخْوَفَ مَا يَكُونُ مِنَ الأَلْوَانِ حَتَّى يَفْزَعَ الْكَافِرُ مِنْهُمَا، أَمَّا الْمُؤْمِنُ التَّقِيُّ فَلا يَخَافُ مِنْهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُثَبِّتُهُ يُلْهِمُهُ الثَّبَاتَ، وَهُمَا لا يَنْظُرَانِ إِلَيْهِ نَظْرَةَ غَضَبٍ، أَمَّا الْكَافِرُ يَرْتَاعُ مِنْهُمَا.
وَقَدْ سُمِّيَا مُنْكَرًا وَنَكِيرًا لِأَنَّ الَّذِي يَرَاهُمَا يَفْزَعُ مِنْهُمَا وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَقُولانِ لِلْمَقْبُورِ: »مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ «أَيْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمِّيَانِ الرَّسُولَ بِاسْمِهِ وَلَيْسَ الرَّسُولُ شَاهِدًا حَاضِرًا لِلسُّؤَالِ. بَعْضُ أَهْلِ الْغُلُوِّ يَدَّعُونَ أَنَّ الرَّسُولَ بِذَاتِهِ يَحْضُرُ يَكُونُ شَاهِدًا هَذَا لا أَسَاسَ لَهُ إِنَّمَا هِيَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَعْهُودِ ذِهْنًا. فَيَقُولُ الرَّجُلُ مَا كَانَ يَقُولُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ، الْمُسْلِمُ قَبْلَ الْمَوْتِ كَانَ يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ ذَلِكَ وَيَقْرِنُهُ بِالشَّهَادَةِ يَقُولُ »أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ« اللَّهُ تَعَالَى يُلْهِمُهُ وَيُقْدِرُهُ عَلَى الْجَوَابِ، كُلُّ مُسْلِمٍ يُجِيبُ بِذَلِكَ [وَلَمْ يَرِدْ مَاذَا تَقُولُ الْمَلائِكَةُ لِلْعَاصِي بَعْدَمَا يَشْهَدُ بِنُبُوَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي وَرَدَ فِيمَا ذُكِرَ ءَانِفًا فِي الْحَدِيثِ مِنْ جَوَابِ الْمَلائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِ الْمُرَادُ بِهِ الْمُؤْمِنُ الْكَامِلُ] إِنَّمَا الَّذِي لا يَسْتَطِيعُ الْجَوَابَ هُوَ الَّذِي يُنْكِرُ وَيَجْزِمُ بِنَفْيِ رِسَالَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، الْكَافِرُ الْمُعْلِنُ وَالْمُنَافِقُ كِلاهُمَا يَقُولانِ »كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ«.
ثُمَّ إِنَّ الْمُؤْمِنَ التَّقِيَّ يُوَسَّعُ قَبْرُهُ سَبْعِينَ ذِرَاعًا طُولًا فِي سَبْعِينَ ذِرَاعًا عَرْضًا وَذَلِكَ بِذِرَاعِ الْيَدِ وَهِيَ شِبْرَانِ تَقْرِيبًا، وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا حَصَلَ لِلْعَلاءِ بنِ الْحَضْرَمِيِّ الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ الَّذِي كَانَ مِنْ أَكَابِرِ الأَوْلِيَاءِ فَإِنَّهُ اتَّسَعَ قَبْرُهُ مَدَّ الْبَصَرِ [انْظُرْ دَلائِلَ النُّبُوَّةِ] شَاهَدُوا ذَلِكَ لَمَّا نَبَشُوا الْقَبْرَ لِيَدْفِنُوهُ فِي مَكَانٍ ءَاخَرَ لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي دَفَنُوهُ بِهِ كَثِيرُ السِّبَاعِ. وَيُنَوَّرُ قَبْرُهُ أَيِ الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ وَيُفْتَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَأْتِيهِ نَسِيمُهَا وَيُمْلَأُ عَلَيْهِ خَضِرًا أَيْ يُوضَعُ فِي قَبْرِهِ مِنْ نَبَاتِ الْجَنَّةِ الأَخْضَرِ وَهَذَا كُلُّهُ حَقِيقِيٌّ لَيْسَ وَهْمًا لَكِنَّ اللَّهَ يَحْجُبُ ذَلِكَ عَنْ أَبْصَارِ النَّاسِ أَيْ أَكْثَرِهِمْ أَمَّا أَهْلُ الْخُصُوصِيَّةِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الْكَامِلِينَ فَيُشَاهِدُونَ. وَالْحِكْمَةُ فِي إِخْفَاءِ اللَّهِ حَقَائِقَ أُمُورِ الْقَبْرِ وَأُمُورِ الآخِرَةِ لِيَكُونَ إِيـمَانُ الْعِبَادِ إِيـمَانًا بِالْغَيْبِ فَيَعْظُمَ ثَوَابُهُ. ثُمَّ إِنَّ الْمُؤْمِنَ التَّقِيَّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ فَيَنَامُ كَنَوْمِ الْعَرُوسِ الَّذِي لا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ، أَيْ لا يُحِسُّ بِقَلَقٍ وَلا وَحْشَةٍ، أَمَّا الآنَ النَّاسُ يَخَافُونَ مِنَ الْمَوْتِ، لَكِنْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ لا يَخَافُونَ لِأَنَّ اللَّهَ ءَامَنَهُمْ مِنَ الْخَوْفِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الأَثَرِ [انْظُرْ شُعَبَ الإِيـمَانِ] أَنَّ الْمُؤْمِنَ أَيِ الْكَامِلَ يَقُولُ لَهُ الْمَلائِكَةُ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ فَلا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ خَوْفٌ مِنَ الْمَوْتِ وَالْقَبْرِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ لا أَدْرِي، كُنْتُ أَسْمَعُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَكُنْتُ أَقُولُهُ، فَيَقُولانِ لَهُ إِنْ كُنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ، ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ الْتَئِمِي فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلاعُهُ فَلا يَزَالُ مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ«.
الشَّرْحُ سُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ لِلْكَافِرِ »مَنْ رَبُّكَ« وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُ سَيَقُولُ لا أَدْرِي لِأَنَّهُمَا يَعْرِفَانِ أَنَّهُ لا يَقُولُهَا عَنِ اعْتِقَادٍ إِنَّمَا يَقُولُهَا عَنْ دَهْشَةٍ يَقُولُهَا عَنْ سَبْقِ لِسَانٍ مِنْ شِدَّةِ الْفَزَعِ مِنْ غَيْرِ ضَبْطِ لِسَانِهِ وَلا يَعْتَقِدُ ذَلِكَ أَوْ يُخْبِرُ عَمَّا مَضَى لَهُ فِي الدُّنْيَا. بَعْضُ النَّاسِ يَسْتَشْكِلُونَ يَقُولُونَ إِذَا كَانَ لا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلْكَافِرِ مَا دِينُكَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ سَيُجِيبُ أَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ فَكَيْفَ يَجُوزُ لِلْمَلَكَيْنِ فِي الْقَبْرِ أَنْ يَسْأَلا الْكَافِرَ وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُ سَيُجِيبُ لا أَدْرِي. فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ يُجِيبُ مُخْبِرًا عَمَّا كَانَ يَعْتَقِدُهُ فِي الْمَاضِي قَبْلَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَقِدَ الآنَ أَنَّهُ حَقٌّ وَبِهَذَا زَالَ الإِشْكَالُ.
وَقَوْلُهُمَا »إِنْ كُنَّا لَنَعْلَمُ« مَعْنَاهُ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ، »إِنْ« هَذِهِ تُسَمَّى مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ أَيِ الْمُشَدَّدَةِ يُقَالُ فِي اللُّغَةِ إِنْ كُنْتُ لَأَعْلَمُ كَذَا وَكَذَا أَيْ قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ كَذَا وَكَذَا هَذِهِ أَصْلُهَا إِنَّ وَلَكِنْ خُفِّفَتْ بِتَرْكِ الشَّدَّةِ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ كُنَّا نَعْلَمُ ذَلِكَ، وَهَذِهِ اللَّامُ تُسَمَّى لامَ التَّوْكِيدِ أَيْ أَنَّنَا كُنَّا قَبْلَ أَنْ تُجِيبَ أَنَّكَ كُنْتَ عَلَى هَذَا الِاعْتِقَادِ نَعْلَمُ بِذَلِكَ. وَالْمُنَافِقُ هُوَ الَّذِي يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَيَتَظَاهَرُ بِالإِسْلامِ كَعَبْدِ اللَّهِ بنِ أُبَيٍّ فَإِنَّهُ مَعَ مَا كَانَ يُنْقَلُ عَنْهُ مِنَ النِّفَاقِ كَانَ يَتَشَهَّدُ وَيُصَلِّي خَلْفَ الرَّسُولِ وَلَمَّا سُئِلَ عَمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ كَقَوْلِهِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ أَنْكَرَ قَالَ لَمْ أَقُلْ، وَمُرَادُهُ بِالأَعَزِّ نَفْسُهُ وَبِالأَذَلِّ الرَّسُولُ، فَلِذَلِكَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بَلْ بَقِيَ مُتَظَاهِرًا بِالإِسْلامِ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الرَّسُولِ نِفَاقُهُ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بَعْدُ فِي شَأْنِهِ مَا يُثْبِتُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَكَانَ يُجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِ بِحَسَبِ ظَاهِرِ حَالِهِ، وَعِنْدَمَا مَاتَ أَجْرَى حُكْمَهُ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أَطْلَعَهُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى كُفْرِهِ وَنِفَاقِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ فَلْيُنْتَبَّه، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ [فِي فَتْحِ الْبَارِي] وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّ الرَّسُولَ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ بَعْدُ مُنَافِقٌ كَافِرٌ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ فَقَدْ جَعَلَ الرَّسُولَ مُتَلاعِبًا بِالدِّينِ جَعَلَهُ كَأَنَّهُ يَقُولُ فِي صَلاتِهِ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِمَنْ لا تَغْفِرُ لَهُ وَذَلِكَ كُفْرٌ.
ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ الْتَئِمِي عَلَيْهِ فَيَضِيقُ عَلَيْهِ الْقَبْرُ حَتَّى تَتَشَابَكَ أَضْلاعُهُ، ثُمَّ هَذَا الْعَبْدُ لا يَزَالُ مُعَذَّبًا بِهَذَا الْعَذَابِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ، ثُمَّ بَعْدَ أَنْ يُبْعَثَ يُعَذَّبُ بِأَشْيَاءَ غَيْرِ الَّتِي كَانَ يُعَذَّبُ بِهَا وَهُوَ فِي الْقَبْرِ ثُمَّ بَعْدَ دُخُولِهِ النَّارَ يَكُونُ أَشَدَّ وَأَشَدَّ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْحَدِيثَانِ رَوَاهُمَا ابْنُ حِبَّانَ [فِي صَحِيحِهِ] وَصَحَّحَهُمَا، فَفِي الأَوَّلِ مِنْهُمَا إِثْبَاتُ عَوْدِ الرُّوحِ إِلَى الْجَسَدِ فِي الْقَبْرِ وَالإِحْسَاسِ، وَفِي الثَّانِي إِثْبَاتُ اسْتِمْرَارِ الرُّوحِ فِي الْقَبْرِ وَإِثْبَاتُ النَّوْمِ وَذَلِكَ مَا لَمْ يَبْلَ الْجَسَدُ.
وَهَذَا النَّعِيمُ لِلْمُؤْمِنِ الْقَوِيِّ وَهُوَ الَّذِي يُؤَدِّي الْفَرَائِضَ وَيَجْتَنِبُ الْمَعَاصِيَ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ »الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَسَنَتُهُ فَإِذَا فَارَقَ الدُّنْيَا فَارَقَ السِّجْنَ وَالسَّنَةَ«، حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ [فِي صَحِيحِهِ]، يَعْنِي الْمُؤْمِنَ الْكَامِلَ.
الشَّرْحُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: »سِجْنُ الْمُؤْمِنِ« أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَلْقَاهُ مِنَ النَّعِيمِ فِي الآخِرَةِ الدُّنْيَا كَالسِّجْنِ، وَقَوْلُهُ »وَسَنَتُهُ« أَيْ دَارُ جُوعٍ وَبَلاءٍ.
وَفِي كِتَابِ أَهْوَالِ الْقُبُورِ: وَفِي كِتَابِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا خَرَّجَ لِأَبِي الْقَاسِمِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيمَ الْخُتَلِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ مُحَمَّدٍ الْعَنْسِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَهُ عَمْرُو بنُ مُسْلِمٍ عَنْ رَجُلٍ حَفَّارِ الْقُبُورِ قَالَ: حَفَرْتُ قَبْرَيْنِ وَكُنْتُ فِي الثَّالِثِ فَاشْتَدَّ عَلَيَّ الْحَرُّ فَأَلْقَيْتُ كِسَائِي عَلَى مَا حَفَرْتُ وَاسْتَظَلَّيْتُ فِيهِ فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ رَأَيْتُ شَخْصَيْنِ عَلَى فَرَسَيْنِ أَشْهَبَيْنِ فَوَقَفَا عَلَى الْقَبْرِ الأَوَّلِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اكْتُبْ فَقَالَ: مَا أَكْتُبُ قَالَ: فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ، ثُمَّ تَحَوَّلا إِلَى الآخَرِ فَقَالَ: اكْتُبْ قَالَ: مَا أَكْتُبُ قَالَ: مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ تَحَوَّلا إِلَى الآخَرِ الَّذِي أَنَا فِيهِ قَالَ: اكْتُبْ قَالَ: مَا أَكْتُبُ قَالَ: فِتْرٌ فِي فِتْرٍ، فَقَعَدْتُ أَنْظُرُ الْجَنَائِزَ فَجِيءَ بِرَجُلٍ مَعَهُ نَفَرٌ يَسِيرٌ فَوَقَفُوا عَلَى الْقَبْرِ الأَوَّلِ قُلْتُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ قَالَ إِنْسَانٌ قَرَّابٌ - يَعْنِي سَقَّاءٌ - ذُو عِيَالٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَىْءٌ فَجَمَعْنَا لَهُ فَقُلْتُ: رُدُّوا الدَّرَاهِمَ عَلَى عِيَالِهِ وَدَفَنْتُهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ لَيْسَ مَعَهَا إِلَّا مَنْ يَحْمِلُهَا فَسَأَلُوا عَنِ الْقَبْرِ فَجَاؤُوا إِلَى الْقَبْرِ الَّذِي قَالَ مَدَّ الْبَصَرِ قُلْتُ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ قَالُوا: إِنْسَانٌ غَرِيبٌ مَاتَ عَلَى مَزْبَلَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَىْءٌ قَالَ فَلَمْ ءَاخُذْ مِنْهُمْ شَيْئًا وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ مَعَهُمْ، وَقَعَدْتُ أَنْتَظِرُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُ إِلَى الْعِشَاءِ فَجِيءَ بِجِنَازَةِ امْرَأَةٍ لِبَعْضِ الْقُوَّادِ فَسَأَلْتُهُمُ الأُجْرَةَ فَضَرَبُوا رَأْسِيَ وَأَبَوْا أَنْ يُعْطُونِي وَدَفَنُوهَا فِي ذَلِكَ الْقَبْرِ. انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ، وَالشَّخْصَانِ مَلَكَانِ مِنَ الْمَلائِكَةِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: ثُمَّ إِذَا بَلِيَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا عَجْبُ الذَّنَبِ يَكُونُ رُوحُ الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ فِي الْجَنَّةِ وَتَكُونُ أَرْوَاحُ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ أَهْلِ الْكَبَائِرِ الَّذِينَ مَاتُوا بِلا تَوْبَةٍ بَعْدَ بِلَى الْجَسَدِ فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَبَعْضُهُمْ فِي السَّمَاءِ الأُولَى. وَتَكُونُ أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ بَعْدَ بِلَى الْجَسَدِ فِي سِجِّينَ، وَهُوَ مَكَانٌ فِي الأَرْضِ السُّفْلَى.
الشَّرْحُ عَجْبُ الذَّنَبِ لا يَبْلَى وَلَوْ سُلِّطَ عَلَيْهِ نَارٌ شَدِيدَةٌ وَهُوَ عَظْمٌ صَغِيرٌ قَدْرُ حَبَّةِ خَرْدَلَةٍ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ: »مِنْهُ خُلِقَ الإِنْسَانُ وَعَلَيْهِ يُرَكَّبُ« [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ] أَيْ أَنَّ سَائِرَ الْعِظَامِ تُرَكَّبُ عَلَى هَذَا الْعَظْمِ الصَّغِيرِ.
وَأَمَّا الَّذِينَ لا تَبْلَى أَجْسَادُهُمْ فَهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَشُهَدَاءُ الْمَعْرَكَةِ وَبَعْضُ الأَوْلِيَاءِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَمَّا الشُّهَدَاءُ فَتَصْعَدُ أَرْوَاحُهُمْ فَوْرًا إِلَى الْجَنَّةِ.
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنَ السُّؤَالِ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ أَيْ شُهَدَاءُ الْمَعْرَكَةِ وَكَذَلِكَ الطِّفْلُ أَيِ الَّذِي مَاتَ دُونَ الْبُلُوغِ.
الشَّرْحُ الشُّهَدَاءُ الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَصَّهُمُ اللَّهُ بِمَزَايَا عَدِيدَةٍ مِنْهَا أَنَّهُمْ لا تَبْلَى أَجْسَادُهُمْ وَتَصْعَدُ أَرْوَاحُهُمْ فَوْرًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ [فِي صَحِيحِهِ] وَغَيْرُهُ [التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ »حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ«]: »أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ« وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَكُونُ أَرْوَاحُهُمْ فِي حَوْصَلَةِ هَذِهِ الطُّيُورِ يَطِيرُونَ فِي الْجَنَّةِ وَيَأْكُلُونَ مِنْ ثِمَارِهَا، أَمَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَأْخُذُ مُتَبَوَّأَهُ الْخَاصَّ، لا يَدْخُلُونَ فِي حَوَاصِلِ الطُّيُورِ الَّتِي فِي الْجَنَّةِ.
وَالأَوْلِيَاءُ وَالْوَلِيَّاتُ بَعْدَمَا يَأْكُلُ التُّرَابُ أَجْسَادَهُمْ أَرْوَاحُهُمْ تَصْعَدُ إِلَى الْجَنَّةِ فَتَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ بِشَكْلِ طَائِرٍ لَيْسَ بِشَكْلِ جَسَدِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، الرُّوحُ يَتَشَكَّلُ بِشَكْلِ طَائِرٍ فَيَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ ثُمَّ بَعْدَ الْبَعْثِ تَعُودُ الأَرْوَاحُ إِلَى أَجْسَادِهَا ثُمَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ءَامِنِينَ وَفِي ذَلِكَ وَرَدَ الْحَدِيثُ: »إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَيْرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ« رَوَاهُ مَالِكٌ [فِي الْمُوَطَّأ]، أَرْوَاحُهُمْ بَعْدَ بِلَى أَجْسَامِهِمْ تَكُونُ فِي الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ لَكِنْ لا يَتَبَوَّؤُنَ الْمَكَانَ الَّذِي هُيِّءَ لَهُمْ لِيَدْخُلُوهُ فِي الآخِرَةِ إِنَّمَا لَهُمْ مَكَانٌ يَنْطَلِقُونَ فِيهِ فِي الْجَنَّةِ فَيَأْكُلُونَ مِنْ أَشْجَارِهَا وَمِنْ ثِمَارِهَا.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُمْكِنُ سُؤَالُ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ الأَمْوَاتِ؟ فَالْجَوَابُ مَا قَالَ الْحَلِيمِيُّ: »إِنَّ الأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ مَلائِكَةُ السُّؤَالِ جَمَاعَةً كَثِيرَةً يُسَمَّى بَعْضُهُمْ مُنْكَرًا وَبَعْضُهُمْ نَكِيرًا فَيُبْعَثُ إِلَى كُلِّ مَيِّتٍ اثْنَانِ مِنْهُمْ«.
الشَّرْحُ أَنَّ الَّذِي يَسْأَلُ الأَمْوَاتَ مَلَكَانِ اثْنَانِ أَوْ يَكُونُ هُنَاكَ جَمَاعَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُسَمَّى مُنْكَرًا وَجَمَاعَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ اسْمُهُ نَكِيرٌ فَيَأْتِي إِلَى كُلِّ مَيِّتٍ اثْنَانِ مِنْهُمْ أَحَدُهُمَا مِنْ هَذَا الْفَرِيقِ وَالآخَرُ مِنْ ذَاكَ الْفَرِيقِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْطِيَ اللَّهُ لِهَؤُلاءِ أَشْبَاحًا فَيَحْضُرَانِ إِلَى كُلِّ مَيِّتٍ بِشَبَحَيْنِ إِمَّا بِالشَّبَحِ الأَصْلِيِّ وَإِمَّا بِالشَّبَحِ الْفَرْعِيِّ، وَكَذَلِكَ عَزْرَائِيلُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَتَطَوَّرُ إِلَى أْشَبَاحٍ كَثِيرَةٍ وَيَقْبِضُ هَذِهِ الأَرْوَاحَ الْكَثِيرَةَ، وَلَوْ كَانَ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ وَفِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ أَرَادَ أَنْ يَقْبِضَ مِائَةَ أَلْفِ نَفْسٍ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْضُرَ وَيَقْبِضَ هَؤُلاءِ الأَرْوَاحَ، ثُمَّ يَتَنَاوَلُ مِنْهُ الْمَلائِكَةُ إِمَّا مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَإِمَّا مَلائِكَةُ الْعَذَابِ، مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ مَنْظَرُهُمْ جَمِيلٌ أَمَّا مَلائِكَةُ الْعَذَابِ فَمَنْظَرُهُمْ مُخِيفٌ فَلا يَتْرُكُونَ الرُّوحَ فِي يَدِ عَزْرَائِيلَ بَعْدَمَا يَقْبِضُهَا طَرْفَةَ عَيْنٍ يَذْهَبُونَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ إِنْ كَانَتِ الرُّوحُ مُؤْمِنَةً وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً فَإِلَى الأَرْضِ السَّابِعَةِ إِلَى سِجِّينَ.