قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: والرؤْيةُ حَقٌّ لأهْلِ الجَنَّةِ بِغَيرِ إحاطَةٍ وَلا كَيفيَّةٍ.
الشرحُ أنَّ المؤمنينَ يَرَوْنَهُ سبحانَه في الآخِرةِ مِنْ غيرِ أنْ يحيطُوا بهِ لأنَّ الإحاطةَ بهِ مستحيلةٌ وهذا حقٌّ يجبُ الإيمانُ بهِ.
أما المعتزلةُ والفلاسفةُ فقد خالفُوا أهلَ السُّنةِ حيثُ إنهم نَفَوا رؤيةَ اللهِ في الآخِرةِ واحتجُّوا أنه يلزمُ القولُ بالرؤيةِ تشبيهَه بالخلقِ فقالوا لأنَّ الذي يُرَى لا بدَّ أنْ يكونَ في جهةٍ، لكن نحنُ معاشرَ أهلِ السُّنةِ فنقولُ هذا بالنسبةِ للمخلوقِ مسَلَّمٌ أما بالنسبةِ للهِ فغيرُ مسَلَّمٍ كمَا صحَّ علمُهُم بهِ منْ غيرِ جهةٍ صحَّ أنْ يُرَى بلا جهةٍ، وليس واجبًا عقلاً أنْ تكونَ رؤيةُ المؤمنينَ لهُ كرؤيتِهم للمخلوقِ في استلزامِ الجهةِ.
قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: كَمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ رَبِّنَا: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ (23) [سورة القيامة].
الشرحُ قالَ أهلُ الحقِّ رؤيةُ اللهِ بالأبصارِ للمؤمنينَ في الآخِرةِ بعدَ دخولِهمُ الجنةَ جائزةٌ عقلاً وسمعًا، واحتجُّوا بقولِه تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾(23) [سورة القيامة]. وقولُه: "نَاظِرَةٌ" معناه تَرى ربَّها ذلكَ اليوم، والوجوهُ عبارةٌ عنِ المؤمنينَ. والأحاديثُ الثابتةُ ليسَ فيها تحديدُ أوقاتِ الرؤيةِ وتفصيلُها لكنْ وردَ حديثٌ في إسنادِه ضَعفٌ بأنَّ المقرَّبينَ يرونَه غُدوّاً وعشيّاً وأمَّا غيرُهم ففي الجُمْعَةِ مرةً.
قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: وَتَفسِيرُهُ عَلى مَا أرَادَهُ اللهُ تَعَالى وَعَلِمَهُ.
الشرحُ أنَّ تفسيرَ هذهِ الآيةِ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ (23) [سورة القيامة] هو على حسَبِ ما عَلِمَ اللهُ تعالى وأرادَه معنًى بكلامِه هذا.
قالَ المؤلِّفُ رحِمَهُ اللهُ: وَكُلُّ مَا جَاءَ في ذلِكَ مِنَ الحَدِيثِ الصَّحيحِ عَنِ الرَّسُولِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فَهُوَ كما قالَ وَمَعنَاهُ على ما أرادَ.
الشرحُ أنَّ كلَّ ما جاءَ في الحديثِ الثابتِ الصحيحِ عنه صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فهو على حسَبِ ما أرادَه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وأمَّا المشبهةُ مِنْ وهابيةٍ وأسلافِهِم فالرؤيةُ عندَهم تكونُ بالكيفيةِ والجهةِ وإنْ كانوا يقولونَ لفظًا بلا كيفيةٍ لكنَّهُم يعتقدونَ الكيفيةَ لأنهم يُثبِتونَ الجهةَ للهِ، فالرؤيةُ عندَهم لا بدَّ أنْ تكونَ بكيفيةٍ بالمقابلةِ لأنهم يفسرونَ الحديثَ الذي رواه مسلم "أَمَا إنَّكُم سَتَرَونَ ربَّكم كمَا ترونَ هذا القمرَ لا تُضَامُّونَ" بأنّ معناهُ ترونَهُ مواجَهةً كما ترونَ القمرَ مواجَهةً، وأجابَ أهلُ السُّنةِ على هذهِ الشُّبهةِ بقولِهِم التَّشبيهُ هنا واردٌ على غيرِ ذلكَ المعنى الذي تدَّعونَ، أيْ أنَّ العبادَ يرونَه رؤيةً لا شكَّ فيها كمَا أنَّ القمرَ ليلةَ البدرِ إذا لم يكنْ سحابٌ يُرَى رؤيةً لا شكَّ فيها.
قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: لا نَدخُلُ في ذلكَ مُتَأوِّلينَ بِآرائِنَا وَلا مُتَوَهِّمِين بِأهوائِنَا.
الشرحُ أنه أي المؤمن لاَ يدخلُ في ذلك متأوِّلاً برأيِهِ تأوُّلاً بلا دليلٍ عقليٍّ قطعيٍّ ولا دليلٍ سمعيٍّ ثابتٍ كتأويلِ المعتزلةِ للآيةِ المذكورةِ، وأنه لا يَدخلُ في ذلك متصوِّرًا بوهمِه يعني لا كمَا ذهبتِ المعتزلةُ في نفيِهِم للرُّؤيةِ وتحريفِهِم للآيةِ، ولا كما ذهبتِ المشبِّهةُ في جعلِهِمُ الرؤيةَ بكيفيةٍ حيثُ أثبتُوا للهِ تعالى الجهةَ فهُمْ حيثُ أثبتُوا للذاتِ المقدسِ الجهةَ فلا بدَّ أنهم يثبِتونَ الرؤيةَ في جهةٍ، أما أهلُ السُّنةِ فبَعيدونَ منْ ذلك يعتقدونَ أنه يُرَى بلا مُقابَلةٍ ولا مُدابرةٍ من دونِ أنْ يكونَ الرَّائِي في جهةٍ منَ اللهِ لا يَمْنَةً ولا يَسْرَةً ولا فَوقَ ولا أسفلَ ولا قُدَّامَ ولا خَلْفَ.
ولا يعني كلامُ الطحاويِّ ردَّ تأويلِ أهلِ السنةِ الإجماليِّ والتفصيليِّ لآياتِ الصفاتِ وأحاديثِها المتشابِهةِ، فقدْ ثبتَ ذلكَ عنِ الإمامِ أحمدَ وغيرِه مِنَ السلفِ فإنَّ تركَ التأويلَينِ عينُ التشبيهِ والتجسيمِ المنفيَيْنِ بقولِه تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾(11) [سورة الشورى].
قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: فإنهُ مَا سَلِمَ في دِيْنِهِ إلا مَنْ سَلَّمَ للهِ عَزَّ وجَلَّ ولرسولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وَرَدَّ عِلمَ ما اشتَبَهَ عليهِ إلى عَالِمِهِ.
الشرحُ أنَّ السَّلامةَ في التَّسليمِ للهِ ولرسولِه أيِ اعتقادِ أنَّ ما جاءَ في الشرعِ منْ أمورِ الدِّينِ فهو على حسَبِ ما أرادَ اللهُ تعالى ورسولُه ليس مبنيًّا على التوهُّمِ والتصوُّرِ المعتمِدِ على الرَّأْيِ أو على ما جرتْ به العادةُ بينَ المخلوقاتِ. فالمعتزلةُ رجعُوا إلى الرأيِ الذي همُ اتخذوهُ أصلاً، والمشبهةُ رجعوا إلى ما هو مألوفٌ بينَ المخلوقِ وفَتَنَهُم أنهم قاسوا اللهَ على الخلقِ فقالوا كمَا أنه لا يُرَى الشىءُ إلا في جهةٍ منَ الرَّائِي فاللهُ يُرَى في جهةٍ، وكِلا المذهبَينِ باطلٌ.
وقولُه "عالِمِهِ" المرادُ بذلكَ أنَّ الذي اشتبَه عليهِ فهمُ شىءٍ منَ الأمورِ المتعلقةِ بالآخرةِ وغيرِها يَرجعُ بهِ إلى أهلِ العلمِ الراسخينَ وهم العلماء الكُمَّلُ المتمكنون في العلم كابن عباس رضي الله عنهما فإمَّا أنْ يستفيدَ منهُمُ السائلُ التأويلَ التفصيليَّ أوِ التأويلَ الإجماليَّ وهوَ أنْ يعتقدَ الإنسانُ أنَّ ما يُضافُ إلى اللهِ منَ الصِّفَاتِ هي منَزَّهةٌ عنِ الهيئةِ والشكلِ وءاثارِ الحدوثِ.
قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: وَلا تَثبُتُ قَدَمٌ في الإِسْلامِ إلا على ظَهرِ التَّسْليمِ والاستِسْلامِ.
الشرح أن التسليم هو الرِّضى بما جاءَ عنِ اللهِ تعالى، وأمَّا الاستسلامُ فهو الانقيادُ للشرعِ أيْ قَبولُ ما جاءَ فيهِ منَ العقائدِ والأحكامِ. فلا يصِّحُّ الثباتُ على الإسلامِ إلا لِمَنْ سلّمَ للهِ تعالى ولم يعترِضْ عليهِ ولم يَصِفْه بما لا يَليقُ بهِ.
قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: فَمَنْ رَامَ عِلْمَ مَا حُظِرَ عَنْهُ عِلْمُهُ وَلَمْ يَقنَعْ بِالتَّسْلِيمِ فَهْمُهُ حَجَبَهُ مَرَامُهُ عَنْ خَالِصِ التَّوْحِيدِ وَصَافِي المَعْرِفَةِ وَصَحِيحِ الإِيمانِ فَيَتَذَبْذَبُ بَيْنَ الكُفْرِ وَالإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ وَالإِقْرارِ وَالإِنْكارِ موسوِسًا تائهًا شاكًّا لا مؤمنًا مصدِّقًا ولا جاحدًا مكذِّبًا.
الشرح أنَّ منْ طلبَ أنْ يَعلمَ ما مُنعَ عنهُ علمُهُ ولم يقنعْ بتسليمِه إلى عالِمِه حجبَه مطلوبُه عنْ خالصِ التوحيدِ فيكونُ مضطربًا مؤمنًا ببعضٍ أي مصدقًا ببعضٍ وكافرًا ببعضٍ لا كالكافرِ المعلنِ كفرَه ولا كالمؤمنِ الذي صَدَقَ في الإيمانِ وءامنَ عنْ حقيقةٍ أي فيتذبذب بين الإقرار بالإيمان وبين إنكاره وهذا بيانُ كونه مُذَبذَبًا.
وقوله "مُوَسوِسًا" تأكيدٌ لما قَبلُ أي ويكون مُوسوِسًا تائهًا عن طريق الحق شاكًّا زائغًا مائلًا عن الحق إلى الباطل.
وقوله "مُصَدقًا" لأن الإيمان لا يكون مقبولا إلا بالإيمان التام الذي ليس فيه تجزئة من حيث التصديقُ أما أن يُصدّق ببعضِ ما جاء به الرسول ويُكذّبَ ببعضٍ فلا يكون إيمانًا مقبولا إنما ذلك إيمانٌ جزئي من حيث اللغة.
قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: ولا يصِحُّ الإِيمانُ بالرؤيةِ لأهلِ دارِ السَّلامِ لمنِ اعتبرَها منْهُم بوَهْمٍ أو تَأَوَّلهَا بِفَهمٍ.
الشرحُ أنهُ مَنِ اعتبرَ الرؤيةَ على غيرِ الوجهِ المشروحِ المتقدِّمِ ذكرُهُ الذي هو معتقدُ أهلِ السنةِ والجماعةِ فهو غيرُ مُصدّقٍ بهِ كمَا أُمِرَ.
وقوله "لمن اعتبرها منْهُم بوَهْمٍ" المراد به المشبهةُ الذين ظاهرًا يقولونَ ءامنَّا بالرؤيةِ أمَّا في الحقيقةِ فلمْ يؤمِنوا.
وقوله "أو تَأَوَّلَها بِفَهمٍ" المراد به من كان كالمعتزلةُ فقد نَفَوا نَفْيًا صريحًا حيثُ إنهم قالوا لا يُرى وهم يفسرونَ قولَه تعالى: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ (23) [سورة القيامة] بقولهم نعمةَ ربِّها ناظرةٌ أيْ منتظرةٌ، وأما الحديثُ فيزعمونَ أنه غيرُ ثابتٍ، فالمعتزلةُ والمشبهةُ على طرفَيْ نقيضٍ.
وقولُه: "دارِ السلامِ" اسمٌ للجَنَّةِ سُميت بذلك لأن فيها السلامةَ من كل ءافة ونكد ومن كل ما يزعج، وجميعُ طبقاتِها يَشملُه هذا الاسم.
قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: إذْ كانَ تأويلُ الرؤيةِ وتأويلُ كلِّ معنًى يضافُ إلى الرُّبوبيَّةِ بتركِ التَّأويلِ ولزومِ التَّسليمِ وعليهِ دِينُ المسلمينَ.
الشرحُ يريدُ الطَّحاويُّ بتركِ التأويلِ التأويلَ الذي هو بعيدٌ عنِ الحقِّ والإصابةِ، ولا يعني التأويلَ الذي يفعلُه أهلُ السُّنةِ إنْ كانَ إجماليًّا أو كان تفصيليًّا وهذا الذي ينبغي حملُ كلامِ المؤلِّفِ عليهِ، أما ظاهرُه فمَنْعُ الذَّهابِ إلى التأويلِ أيِ التفصيليِّ، أما التأويلُ الإجماليُّ فلا يَنفيهِ لأنَّ مَنْ نفَى التأويلَ الإجماليَّ وقعَ في التشبيهِ لا محالةَ.
ويُقوِّي كونَ مُرادِ الطَّحاويِّ بنفيِ التأويلِ ليسَ مُطلقَ التَّأويلِ قولُه في مسألةِ الكلامِ: "منهُ بَدَا بِلا كيفيَّةٍ قَوْلاً" لأنَّ هذا تأويلٌ.
قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: وَمَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ وَالتَّشبِيهَ زَلَّ وَلَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ.
الشرحُ أنه يريدُ بالنفيِ التعطيلَ، ويريدُ بالتشبيهِ إثباتَ الجهةِ للهِ تعالى أو شىءٍ منْ أَماراتِ الحدوثِ كالحركةِ والسكونِ وكالانتقالِ منْ علْوٍ إلى سُفلٍ أوْ منْ سُفلٍ إلى عُلْوٍ، وكل من هذينِ الفريقانِ "زَلَّ" أيْ ضلَّ عنِ الطريقِ "ولم يُصِبِ التَّنْزِيهَ" أي فَقَدَ وحُرِمَ التنْزِيهَ أي تنْزيهَ اللهِ عنِ مشابهةِ خَلْقِهِ، ويَصِحُّ أنْ يُفسَّر قولُهُ "زَلَّ ولَم يُصِبِ التَّنْزيهَ" بأنْ يقالَ "زلَّ" راجِعٌ إلى النافي أيِ المعطِّلِ وقولُه "ولَمْ يُصبِ التنْزيهَ" راجعٌ إلى مَنْ شبَّهَ، فيكونُ المعنى أنَّ المعطِّلَ الذي نَفَى ما أثبتَه اللهُ تعالى زَلَّ أيْ حَادَ عنِ الحَقِّ وضَلَّ وأنَّ الذي أَثبتَ لفظًا ولم يُنَزِّهْ معنًى بلْ شبَّهَ لَم يُصبِ التنْزيهَ أي لم ينَزِّهِ اللهَ عمَّا يجبُ تنْزيهُهُ عنهُ فيكونُ هذا التفسيرُ مطابقًا لِما عليهِ الفريقانِ فريقُ التعطيلِ وفريقُ التَّشبيهِ كالوَهَّابيةِ فإنَّ إثباتَ أصلِ الجلوسِ عندَهُم ليس تشبيهًا. ويُرادُ بالمعطِّلةِ المعتزلةُ والفلاسفةُ.
قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: فَإنّ رَبَّنا جَلَّ وَعَلا مَوصُوفٌ بِصِفاتِ الوَحْدَانِيَّة.
الشرحُ أنه سبحانه موصوفٌ بالصِّفاتِ التي تَنفِي عنِ اللهِ تعالى المشابهةَ لغيرِه.
قالَ المؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ: مَنعُوتٌ بِنُعُوتِ الفَرْدَانِيَّةِ.
الشرحُ أن هذا بمعنى ما قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا عبَّرَ بالعِبارةِ الثانيةِ لتأكيدِ العبارةِ الأُولى. والنَّعتُ والصِّفةُ بمعنى واحدٍ، والوَحدانيةُ والفَردانيةُ مترادِفانِ.
قالَ المؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ: لَيسَ في مَعنَاهُ أَحَدٌ مِنَ البَرِيّةِ.
الشرحُ أنه ليسَ في صفاتِه تعالى أحدٌ منَ الخلقِ، أيْ لاَ يَصِّحُ عقلًا ولا شرعًا أنْ يَتَّصِفَ العبدُ أوْ أيُّ شىءٍ منَ الأشياءِ الحادثةِ بشىءٍ منْ صفاتِ اللهِ تعالى. ولقدْ أساءَ التعبيرَ مَنْ قالَ في تفسيرِ الحديثِ الذي رواهُ البُخاريُّ: "إنَّ اللهَ خلقَ ءادمَ على صورتِهِ" "إنَّ اللهَ جعلَ ءادمَ مُتَّصِفًا بصفاتِه مِنْ سمعٍ وبصرٍ ونحوِ ذلكَ"، فهذا التعبيرُ فاسدٌ.
ومعنى: "على صورتِه" أيْ على الصورةِ التي خلقَها اللهُ وشرَّفها كمَا هو المَعنى في قولِه تعالى في حقِّ عيسى: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا﴾ (12) [سورة التحريم].
قالَ المؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ: وَتَعَالَى عَنِ الحُدُودِ وَالغَايَاتِ وَالأركَانِ وَالأَعضَاءِ وَالأَدَوَاتِ، لا تَحوِيهِ الجهاتُ السِّتُّ كسائرِ المُبْتَدَعاتِ:
الشرحُ أنَّ اللهَ تعالى ليسَ لهُ حدٌّ والحدُّ معناه نهايةُ الشىءِ، فلا يجوزُ عليهِ الحدودُ والمِساحةُ والمِقدارُ، فنفيُ الحدِّ عنهُ عبارةٌ عنْ نَفيِ الحجمِ. ومعنى "الغاياتِ": النِّهاياتُ وهذا مِنْ صِفاتِ الأجسامِ. ومعنى "الأركانِ": الجوانبُ، ومعنى "الأَعضاءِ": جمعُ عُضْوٍ أي الأجزاء الكبيرة وذلك من خصائص الأجسام، ومعنى "الأدواتِ" أيِ الأجزاءُ الصغيرةُ كالْلَّهَاةِ.
ومعنى قولِه: "لا تَحوِيهِ الجِهاتُ السِّتُّ" أيْ لا تُحيطُ بهِ الجهاتُ السِّتُّ وهيَ فوقُ وتحتُ ويمينٌ وشِمالٌ وقُدَّامٌ وخَلْفٌ، لأنَّ هذهِ لا تصِّحُّ إلا لِمَنْ هو جِرْمٌ، وفي هذا ردٌّ على ابنِ تَيميةَ حيثُ قالَ إنَّ للهِ حدًّا يَعْلَمُه هو، ولمْ يصِحَّ إثبات الحد لله عنْ أحدٍ منَ السَّلَفِ كمَا أَوهَمَ ذلكَ ابنُ تَيميةَ، بلْ نَقْلُ الطَّحاويِّ هذا فيهِ أنَّ السَّلَفَّ كانوا على تَنـزيهِ اللهِ عنِ الحَدِّ.
واللهُ سبحانَه وتعالى ليسَ داخلَ العَالَمِ وليسَ خارجَهُ وليسَ مُتَّصِلاً بهِ أو منفصِلاً عنه لأنَّه لوْ كانَ كذلكَ لَكانَ لهُ أمثالٌ لا تُحْصَى، وهو سبحانَه نفَى عنْ نفسِه المماثلةَ لشىءٍ بقولِه:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ﴾(11) [سورة الشورى]. وقدْ نصَّ على نفيِ التَّحَيُّزِ في المكانِ والاتِّصالِ والانفصالِ والاجتماعِ والافتراقِ عنِ اللهِ تعالى خلقٌ كثيرٌ منْ مشاهيرِ علماءِ المذاهبِ الأربعةِ، فَلْتُرَاجَعْ نُصُوصُهم.