مختارات من إملاءاته
صفة حج رسول الله صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما ما أملاه العلامة المحدث الشيخ عبد الله الهرري
غفر الله له ولوالديه
في صحيح مسلم عن جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن جابر ابن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، سأل الباقر جابرا رضي الله عنهما عن صفة حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فوصف له حجه صلى الله عليه وسلم. ومما جاء في وصفه أنه صلى الله عليه وسلم رحل من عرفات بعد أن غربت الشمس فأردف أسامة بن زيد رضي الله عنهما حتى وصل إلى مزدلفة ثم بات بمزدلفة ثم صلى الصبح بمزدلفة ثم ذهب إلى المشعر الحرام ووقف ودعا ثم أردف الفضل بن عباس رضي الله عنهما إلى أن وصل إلى منى. انظروا إلى هذه الحكمة ما أعظمها أردف أسامة بن زيد من عرفات إلى مزدلفة ثم أردف الفضل بن عباس من مزدلفة إلى منى لم ينظر إلى الهيئة والنسب بل نظر إلى الفضل بالتقوى وذلك أن أسامة بن زيد كان ابن زيد الذي هو مولى رسول الله وأن زيداً كان مسترقًا وهبته خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم زوجه رسول الله أم أيمن الحبشية وكانت حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من حيث اللون أسامة أسود وأما ابن عمه الفضل بن عباس فكان من أجمل الناس أبيض جميل الشعر لم ينظر إلى الفضل فيبدأ بإردافه مع انه من حيث النسب والشكل كان الفضل من أجمل الرجال وكان ابن عم رسول الله لم ينظر إلى ذلك بل نظر إلى أن أسامة أقدم سابقة في الاسلام فبدأ بإرداف أسامة رضي الله عنه أي أركبه خلفه على البعير من عرفات إلى مزدلفة وكان ذلك ليلا ثم في الغد في صبيحة العيد أردف ابن عمه الفضل بن عباس فهذه هي الحكمة الحقيقية التي ليس فيها إفراط ولا تفريط وهذا هو العدل المقبول المرغوب عند الله وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم موفق من قبل الله تعالى في تصرفاته طاهر القلب خالص الطوية . لا ينظر إلى المال والنسب إنما ينظر إلى الفضل في الدين، وهكذا كل تطوراته صلى الله عليه وسلم كانت العناية الربانية تحفها مع أنه نشأ يتيما لم يجالس الحكماء إنما عاش كل عمره إلى أن نزل عليه الوحي و هو ابن أربعين سنة في قومه في مكة وكان أهل مكة لم يكن فيهم إنسان واحد درس الكتب القديمة دراسة واسعة ومع ذلك فقد علاه الله وجمله بأحسن الأدب وأحسن الخلق وكان صلى الله عليه وسلم كما وصفه القرءان الكريم قال الله تعالى ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ وكما كان منعوتا بالكتب القديمة كان أحد أحبار اليهود من أهل المدينة يسمى "زيدَ بن سَعنَه" اطلع في بعض الكتب القديمة التي أنزلها الله تعالى على بعض أنبيائه أن نبي آخر الزمان يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما فأراد هذا الحبر اليهودي وبعد أن هاجر رسول الله إلى المدينة أن يعرف هل ينطبق على محمد النعت المذكور في محمد أن حلمه يسبق جهله وأن شدة الجهل عليه لا يزيده إلا حلما أي أنه مهما أوذي لا يوصله أذى الناس إلى التحامق بل لا يخرج عن مقتضى الحكمة فأراد أن يمتحن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعامله بدين مؤجل إلى أجل معلوم ثم قبل أن يحل الأجل بثلاثة أيام تعرض هذا اليهودي زيد بن سعنة للمطالبة بالدين فقال من رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة تهز المشاعر فأراد بعض الصحابة وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن ينتقم منه من شدة تغيظه عليه لما أنه أساء الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كاد أن يبطش به فيقتله فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف الحبر زيد أن تلك الصفة والنعت المذكور من وصف محمد صلى الله عليه وسلم أنها منطبقة عليه فعرف أن محمدا هذا هو ذاك النبي الذي بشر به الأنبياء فتشهد شهادة الحق قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله وهذا شىء مثال واحد من أمثلة أعلاك نبوته الكثيرة صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرا ثم ان الحكمة والخلق الحسن كان من شيم الأنبياء جميعهم لأن الله تعالى لا يرسل لهداية عباده انسانا مغموزا عليه مطعونًا فيه بسفاهة أو خيانة أو رذالة أو كذب في الحديث لا يرسل إلا إنسانا نشأ على الصدق والعفة والنزاهة في العِرض والخلق وحسن معاملة الناس فكان محمد صلى الله عليه وسلم أوفر الأنبياء حظًا في ذلك لا يسبقه في ذلك أحد بعده ولا سبقه أحد قبله. روينا في الصحيحين من حديث أنس ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خلقًا كان اجتمع فيه شتات الفضائل فتحلى بأحسن الشمائل فمن هنا يعلم أن كل ما يروى عن نبي من أنبياء الله مما يخالف هذا المعنى وهو حسن الخلق فهو مفتري مردود على قائله. وروينا أيضا في مسند أحمد رضي الله عنه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت وإن نبيكم (يعني نفسه صلى الله عليه وسلم) كان أحسنهم وجها وأحسنهم صوتا".
وروينا في صحيح مسلم عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ والطور فكاد قلبي يطير أي من حسن صوته صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في بدء إسلامه ومع ما كان عليه رسول الله وغيره من الأنبياء من التحلي بالخلق الحسن لم يكن ترغيبه في حسن الخلق كأمره وترغيبه في أداء الفرائض بل كان أمر الفرائض عنده أوكد وأهم لأن الفرائض هي التي يسأل عنها الإنسان يوم القيامة. يسأل العبد يوم القيامة قبل حسن الخلق وحسن المعاملة مع الناس يسأل هل قام بالفرائض التي افترضها الله على عباده وأدى الواجبات واجتنب المحرمات يسأل عما افترض الله عليه من العبادات ومن علم الدين الذي لا يستغني عنه كل بالغ عاقل لتصحيح معاملته لربه لأن تصحيح معاملة الله تعالى هو مقدم على ما سواه وأول فرض وحق الله تعإلى وأهمه هو الايمان به وبرسوله أي توحيده تعالى وتجنب ما هو من أنواع الشرك كلها فكانت معرفة الله هي أفضل الواجبات التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بالدعوة إليها قبل غيرها أنزل الله تبارك وتعالى في أول ما أنزل عليه أن يدعو الناس إلى معرفة الله وتوحيده وترك عبادة كل ما يعبده الكفار من دون الله وأنزل الله تبارك وتعالى عليه سورة المدثر ﴿يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر﴾ إلى سورة فالانذار الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزجر أي منع الناس من الاشراك بالله بتوحيده تعالى بمعرفته على ما يليق به وكان أذهان الناس الذين قبلوا دعوته صلى الله عليه وسلم مدركة لما يلقيه إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تنزيه الله تعالى.